كم أنت "شارد"، دون أن تدري يا جاري القريب ،عن لحظة الحقيقة ! فمتى تسترجع الوعي الذكي بما يحصل في قلب دارك قبل اندلاع نيران البغض المدمرة مرة أخرى لا قدر الله ؟ من حقك أيها الجزائري أن تتساءل بحرقة، إن كانت الثروات الهامة التي يختزنها باطن أرضك وأرض أجدادك التي سقيتها بدمائك العطرة، ضد المستعمر الفرنسي، نعمة أم نقمة.أم هي ليست سوى قدرا مقدورا على صناعة الشقاء، ونزول البلاء..من حقك أن تسأل، والسؤال ليس حراما في بلدان لها نصيب من احترام آدمية الإنسان، أين ذهبت عائدات الثروة النفطية؟ ولصالح من سخرت ؟ وكيف سيفسر المسئولون الحاليون والقدامى على السواء، للشعب الجزائري الفقير "ضيق الحال" و محدودية الإمكانيات" و"نقص الميزانيات" في تمويل مشاريع النماء ،في وقت ازدادت الطلبات العالمية على النفط الجزائري وغازه الطبيعي فازدادت معها المداخل والأرباح الخيالية لتصل سقفا فاق كل إدراك ؟ من حقك أن تتساءل: لم لم تنجح الديمقراطية في بلدك؟ اليوم يتعاظم السؤال عن الثروة المنهوبة لأسباب عديدة.فالشعب الجزائري هو الشعب الوحيد الذي ارتفعت فاتورة حريته لمليون شهيد في شمال أفريقيا. ولأن الفاتورة كانت ثقيلة وباهظة ، والجيران من حوله غيروا أوضاعهم، وانتفضوا على حكامهم الطغاة ،في ثورات الربيع الديمقراطي، فسحلوا بعضهم على إسفلت الطرقات في منظر رهيب ،ونفوا سجنوا البعض الآخر،فإن الجزائري يتساءل اليوم: هل من الضروري أن يبقى وحيدا في المنطقة رهين قبضة حكم عسكر بليد، لا يفقه من السياسة إلا إشعال نيران فتن داخلية وحرب أهلية مدمرة بين عموم المواطنين وأجهزة "دولته" ،انعدمت معها الثقة بين الطرفين؟ لماذا يصر هؤلاء العسكر على جعل الجزائر"استثناء" بعيدا عن الربيع الديمقراطي؟ معلوم أن الفساد المستشري في الجزائر يرجع لعهود تاريخية طويلة ،لفترة ما بعد الانقلاب على الرئيس الراحل أحمد بنبلة. فالطغمة العسكرية بقيادة الراحل إلى عفو الله "هواري بومدين" زجت بالبلد في متاهات وخيارات اقتصادية لم تجد نفعا.فالثورة الفلاحية التي قادها الحزب الحاكم لم تحقق الأمن الغذائي المنشود.والثورة الصناعية الثقيلة من جهتها سرعان ما تجاوزتها التقانة الجديدة ، في كل من اليابان وأوروبا فصارت منتجاتها الصناعية المحلية بائرة في مخازن ومستودعات تحولت لخردة لا تصلح لشيء ،اضطرت معها الحكومة إلى التخلي عن السياسة الصناعية الثقيلة والاكتفاء بإيرادات البترول والغاز خاما ومكررا.وما جعل أزمة الجزائر تتفاقم يوما بعد تحول هذه الثروة إلى "ريع" تستفيد منه نخبة عسكرية محيطة بالقصر،تتحكم في دواليبه دون أن تظهر ،وإن كان أحيانا تضطر إلى الإفصاح عن وجهها القبيح لإعادة الدفة إلى الوجهة التي تريد،كما حدث مع انتخابات عام 1992 حين تدخل الجيش في انقلاب "أبيض" ضد جبهة الإنقاذ الإسلامية الفائزة ديمقراطيا وبشكل ساحق في انتخابات نزيهة باعتراف دولي .. الجيش يمسك إذن بالخيوط السياسة لهذا البلد إمساك الأعمى بمعصم قائده.. وهي خيوط ليست رفيعة واهية كما يعتقد البعض ..بل هي قيود متينة.