وسقط حلم الربيع المغربي أو يكاد ,وصعدت العدالة والتنمية إلى الحكم على دماء وحناجر شباب العشرين التي هزت شوارع البيضاء والرباط وطنجة ... ولم يكن أكثر المتفائلين يتصور أن تتغير سياسة الدولة في معاملاتها مع الإسلاميين المُعارضين لها من سياسة العصا والعداء إلى سياسة الجزرة والإخاء. فهل يا تُرى أمسكت العدالة والتنمية الحكم في المغرب حقا؟,وهل هي من تُدبر الأمور وتًصدر القرارات وتتحكم في دواليب الدولة ؟!. يقول التاريخ أن الدولة المغربية لم تكن لتغامر يوما بتقريب مُعارضين خطيرين للقصر أبدا,وإنها ليست بتلك السذاجة حقا لتفعل ذلك,ولكن التاريخ أيضا لا يُنكر أبدا أنها قربت إلى قصرها مُعارضين من الطراز الرفيع ولكنهم لم يكونوا مُعارضين خطيرين ,حتى وصل الحال يوما بالملك الراحل الحسن الثاني إلى تقديم زعيم الاشتراكيين آنذاك عبد الرحمان اليوسفي وفي داخل قصره لأبنائه وبناته كرئيس للحكومة المغربية...! إن المعارضين الخطيرين للدولة المغربية ,لا يُمكن وبأي حال أن تُقربهم الدولة إلى دواليبها أو تصنع منهم رجالاتها ,ففي ذلك الأمر انتحار لها ولا شك,ولكنها تُقرب المُعارضين الضُعفاء أو قليلي الخبرة. إن الكلمة السحرية التي من خلالها تُحدد الدولة المغربية قوة أو ضعف مُعارضيها هي التنازل,فكلما كان المُعارض أكثر تنازلا كلما كان أسرع للاستيعاب والعكس صحيح... في صيف 2009 عقد أبناء العدالة والتنمية مؤتمرهم الوطني في بوزنيقة وقد كان الجميع متفقا على أن يكون إسم الحزب هو النهضة أسوة رُبما بحزب النهضة الذي كان قد أسس بتونس بقيادة الغنوشي ,ولكن سُرعان ما تلقى مُصطفى الرميد "وزير الحريات والعدل حاليا " اتصالا من هاتفه يُخبره بضرورة تغيير الاسم ,فتم في الحال تغييره ووقع الإختيار في النهاية بين إسمين هما "السلم والسلامة" و "العدالة والتنمية " ,فكانت الأغلبية الحزبية للاسم الثاني وهو ما كان لحد ألان...وكان هذا هو التنازل الأول...! العدالة والتنمية الذي دخل إلى البرلمان عام 1997 كأعضاء لا كحزب "الحزب تأسس عام 1999" ,وافق على الدخول إلى البرلمان بعشرة مُرشحين فقط ,وكان ذلك القرار من وزير الداخلية أنذاك إدريس البصري الذي كان في البداية مُعارضا أصلا لدخول كل من ابن كيران والرميد ويتيم وباها إلى البرلمان لولا أن جمع بعض من أبناء العدالة والتنمية حقائبهم متوجيهن إلى منزل إدريس البصري ليبدوا حُسن نياتهم إلى السلطات ,وكان هذا هو التنازل الثاني!!!... وفي صيف عام 2003 قدم الدكتور المغربي أحمد الريسوني استقالته من صفوف حركة التوحيد والإصلاح بعد ضغوطات رهيبة من الدولة بعد تصريحات مُثيرة منه لإحدى الصُحف الفرنسية حول إمارة المؤمنين,وقد سارع أبناء الحزب والحركة لدعوة الدكتور إلى تقديم استقالته وهو ما كان ,رُغم ما يتمتع به الرجل من علم شرعي وحنكة سياسية لا يُضاهيه فيها أحد لا من الحزب ولا من الحركة ,وكان هذا هو التنازل التالث!.. وفي نفس السنة وافق العدالة والتنمية