بثت التلفزة الفرنسية TV5 (FBS) مساء البارحة مقابلة مع الباحث السوسيولوجي والمناضل “الإجتماعي” السويسري Jean Ziegler بمناسبة نشر مؤلفه الجديد ” الهدم الشامل. الجغرافية السياسية للجوع”. ( Destruction massive.Géopolitique de la faim. Editions Seuil) إن” زيجلير” يستحق أن يقام له تمثال في كل عواصم الجنوب لعمله الدءوب مند عقود للدفاع عن حقوق المستضعفين ومناهضته للنهب الممنهج لخيرات الشعوب من لدن الشركات المتعددة الجنسية والشرائح المتحكمة في الاقتصاد العالمي. نضاله أولا كأستاذ لعلم الاجتماع في جامعة جنيف (سويسرا) وجامعة السوربون (باريس)، ثم مشاركته في الحياة السياسية في بلاده كعضو في المجلس البلدي لمدينة جنيف ونائب برلماني حيث انتقد بحدة مشاركة سويسرا في نهب ثروات الجنوب من خلال استثمارها للأموال المهربة من دول الجنوب عن طريق”المافيات” المحلية التي تودع غنائمها في أبناك الدولة “المحايدة”، كما بين ذلك في مؤلفين La Suisse lave plus blanc (1990 ) و La Suisse, l'or et les morts (1997). وفي بداية الألفية الحالية انتقل Jean Ziegler إلى هيئة الأمم المتحدثة ليستمر في الدفاع عن المهمشين وضحايا العولمة المتوحشة كمقرر خاص لمنظمة الأممالمتحدة حول الحق في التغذية وكنائب رئيس للجنة الاستشارية للمنظمة الدولية لحقوق الانسان التابعة لهيئة الأممالمتحدة. وكخبير في شؤون التغذية بين Ziegler بما لايدع مجالا للشك، كما عبر عن ذلك في برنامج البارحة،أن الفلاحة العالمية بمقدورها تلبية حاجيات 12 مليار نسمة بالوسائل المتوفرة حاليا وبالتالي “فإن كل طفل يموت اليوم بسبب الجوع يعد جريمة...”. كما ان التخلي عن الفلاحة المعيشية لصالح توليد الطاقة بالوسائل الزراعية يعد “جريمة ضد الإنسانية نظرا للمساحات الشاسعة التي يتطلبها هذا النوع من الانتاج الذي يتم على حساب الحاجيات الأساسية... حين كنت طالبا في علم الاجتماع ، وبعد أن تم إقفال معهد السوسيولوجيا سنة 1970 بقرار سياسي ، كانت كتب Ziegler تعوض بالنسبة لي المحاضرات المستحيلة التي منعنا منها النظام الفاشي في تلك الحقبة. وباستثناء محاضرات الدكتور محمد جسوس والدكتور عبد الكبير الخطيبي اللذان التحقا بقسم علم الاجتماع (في إطار شعبة الفلسفة) لم يكن هناك ما يشفي الغليل ويلبي رغبتنا في المعرفة. فقط كانت كتب Ziegler وAlain Touraine وRoger Bastide و سمير أمين وأنور عبد المالك، وإسماعيل صبري عبد الله و André Gunder frank ...تعوض الغياب وتفتح أمام العقل آفاقا رحبة...Ziegler كان ينشر في هذه الحقبة محاضراته الجامعية على شكل كتب ما زالت إلى اليوم تمثل مدخلا بامتياز للتعرف على القضايا والمفاهيم والمناهج الأساسية لعلم الاجتماع. وحين أصبحت بدوري مدرسا كنت اضعها على قائمة المراجع لولوج المعرفة السوسيولوجية مثل كتاب Sociologie et contestation و Retournez les fusils-Manuel de sociologie d'opposition ... في برنامج البارحة تذكر Ziegler بعض الوقائع التي حددت توجهاته كباحث ومناضل. الواقعة الأولى تتعلق باكتشافه للفقر وجوع الأطفال. حدث ذلك في الستينات حين حضر الباحث إحدى المؤتمرات الدولية في “الكونغو”، ورأى كيف يخاطر الأطفال والمراهقون بحياتهم للحصول على فتات الطعام الدي كان يرمى به من الفندق الذي كان يقيم به الباحث...منذ ذلك اليوم قرر Ziegler أن يكون دائما إلى جانب المقهورين والمستضعفين. الواقعة الثانية ارتبطت بلقائه عن طريق الصدفة بالزعيم الأممي Che Guevara الذي حضر مؤتمرا دوليا في جنيف لتمثيل كوبا، وكان Ziegler كموظف بسيط كلف بمصاحبة الزعيم الأممي في تنقلاته. ومن شدة انبهار Ziegler بشخصية الزعيم الأممي طلب منه أن يلتحق بصفوف الثورة وأن يصاحبه لمواصلة الكفاح في أمريكا الاتينية فاجابه هذا الأخير:”أنت ولدت هنا...هنا يمكن أن تقاوم الوحش...وسيكون ذلك في منفعتنا جميعا”. لقد شعر Ziegler بعد هذا الجواب بخيبة أمل، لكنه سرعان ما فهم صحة هذا الكلام ، ومنذ ذلك اليوم يضيف Ziegler لم أتوقف عن النضال.. التقيت مرة واحدة بJean Ziegler حين جاء إلى الرباط لحضور ندوة حول الهوية والعولمة والتعدد الثقافي. وبطبيعة الحال كانت فرصة ثمينة لأعبر للباحث الكبير عن إعجابي وتقديري، وأتذكر أنه صافحني بحرارة وأهداني كتيبا باللغة العربية من تأليف الباحث التونسي رباض الصيداوي يحمل عنوان “جان زيجلر يتحدث إلى العرب”. ما أحوجنا إلى باحثين من هذه الطينة في وطننا العربي