والراغب في الدخول إلى قصر المرادية لا بد له من قبول شروط العسكر. وكل مخالف لها حتما ستكون النهاية على غرار نهاية الراحل محمد بوضياف". لذلك يشبه الكثير من المتابعين الرئيس الحالي،المصاب بمرض خطير، عبد العزيز بوتفليفة "بالدمية اللعبة"في يد المهرج خلف الستار. فالتوجه العام لسياسة قصر المرادية هو مسايرة الفساد المسيطر على الجزائر "الفقيرة" والاكتفاء باقتسام الكعكة مع العسكر.. فمن التسريبات التي جاءت على موقع ويكليكس أن السفير الفرنسي في الجزائر برنار باجولي أكد , لنظيره الأمريكي روبرت فورد إن "الفساد بلغ مستوى متقدما, حيث وصل إلى داخل الجيش ووصل إلى قمة الهرم", بمن فيهم إخوة الرئيس بوتفليقة المتورطين في فضيحة فساد وإفلاس بنك "خليفة ".فالجيش أفسد كل شيء:الاقتصاد والسياسة معا..ووحدها الجزائر الآن تعيش في شمال أفريقيا خارج التاريخ.. واليوم تعيش على وقع الصدمة بإعلان نتائج "خيالية" غير متوقعة بالمرة لانتخابات تشريعية،اقل ما يمكن نعتها إياها ب"البهلوانية" لما شابها من خروقات ضحك منها المحلل السياسي والأستاذ الجامعي والأكاديمي والشاب العاطل والمرأة ربة البيت .انتخابات جرت في أجواء مسبوقة بكثير من الشكوك في معناها ومبناها، وفي مصداقيتها التي تأكد أنها «مضروبة" بقوة كما كان الشأن في المغرب زمن الانتخابات المزورة على عهد وزير الداخلية السابق إدريس البصري. فثمة أزمة ثقة إذن تتواصل تجلياتها في المشهد السياسي الجزائري ،رافعة شعار "لا جدوى ولا معنى " من الانتخابات في بلد يشهد فيه المواطن تزوير إرادته جهارا نهارا ،خلاف دول قريبة على يمينه و يساره وبمقربة من حدود أراضيه..ف"لم يتغير شيء " ، يرصد بحرقة المحلل السياسي والكاتب عابد شريف. ما جرى في الجزائر مهزلة بكل المقاييس يقول المحامي سعد جبار من لندن. فالفاعلون الحقيقيون في التصويت الأخير ، إضافة إلى الشيوخ "المنتهية صلاحيتهم السياسية" هم الجيش الذين أعطيت لهم تعليمات شفوية لملء صناديق الاقتراع بقوائم جبهة التحرير الحزب الحاكم. وكشف محمد صديقي رئيس اللجنة الوطنية المستقلة لمراقبة الانتخابات أن اللجنة " توصلت بمعطيات عن وجود تعليمات شفوية موجهة لأفراد الجيش بالانتخاب لصالح قوائم "الآفلان"، وعرقلة عمل المراقبين الدوليين خاصة مراقبي بعثة الاتحاد الأوروبي.". .جريدة "الخبر"الجزائرية من جهتها أكدت في تقرير لمراسلها "أن القَسَم على المصحف الشريف قبل التصويت لصالح أحزاب معينة مقابل المال" كان السلوك الأبرز المعاين من لدن الجميع ،والشعار المرفوع بجراءة سافرة، تعود بالذاكرة إلى فترات ما قبل الربيع الديمقراطي. لم ينفع تحذير لويزة حنون ،الأمين العام للحزب العمالي المعارض "بسرقة مقاعدها"في شئء. ولم يغر نداء جاب الله جاب الله رئيس جبهة العدالة والتنمية باقتسام ريع البترول الجزائري على عموم المواطنين وتوزيع زكاة النفط على الشعب من أجل القضاء على الفقر في غضون سنة واحدة فقط. كما لم يتمكن مرشحوا التكتل الأخضر المحسوب على الجبهة الإسلامية المعتدلة بقيادة أبو جرة سلطاني من إقناع المواطنين الجزائريين بوضع ثقتهم فيهم لسبب بسيط لكونهم تلطخوا بدماء السلطة الفاسد ،بمشاركتهم في الكعكة الأخيرة في حكومة أحمد أويجيى ،قبل أن ينفضوا من حولها في النفس الأخير من السلطة...وحدها كانت على صواب جبهة الإنقاذ الاسلامية حين دعت إلى المقاطعة..والآن لم يبق سوى الدعوة إلى النزول والاعتصام في الشوارع بطريقة حضارية إيذانا بدخول ربيع جزائري سلمي سليم إلى الجزائر بغية اقتلاع جذور فكر بليد على سياج السياسة بإعادة العسكر إلى ثكناته ،موقعه الأصلي وموطنه الطبيعي ..