قبل سنة وبضعة أيام، قام بعض الشباب المغربي بحملة لمناهضة مهرجان موازين، فكانت العصا المخزنية في انتظارهم، وقريبا جدا منهم، كانت حركة ال20 من فبراير تحتج على هدر المال العام، وذلك عندما ردد المحتجون بحي سباتة بالدار البيضاء من جملة شعارات رددوها:"أش بغينا شاكيرا..بغينا خبزة وكوميرة"، فردت عليهم قوات الأمن برد غاية في التحضر لا زالت الصور ومقاطع الفيديو شاهدة عليه، ليبرز آنذاك الاستثناء المغربي بأبشع صوره: ليلة سبت ترقص فيها شاكيرا مع الآلاف من المغاربة على نغمات "واكا واكا"، ويوم أحد يصرخ فيه شاب مغربي مضرج في دماءه:"واك واك..فينا هي حرية التعبير فالمغرب.." مرت سنة تقريبا، وعوض أن يتغير القليل من بؤس السنة الماضية، ازداد الوضع قتامة: حركة ال 20 من فبراير شاخت واقتربت من موتها، حملة مناهضة موازين لم تعد بالقوة السابقة، ومهرجان موازين صار أكثر حضورا وأكثر رداءة من ذي قبل، لنتيقن أن الأوضاع في هذا البلد قلما تأخذ المنحى الصحيح للتطور وغالبا ما نعود لنقطة الصفر أو لدرجات تحت الصفر.. فمن يتحمل مسؤولية هذا العبث الذي يحدث؟ هل هي الدولة؟ أم المواطن؟ المعروف أن أغلب الأنظمة في دول العالم الثالث لا تقدم الإصلاح لمواطنيها كهدية العيد أو مكافأة على الوطنية الصادقة، فهذه الأنظمة تستفيد من أوضاع الفساد لبناء اقتصاد يمتع النخبة الحاكمة ومن يدور في فلكها بامتيازات كبيرة، تجعل البون شاسعا بينها وبين باقي طبقات المجتمع، وبالتالي، كان عاديا وبديهيا أن تعارض هذه الأنظمة أية محاولة للإصلاح كيفما كانت، لأنها تهدد وجودها الاقتصادي وتمتعها بهذه الامتيازات التي حصدتها من جيوب المواطنين، وهذا هو ما يرشدنا إليه التاريخ عبر دفاته: فلا يوجد نظام في بلدان العالم الثالث قبل بالإصلاح وبالتغيير، وإنما فرض عليه من طرف نخبة مناضلة وغيورة وأغلبية تشجع عمل هذه النخبة ولا تقف عقبة في طريقها. أما عندنا نحن بالمغرب، فنخبنا تصيح في واحد، وبقية الشعب تغني في واد آخر، البعض يدعو لمقاطعة مهرجان موازين لما يكلفه من ميزانية للدولة وما يكرسه من تفاهة حين يتم استقدام مغنين تظهر السخافة في أسماءهم ووجوههم قبل أن تتبدى في أغانيهم، والبقية تؤكد على مقولة لمن تحكي زابورك يا داوود، فتكتظ الممرات المؤدية للمهرجان بهم، ويتسابقون نحو أخذ الأوتوغرافات من مغنيي آخر زمن، وعندما تنتقدهم يردون عليك بأنك تكره هذا الوطن وبأنك حقود على أبناء هذا الشعب.. في كل مرة يسألني الأصدقاء عن سبب فشل حركة 20 فبراير وقبلها عدد من الأحزاب الديمقراطية والمنظمات المناضلة في التغيير، أجيبهم أن الشعب هو السبب، فهو مصاب بالتناقض إلى حد الهذيان، عندما تسأله عن أمنيته: يجيبك العيش بحرية وكرامة، ولما تسأله أن يناضل من أجلها، تجده يشجع الأوضاع الحالية ويمجد الفساد ويقول بأنه سبب ازدهار المغرب، وعندما تسأله عن رأيه في السياسة، يجيبك بأنها منعدمة في هذا البلد، ولما تطلب منه فعلا ما من شأنه أن يرد لها الاعتبار، يرد عليك بأنه رغم انعدامها فهي من جعلته يعيش بأمان ولم تدخله في حروب كما وقع للعراق وأفغانستان.. الأكيد أن الدولة تتحمل الكثير من المسؤولية في ما وصلته الأغلبية من تخلف بتشجيعها لثقافة الميوعة وإغلاقها لعدد من منابع الفكر الأصيل والمتنور الذي قد يجعل هذه الأغلبية تفكر، لكن هذا الأمر موجود في الكثير من الدول وليس بالمغرب وحده، ولم يعد مقبولا أن نلقي باللائمة ككل على الدولة لوحدها، آن الأوان أن نعترف أننا جميعا -سواء أتموقعنا مع الأقلية أو مع الأغلبية- نتحمل مسؤولية تخلفنا، ومسؤولية تأخر التغيير ببلادنا، لأننا أصلا لا نعرف ماذا نريد، وحتى عندما نعرفه، نتوه في الدروب المؤدية إليه.. مهرجان موازين ليس سوى نسخة مصغرة من تناقضاتنا المتعددة..ففي سنوات غابرة..كان الفن وعاءا للمأساة الإنسانية..ومنبعا للمشاعر النبيلة الراقية..وتحول في زماننا الحالي..إلى مبرر لاستنزاف أموال الفقراء..وإلى قصيدة تافهة تتغنى بالظلم وتمجد الفساد.. http://www.facebook.com/azzam.page [email protected]