في مصر حصلت "موقعة الجمل الشهيرة"، التي كانت تعتمد على مفهوم الاستبداد المتوحش، وفي المغرب الذي يعتمد على مفهوم الاستبداد الناعم، حصلت "موقعة ذات الصنادق"، التي يسميها اطفائيو النخبة السياسية المدجنة ب"ثورة الصناديق"، ويسميها "أولو الطول" من المترفين والمنتفعين من الريع السياسي والاقتصادي ب"الاستثناء المغربي"، هذا الاستثناء الذي جعل من أولوياته كشر شوكة المجتمع، وقمع تغول الشارع، وتحرير الفضاءات العامة من هذير الاحتجاجات السلمية الشعبية، وإعادة هيبة الدولة!.. كما صرح بذلك "كارزيات الحكومة الجديدة" مستلهمين نموذج "سنوات الجمر" التي أسست لمغرب " استقرار البركة وصمت المقابر". إن علة نظامنا المخزني لا تكمن في قلة المعرفة، بل في انعدام الضمير الوطني، وفي انعدام الارادة السياسية، وفي انعدام الاحترام الواجب للشعب.. "حقيقة عندنا أناشيد وطنية، وأعياد وطنية، كما عندنا مراحض وطنية، ولكن ليس لنا وطن"! .."فلقد أعطونا الساعات وسرقوا منا الزمن،أعطونا العطر والخواتم وأخذوا منا الحب"، وجاءونا بربيع كاذب، تزين فضاءاته ورود بلاستيكية بلا طعم ولا رائحة، واغتالوا خضرة الربيع وحمرة الشفق الأحمر. ولحكومة بنكيران معجزتان؛ معجزة القدرة العاجزة، ومعجزة العجز القادر، وقد قتلت فينا إرادة التغيير باسم الاستقرار، واستبدلت الأحلام بالكوابيس، لنعود بعد هبة شعبية، وحراك وطني غير مسبوق، نلعق غبار الهزيمة، ونحصد العاصفة.. فنظامنا المخزني الاستبدادي هو صانع آلام شعبنا بلا منافس، والأحزاب الرجعية الانتهازية هي التي تتاجر بهذه الآلام، من خلال استراتيجية الاحتواء الاستباقي، والتنفيس الاستباقي، والاطفاء الاستباقي.. وإذا كانت علوم التربية تؤكد بأن الإنسان يولد صفحة بيضاء، فالتربية المدجنة التي يتلقاها من خلال المنظومة التربوية المدرسية، أو المنظومة السياسية الحزبية، أو الحقل الديني الرسمي ببلادنا، تجعله غبيا، فاقد البوصلة. والديمقراطية المغربية هي أفضل نظام سياسي، يمكن ان نطبق فيها مقولات: " افعل ما شئت فلك الكبرياء"و" قلوا ما شئتم وأفعل ما أريد" و"كم من حاجة قضيناها بتركها".. وفيها يتجلى مفهوم الدولة العميقة، دولة الأجهزة اللامرئية والمافيات المتعددة الولاءات والانتماءات.. وتستحق أن يطلق عليها بامتياز لقب" الديمقتاتورية" لتكريس مفهوم "الاستثناء المغربي" .. وبعيدا عن سطحية السطوح، وبالكلام الفصيح، أقول لكل من أدمن على وهم "ثورة الصناديق" ودنس كفيه بأوراق الانتخابات الدستورية والبرلمانية التي افرزت لنا هذا"الاستثناء المغربي" المتخشب والعجيب، بأن يغسل كفيه سبعا إحداهما بالتراب، إذا أراد يتصالح مع ضميره الوطني، وذلك أضعف الايمان. وتبقى " ثورة الصناديق" المزعومة، والتي يسميها الأستاذ محمد المرواني ب"موقعة ذات الصناديق" شبيهة ب"موقعة الجمل" الشهيرة، مع فارق ملحوظ، هو أن هناك في مصر المحروسة، وجدت شعبا في كامل الجهوزية تصدى لفصولها، لكننا في المغرب وجدنا من يحاول أن يغطي الشمس بغربال، ويجعل من "موقعة ذات الصناديق" حدثا استثنائيا يزايد به على دول الربيع الديمقراطي حتى، لكن.. من رضع ثدي الذل دهرا رأى في الحرية خرابا وشرا.. والآن والهنا وفي زمن هذا "الاستثناء المغربي" نتعرض في حزب الأمة وللمرة الألف..! للمنع، ويحال ملفنا في التأسيس للقضاء، بالرغم أننا قد وفينا بكل التزاماتنا القانونية، كدليل أخر على زيف الزمن المغربي الرسمي.. لكن نقول لمن يريد أن يسقط غصن الزيتون من أيدينا.. حزب الأمة وجه من وجوه المستقبل، ولا يمكن أن تلوثوه بغبار الحاضر، ولن يستطيع كل قضاة الاستبداد أن يدينوننا يوما ما على ما نطالب به من حقنا في التعبير والتنظيم، فالتاريخ الذي يمثل أسمى حقيقة، سيمزق ذات يوم أحكامكم الجائرة، ويبرئنا من صك اتهام لم نرتكبه. [email protected]