عندما نريد، نحن المغاربة، التحدث عن سرعة زوال شيء ما، ندد: «سبع أيام ديال الباكور دازت». وهكذا هو حال مهرجان «موازين» الغنائي الذي انتهى مساء السبت الماضي، بعدما أخرج العاصمة من سكينتها المألوفة طيلة شهور السنة. ولم تتوقف هذه الحركة غير الاعتيادية عند الرباط فحسب، بل امتدت لتشمل مختلف المدن والبوادي المغربية، من خلال نقل سهرات المهرجان المذكور على التلفزيون، وجعلها تتبوأ مكانة الحظوة في تقارير نشرات الأخبار والمجلات والبرامج المختلفة، بخلاف العديد من المهرجانات الثقافية والفنية التي لا تحظى ولو بخبر صغير في الإعلام العمومي. هذه التظاهرة الفنية يصدق عليها المثل الدارج «فلوس اللبن يديهم زعطوط»؛ فمهرجان «موازين» ينال دعما مجزيا من المال العمومي وشبه العمومي والخاص، وهو مال يُوزّع بسخاء على المطربين الوافدين من مشارق الأرض ومغاربها، في حين يبقى الفتات من نصيب بعض الفنانين المغاربة... دلّوني بالله عليكم، على بلد يحترم فنانيه، ويجعلهم قلة قليلة في برامج مهرجاناته، ويمنح هذه القلة أضعف الأجور وأهزلها؟ واللافت للانتباه أن بعض المطربين الشرقيين فطنوا إلى حيلة ذكية لكسب ود منظمي مهرجان «موازين»، تتمثل في أداء أغان مغربية شهيرة ضمن سهرات هذه التظاهرة... (يا للمفارقة: حينما يود البعض تبرير عدم انتشار الأغنية المغربية في المشرق، يقولون إن لهجتها صعبة وغير مفهومة، ولكنها تصير سهلة وطيعة على اللسان حينما تُتَّخذ وسيلة لبلوغ حاجة في نفس يعقوب! ) الواقع أن مهرجان «موازين» يفتقر إلى هوية أو خصوصية مميزة. إنه خليط من الأنواع الموسيقية والغنائية التي لا يجمع بينها ناظم. ومن ثم، فإنه لا يخلّف أي أثر على الساحة الفنية المغربية، ولا في الثقافة المغربية، ولا يستحق أن يرقى إلى مصاف المهرجانات العالمية التي تحقق للمدن التي تحتضنها صيتا مذويا وحتى عائدا سياحيا واقتصاديا مهما. مثل هذا الأمر لا يحصل مع مهرجان «موازين». وإذا كانت كاميرات التلفزيون تكتفي بتلميع صورة هذه التظاهرة، وتبرز أجواء البهجة التي تخلقها في نفوس المنظمين والفنانين والجماهير المتحمسة بفعل مجانية الحضور، فإنها تغفل المعاناة التي تتركها كل سهرة من سهرات هذه التظاهرة لدى فئات معينة من الناس، ولاسيما رجال الأمن الذين يعانون الأمرين من أجل أن يمر كل شيء بسلام، وعمال النظافة الذين يتجشمون أعباء مضاعفة بسبب فضلات المأكولات والمشروبات التي يتركها أصحابها في الساحات والشوارع، وأيضا المعاناة التي يقاسيها الطلبة وهم يستعدون لامتحانات آخر الموسم الدراسي، حيث تزعجهم ضوضاء السهرات والسيارات وجلبة الجمهور، وقس الشيء نفسه على المسنين قاطني «دار العجزة» في الرباط... كلام لا يقال والكاميرا «شاعلة»، ولكن بعد «إطفائها» (أي بعد عدم تشغيلها)، بتعبير الثنائي الساخر أيام زمان (بزيز وباز). المهرجانات الثقافية والفنية المهمة في المغرب صنفان: صنف يكتسب أهميته من قربه من مراكز القرار في البلاد، وصنف تكمن قوته في مضمونه وهويته وتوجهاته. أما مهرجان «موازين» فهو كالزبد الذي يذهب جفاء. «موازين» مجرد سهرات لا طاقة للرباط بكثرتها، وهو أيضا منصات مفتوحة على الهواء الطلق تزعج السكان في أحيائهم. وعوض تمويل هذه السهرات بالمال العمومي وشبه العمومي والخاص وفرضها على المشاهدين عبر القنوات التلفزيونية العمومية طيلة ثمانية أيام، لماذا لا تفكر جمعية «مغرب الثقافات» (التي لا يسمع بها الناس سوى خلال مهرجان «موازين») في أن تجعل هذه التظاهرة سهرات مؤدى عنها بالكامل، تنظم في قاعات مغلقة وبعيدا عن الأحياء السكنية، لكي يذهب إليها من يريد فرجة معينة وهو حامل تذكرته الخاصة؟ عندها فقط، يمكنها أن تختبر قيمة المهرجان. [email protected]