على استقالة أو "إقالة" المحامي مُصطفى الرميد من رئاسة الفريق البرلماني لما يتمتع به الرجل من قوة كلامية وبراعة في الخطاب طالما أعجب السامعين ,وبسبب نبرة صوته القوية وقوة حُجته أزعج بعضا من رجالات الدولة التي سارعت بالاتصال بالحزب مُطالبة إياه بإقالة مُصطفى الرميد من قيادة فريقه البرلماني وهو ما كان ,وكان هذا هو التنازل الرابع. وبعد أحداث الدارالبيضاء التي يعلم الله وحده من يقف خلفها ,تنازل حزب العدالة والتنمية عن كثير من الأمور بُغية أن يُظهر حُسن نواياه وتوجهاته ,وقد أراد المُشاركة في المُظاهرة المليونية التي جرت بالبيضاء تحت عنوان "لا للإرهاب " وهو يعلم لما أُجريت ,وقدم قياديوه تصريحات غريبة عجيبة لينفكوا من تُهمة الإرهاب ,ومشوا مع سياسة الدولة في مُحاربتها للإرهاب ووقعوا على قانون الإرهاب الذي جاء من البيت الأبيض بالأغلبية المُطلقة وسكتوا على اعتقال الالاف من أبناء الحركة الإسلامية الذين زُج بهم في سجون المملكة لسنوات ,,!! وكان هذا هو التنازل الخامس!. وعندما وصلت العدالة والتنمية إلى الحُكم غيرت بعضا من سياستها,فأصبحت ترى الهمة صديقا ولطيفا بعدما كانت تراه عدوا ,ووافقت على رئاسة غلاب للبرلمان بعدما كانت مدونته خرقاء ,ولم تعد ترى في المهرجانات وسيلة للفساد,وإنما لأن "الناس عاوزة كده" ,وحين يتحدث الشوباني عنها بأذى يُطلب منه السكوت,وحين يتكلم الرميد بسوء عن القضاء ,يُقال أنه كلامه وجهة نظر لا أكثر ولا أقل ,وحتى حين ينتقد برلمانيو العدالة والتنمية العمال والولاة يُطلب منهم عدم التعليق على الأمر لأننا "مابنفهمش في الجاجات ديه!!! ".وكان هذا هو التنازل السادس !!!... إن العدالة والتنمية أخطأت في دخول حكومة لا تُمثل فيها هي الأغلبية المُطلقة لأنها بذلك ستحكم ولا تحكم في نفس الوقت ,وهي مُهددة في أية لحضة بالموت,إن ما قرر فريق فيها العودة إلى المُعارضة ,وقد قال يوما أحد قيادي حزب الاستقلال وإسمه محمد بوستة عام 1984 ,قال كلاما لا أعتقد أن بعضا من قيادي العدالة والتنمية قد قرؤوه :"إنه من المعروف,أن لا يحصل أي حزب في الانتخابات على الأغلبية المطلقة في المقاعد وأن أحزاب الأغلبية والمعارضة يجب أن يكونوا دائما في صراع بينهم". والأمر حصل فعلا للعدالة والتنمية فما هي مُمسكة الحكم وما هي خارجة عنه!. لا شك وأن العدالة والتنمية قد دخلت الحكومة المغربية ولا ريب أيضا في أنها قد دخلت إلى البرلمان ومؤكد على أن السيد ابن كيران يتلقى الاتصالات الهاتفية من القصر ورُبما هي قد دخلت إلى ساحات القصر وأطرافه ولكنها وبالتأكيد لم يُسمح لها بدخول القصر !!! وفيما يلي خمسة أسباب كُبرى تؤكد على أن العدالة والتنمية لا تحكم المغرب: 1 السكوت على أحداث الدارالبيضاء غريب جدا,هذا الصمت الرهيب لقيادي العدالة والتنمية حول هذا الموضوع الكبير ,فإن كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر قد غيرت مجرى الولاياتالمتحدةالأمريكية فإن