ثمة على الأقل مسألتان نرى أن لهما صلة بموضوع التخطيط التربوي والخريطة المدرسية ونود إثارتهما هنا. وإذا كانت المسألة الأولى تتعلق بضبط وتدقيق توطين المؤسسات التعليمية في المجالين الترابي والبشري، فإن الثانية تحيل على المواكبة القانونية لعمل التخطيط التربوي من أجل الاستجابة للطلب المتزايد على الخدمات العمومية في مجال التمدرس والتعليم مما لا شك فيه أن عمليات التخطيط التربوي وضبط الخريطة المدرسية ، على مستوى النيابات التعليمية، تستند إلى معطيات وتفاصيل محددة ، مبرمجة ، ومجدولة في هذا الشأن ( إحصاءات تدفقات المتعلمين مدى توفر العقار ... لكننا لسنا ندري مع ذلك لماذا تحدث بعض المفاجآت أحيانا حيث تكون مؤسسات مبرمجة للاشتغال في مواسم دراسية محددة بل تعين فيها أطقم إدارية للتسيير ويحين الموعد ولا تشرع في الاشتغال لتظل حبرا على ورق كما يقال . وفي الغالب يكون السبب راجعا إلى مشاكل وصعوبات تخص تدقيق مكان توطين هذه المؤسسات من حيث وضعية العقار وجاهزيته للاستعمال المرغوب. ومما يزيد في إدامة مثل هذه المشاكل والصعوبات ، ما يتعلق بمواصفات العقار والمعمار المطلوبة من الناحية المسطرية والقانونية ، لإقامة المؤسسات التعليمية وبصفة خاصة من حيث مساحة القطعة الأرضية وشكل وهندسة العمارة والمرافق المفروض توفرها في المؤسسة التعليمية سواء كانت ابتدائية أو إعدادية أو تأهيلية. ولعل هذا ما يبعث على التساؤل : ألم يحن الوقت الآن لإعادة النظر في البعض من تلك المواصفات والشروط المسطرية والقوانين ، خاصة ونحن نعيش في ظل واقع الحال الراهن المتميز بندرة العقار وارتفاع ثمنه ؟ لقد صار من الصعب ، في حالات كثيرة ، توفير قطعة أرضية بمساحة 15000 متر مربع لإنشاء مؤسسة تعليمية ( ثانوية تأهيلية مثلا ) ، كما تنص على ذلك القوانين الجاري بها العمل. لماذا لا يتم التفكير إذن في حلول وبدائل تدبيرية مبتكرة في إطار تشاركي مع قطاعات حكومية أخرى ما دام الشأن التعليمي شأنا مجتمعيا عموميا ؟ كأن يتم اعتماد التوسع العمودي عوض الأفقي، مع توفير الشروط اللازمة المعمول بها دوليا من أجل السلامة والأمن الإنساني للتمكن من تحقيق الاستغلال الأمثل للمجالات المتاحة خاصة بالنسبة للإعداديات والتأهيليات ، دون إغفال ما يمكن أن تتيحه المقاربة التشاركية الموسعة ، مع القطاعات الحكومية ذات الاهتمام المشترك بالشأن التعليمي مثل وزارة الداخلية والجماعات المحلية والشباب والرياضة إلى جانب منظمات المجتمع المدني ، من إمكانيات وفرص على طريق تجاوز مشكلة الفضاءات الرياضية الضرورية لممارسة مادة التربية البدنية ، بالنظر إلى تمتصه هذه الفضاءات من نسبة مرتفعة من العقار ، مع التفكير في التوجه نحو التركيز على إعداد فضاءات وملاعب خاصة برياضات معينة وبجودة عالية حسب الجهات أو المناطق أو المؤسسات مما يمكن أن يساعد على تطوير تخصصات رياضية محددة بمناطق أو مؤسسات محددة . لماذا انبرى البعض لمواجهة فكرة كانت قد ظهرت في أكاديمية الدارالبيضاء وتتوخى استثمار رصيد عقاري ذي قيمة مالية مرتفعة بوسط المدينة من أجل من سد الخصاص الحاصل في النواحي ؟ توجد الآن ببعض المدن مؤسسات تعليمية متقاربة تشتغل بأقل من طاقتها الاستيعابية ، بينما تعاني الأحياء الجديدة بالضواحي من خصاص في المؤسسات التعليمية أو تشتغل المؤسسات المتواجدة بها بأكثر من طاقتها الاستيعابية الحقيقية. ألا يمكن أن تكون تغطية هذا بذاك حلا ممكنا في ظل واقع يتسم بندرة الوعاء العقاري بالمدن وارتفاع ثمنه من جهة مع تضاؤل الطلب على التمدرس بوسط المدن، كنتيجة طبيعية للحركية العمرانية نحو الهوامش وارتفاعه بالضواحي لنفس السبب ؟ إلى جانب هذا، تتوفر العديد من المؤسسات التعليمة بالكثير من المدن على واجهات ممتازة من الناحية الاستراتيجية . أليس من الممكن استثمارها لتحقيق هدفين رئيسيين على الأقل من جهة ، توفير تمويل إضافي من شأنه أن يساعد على تجسيد نظام " سيغما " SEGMA)) ( مصلحة الدولة المسيرة بشكل مستقل ) الذي جاء به الميثاق الوطني للتربية والتكوين ، والذي لم يجد طريقه إلى التفعيل لحد الآن وتعزيز الأمن الوقائي بحزام واقي للمؤسسة من جهة ثانية. يبدو إذن أن الأمر يتعلق في البداية والنهاية بالمواكبة القانونية للتحولات السوسيو مجالية والحاجات الاجتماعية بصفة عامة وفي قطاع التربية والتعليم بصفة خاصة . ومن شأن هذه المواكبة أن تعمل ليس فقط على ضمان مجانية التعليم كمكسب جماهيري مع تجويد خدمات المدرسة العمومية ، بل وأيضا على ترجمة القيمة والأهمية الممنوحة للتربية والتعليم في السياسة العامة للحكومة منذ مدة ليست بالقصيرة . * مفتش مادة الفلسفة بنيابة الناظور