أحداث السادس عشر من ماي قد غيرت الخريطة السياسية داخل المغرب وما زالت البلاد تُعاني من أثارها لحد الساعة ,وكثير من القرارات والقوانين وُقعت وما زالت سارية المفعول لحد الساعة بسببها,وقد كان حزب العدالة والتنمية الحزب الاول الذي شكك في الأحداث وطالب بالكشف عن مُسببيها وإخبار الرأي العام بمًستجدات الملف ومن تسببوا فيه,ولكن سُرعان ما طُوي الملف بعد وصول العدالة والتنمية إلى الحُكم ولم يعد من أوليات حكومة عبد الإله ابن كيران ,ليس لأنه لم يعد خطيرا ولكن لأن المتسببين فيه رٌبما هم الخطيرين الذين قد لا يقوى رئيس الحكومة المغربية على مُجاراتهم!!!. 2 السكوت عن مقالع الرمال وأعالي البحار لا بد وأن زير التجهيز والنقل السيد عزيز رباح كان متفائلا أكثر من القياس ,فبعدما نشر لائحة المُستفيدين من "ألكريمات" اعتقد المسكين أن نفس الشيء سيكون بالنسبة لمقالع الرمال وأعالي البحار ,إلا أنه فوجئ من أن الموضوع الأول لا يهم إلا رجالا من صغار الدولة من الفنانين والرياضيين وقليلي الحكمة والقيادة في دواليب الدولة,في حين أن الموضوع الثاني يخص كبار الرجال من سياسيها وعسكريها وأن نشرها قد يُسبب أزمة كُبرى ,وقد كان على الحزب السكوت خيرا له ولأبنائه لأن القضية أصبحت "ماشي لعب...! 3 السكوت عن مهرجان موازين لقد كان مهرجان موازين بارومتر يحدد قياس حُكم العدالة والتنمية من عدمه ,وقد كان أبناء الحزب يتذمرون منه كثيرا حتى ليكاد يأتي بنسخة جديدة حتى نقرأ أن أول التعليقات المُنددة به كان قبل أبناء الحزب الذين أوصلوا القضية إلى قبة البرلمان وقالوا فيه ما لم يقله مالك في الخمر,وإنتقد الوزير في الحكومة المغربية الحبيب الشوباني مهرجان موازين بشدة ليتم الرد عليه هاته المرة وبشدة أيضا من إخوان دربه يا لحسرتاه ,ويقول فيه وزير التعليم العالي ما لم يقله مُنظم المهرجان منير الماجدي بنفسه!!!,ويصف مدير المهرجان كلام الشوباني بالغوغائي ولا يتحرك أحد...! والغريب في الأمر أن العدالة والتنمية أوقفت أحد المهرجانات بمدينة مراكش ولم توقف مهرجان موازين ,رُغم أن الحضور في مهرجان مراكش أيضا كان كبيرا وحتى التكلفة المادية غالبا ما تكون كبيرة بسبب حضور عدد كبير من الأجانب !!!. فما الفرق بين المهرجان الأول والثاني ,فكلاهما يؤديان إلى الفساد ,وكليهما يُبذران أموالا طائلة وكليهما يحضيان بمتابعة كبيرة ! سؤال يُجب عنه أبناء العدالة والتنمية. 4 السكوت على تعيينات العمال والولايات من العجائب والغرائب التي شهدناها أول الشهر الماضي ما يؤكد على أن العدالة والتنمية خارجة من الحُكم ,فقد تم تعيين الولاة والعمال حتى دون أن يعلم السيد الرئيس عبد الإله بن كيران بأسمائهم ,ورُبما سمع بها على المذياع ,تماما كباقي المواطنين الكرام,فقد كان وزير الداخلية امحند العنصر المكلف الاول والأخير في الملف وعرض اللائحة النهائية على الدولة التي بصمت على العشرة لتُرسلها إلى إبن كيران للتوقيع,وقد وقع !,,والعجيب أن السيد ابن كيران وقع على اللائحة وهو يرفض بعض الأسماء ,!!,وحين إنتفض بعض من أبناء حزبه داخل البرلمان أجابهم ابن كيران في أنه لا يعرف الولاة والعمال وأن الذين وضعوهم هم أعلم الناس بهم وفي هذا قد نسي أو تناسى ابن كيران أن يقرأ من سير النبوة والصحابة ولعلي أذكره ببعض منها فقد عزل الرسول صلى الله عليه وسلم العلاء بن الحضرمي عامله على البحرين؛ لأن وفد عبد قيس شكاه. كما أن للخليفة عزل الوالي دون سبب فقد عزل الرسول صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل عن اليمن من غير سبب. وكان عمر بن الخطاب يعزل الوُلاة بسبب وبغير سبب. فعزل زياد بن أبي سفيان ولم يُعيّن سبباً، وعزل سعد بن أبي وقاص لأن الناس شَكوا منه. وقال: «إني لم أعزله عن عجز ولا عن خيانة». مما يَدّل على أن للخليفة أن يعزل الوالي متى يشاء، وعليه أن يعزله إذا شكا منه أهل ولايته. ! 5 إعادة الهيبة للدولة إنه قانون لم نسمع به من قبل ,حتى سمعنا به من أفواه وزرائنا الكرام,به تم ضرب المُعطلين بشدة من أمام البرلمان ,وبه تم فك اعتصام للسلفيين وبالقوة من أمام وزارة العدل بالرباط ,وبه أصبح كل من يتظاهر ليُطالب بحقوقه مُهددا بالضرب على الرأس لأنه يُهدد أمن الدولة ,وهذا القرار ذكرني بقرار مُشابه كان قد أدين به أحد أبناء الريف سُمي أنذاك بقانون "تسفيه جهود الدولة" ,ولا شك أن هذا القرار لم ينطلق من أبناء العدالة والتنمية فمُصطلحات إعادة الهيبة واستعمال القوة عادة ما تأتي على لسان العسكريين لا المدنيين ,وهو الأغلب في الأمر ,ولكن لضُعف رجال العدالة والتنمية فقد وافقوا على الأمر دون تفكير,فالأمر كما قلنا لا مجال فيه للنقد أو التحليل ,ولعلي أذكر أخي السيد عبد الإله بن كيران مرة أخرى بمثال من التاريخ الإسلامي فقد ولى عمر بن عبد العزيز على خراسان واليا فأرسل إليه الأخير يستأذنه في أن يرخص له باستخدام بعض القوة والعنف مع أهلها, قائلا في رسالته للخليفة “إنهم لا يصلحهم إلا السيف والسوط ” فكان رده عمر ” كذبت . . بل يصلحهم العدل والحق فأبسط ذلك فيهم, واعلم أن الله لا يصلح عمل المفسدين". عندما وصل الاشتراكيون إلى الحُكم بقيادة الرئيس الاشتراكي متران ,خافت الدولة من تقارب وشيك جدا بين الحزب الاشتراكي الفرنسي والحزب الاشتراكي المغربي اللذان يتشاركان في نفس الإيديولوجية ,مما قد يُشكل خطرا كبيرا على الدولة المغربية أنذاك ,مما حذى بالملك الراحل الحسن الثاني إلى إدخال الاشتراكيين إلى الحُكم وتكليف عبد الرحمان اليوسفي لقيادة الحكومة ,بعدها بأيام أخذ أحد قيادي الحزب الاشتراكي الفرنسي أنذاك وإسمه جوسبان ألان شانيل أخذ السيد ولعلو من بذلته وقال له نصيحة عجيبة مفادها "إذا كنتم ستنتظرون أن تكون الأمور في منتهاها فلن تصلوا يوما إلى الحكم,إن القصر لما عرض عليكم المُشاركة فلأنه في حاجة إليكم" "كتاب الحسن الثاني دال". .والعبرة لمن يعتبر ((فاعتبروا يا أولي الأبصار))....