من الشمال الى الجنوب : مشاريع مبعثرة وإختلالات يجب تصحيحها حصل تغيير متواضع في قطاع الصيد البحري من أجل تحديثه وتحسين إنتاجيته ومردوديته في السنوات الأخيرة، لكن هذا التحديث لم يصحح المشكلات الأساسية للصيد ولم ينعكس بشكل إيجابي على الجانب الاجتماعي للصيادين، حيث تراكمت الاختلالات الإقتصادية وتعقدت المشاكل المرتبطة بالبيئة البحرية وبحماية الثروة السمكية. كمت أن عرض الدولة لم يرقى الى مستوى تقديم خدمات إجتماعية وتجارية في مستوى طموح المهنيين والمغاربة. في هذه المحاولة نرصد أهم اختلالات الصيد البحري بالمغرب وننطلق من الحاجة إلى مواجهة التحديات الأساسية بشكل صحيح وليس بالحديث عن الأهداف. الصيد البحري: إقتصاد حقيقي في خدمة التصدير يلعب قطاع الصيد البحري بالمغرب دورا سوسيو-إقتصاديا حيويا، فهو يوظف نحو 500000 شخص بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ويساهم بنسبة 2,3٪ من إجمالي الناتج الداخلي الخام. كما يعد المغرب أكبر منتج للأسماك في أفريقيا والشرق الأوسط، بحيث ينتج سنويا ما يقارب مليون طن من السمك ويبلغ حجم المبيعات ما يعادل 15 مليار درهم. ولقد ارتبط إزدهار قطاع الصيد البحري بالمغرب بمصايد السردين و الأخطبوط . السردين لوحده يمثل أزيد من ٪75 من حجم المنتوج الوطني و يساهم الأخطبوط بما يقارب 25 بالمائة من قيمة المبيعات العامة. رغم كل الإمكانات المتاحة، ما يزال المغرب مجرد منتج للمادة الأولية و قطاع الصيد البحري مرتبط بشكل كبير بأسواق أوربا (٪70 من حجم الصيد موجه للتصدير، 25٪ منها تباع كدقيق سمك) . الصيد في إنخفاض مستمر والقوانين لا تحترم تعرضت مصايد السمك الأبيض و القشريات و الأخطبوط لاستغلال مفرط و قاسي خلال السنوات الماضية. لقد كانت الأرباح آنية و كميات الصيد ضخمة. في الوقت الحاضر، جل المؤشرات العلمية المتوفرة لا تبشر بعودة سريعة لتلك المصايد إلى مستويات جيدة كما كان الحال في السابق. البحر الأبيض المتوسط أصبح فقيرا من حيث حجم الانتاج السمكي, بحيث ان مساهمته لا تتجاوز ٪10 من الحجم العام. رغم تطبيق مخططات التهيئة، بينت إحصائيات الصيد لسنتي 2011 و2012 تراجع حجم الإنتاج السمكي في أغلب الموانئ المغربية. بلغت نسبة التراجع العام أزيد من٪ 16 سنة 2011 و لقد قاربت النسبة٪30 في بعض الموانئ. من أهم أسباب التراجع، نجد الاستغلال المفرط وضعف المراقبة وتطبيق القوانين المرتبطة بالصيد المسؤول. إلا أنه من حسن حظ المغرب أن مصايد السردين ماتزال جيدة في بعض المناطق البحرية وأن جهة الداخلة لوحدها تتواجد قبالة مخزون سمكي ضخم من السردين و السمك السطحي يطلق عليه اسم "مخزون س". تكمن المشكلة في أن الداخلة بعيدة عن الأسواق و نقل الأسماك منها يتطلب وسائل لوجيستيكية و استثمارات هامة في "سلسلة التبريد". سياسة الهروب إلى الجنوب أمام الحائط عندما يكون الوضع ميئوس منه في منطقة بحرية و لا يكون هناك سبيل للخروج من الأزمة، لا مجال للتراجع بل للتقدم أكثر إلى الجنوب. تم حل أغلب مشاكل الصيد البحري بنهج سياسة الهروب من الشمال إلى الجنوب الأطلسي، تحت ضغط السياسة وعلى حساب الثروة السمكية و الصيادين... فبعد تدهور مصايد القشريات و الأخطبوط في الشمال و أكادير، هل يمكن لسردين الجنوب أن ينقذ الصيادين المغاربة مرة أخرى من شبح الإفلاس؟ أم أن الكارثة ستقع ولا مفر منها و بالتالي ما حجمها؟ وكيف سيكون التكيف معها في المستقبل؟ وهل تربية الأحياء المائية جواب مقنع للصيادين و للمغاربة؟ لم يعد هناك وقت كافي لتصحيح كل المشكلات... استراتيجية "أليوتيس" بين تحكم الدولة ومسؤولية الصيادين لقد انتهت قصة حكومة عباس الفاسي أو توقفت تحت ضغط الشارع دون أن تترك لحكومة بنكيران حوافز كثيرة للتحرك في مجال الصيد البحري . من خلال التصريح الحكومي وقانون المالية لسنة 2012، يتضح على الأقل أنه هناك إستمرار لنفس السياسات و الأولويات ولنفس فريق العمل. المقترحات المعلنة تبقى أهداف على الورق ولا تستجيب لطموحات المهنيين. تجدر الاشارة على أن الحكومة السابقة وضعت سنة 2009خطة للنهوض بقطاع الصيد البحري أطلق عليها إسم "أليوتيس". خطة تهتم كثيرا بأهداف استراتيجية وبالدراسات ومشاريع البناء. يعاب عليها أنها أنزلت من فوق و لا تتسم بالديناميكية الكافية. علاوة على كونها أهملت الجانب الاجتماعي وتأثير التغيرات المناخية. عقلية الصيادين المغاربة لم تتغير كثيرا: يهاجر الصيادون من موقع صيد إلى أخر و من صيد نوع من السمك إلى نوع أخر، يتحدون الأمواج و الأحوال المناخية السيئة كل يوم و حتى أخر سمكة كما كانوا يفعلون في السابق. يتوجب عليهم تحمل مسؤوليات أكبر في المستقبل و الأخذ بزمام الأمور بطريقة مسؤولة و مستقلة. القطاع ما يزال محافظا : دور الدولة فيه كبير للغاية و لم يتحرر بالشكل المطلوب. فهي تتحكم بالعلاقات الاقتصادية و ترتب المصالح و النفوذ و القوة. : تمنح رخص الصيد وحصص الأسماك، تراقب المنتوج في البحر و الموانئ، تنظم الأسواق وتتبع المنتوج حتى التصدير وتتدخل أيضا في مشاريع القطاع الخاص كتأهيل المراكب توزيع الصناديق البلاستيكية و السمك... للنموذج المغربي ايجابياته و سلبياته. هناك نموذجي إسبانيا و أمريكا لتدبير الصيد، الثروة السمكية في البلدين هي تحت إشراف الصيادين لكنها في وضع أكثر سوء بكثير مما هو عليه الحال في المغرب. لكن بالتأكيد يجب على الدولة أن تنقل مسؤولياتها بشكل تدريجي للصيادين و لغرف الصيد البحري و للتعاونيات في إطار الجهوية القادمة. من جهة أخرى، أصبحت تدخلات المكتب الوطني للصيد و المتمثلة في تنمية الصيد و الوساطة التجارية مستهلكة و لا تعبر عن الحاجيات الفعلية للمهنيين. الوقت مناسب لفتح نقاش عمومي حول صلاحيات المكتب و امكانيات تحويلها للمهنيين و للجهات. كما أن توجهات البحث العلمي حول البر و الصيد و استقلاليته يستوجب أن يكونا محط اهتمام الدولة على أعلى مستوى. في المغرب، أبان إفلاس العديد من مصانع التصبير وشركات تربية الأسماك و تدهور المخزون السمكي للقشريات بالشمال و الدارالبيضاء و السردين بأسفي للجميع ما لا يجب فعله. لكن مع كل الأسف لا شيء أتخذ جديا على أرض الواقع لتجنب تكرار الأزمات الإجتماعية و البيئية. نفس الإختلالات تكررت في جهة أكادير و الداخلة بحيث تم تدمير مخزون الأخطبوط في زمن قياسي و بطريقة "المافيا". الآن، ما لا يحمد عقباه قد يتكرر قبالة مياه الداخلة بالنسبة لمخزون للسردين. هناك تخوف كبير من تقوية جهد الصيد أكثر من المعقول و في إستمرار توزيع حصص السمك بطرق غير سليمة. ستكون الكارثة أكثر تكلفة مما نتصوره اليوم، بحيث سيستمر المخزون السمكي في الإنخفاض خلال الخمس السنوات القادمة في مياه الصيد المغربية و أكثر من المتوقع. الصيد التقليدي ما يزال مهمشا والجانب الاجتماعي غائب يتم اصطياد الأسماك في المغرب من طرف ثلاثة أنواع من الأساطيل : الصيد التقليدي (15000 قارب) و الصيد الساحلي (8000 مركب) ثم أعالي البحار (400 باخرة). هي مراكب مختلفة جدا و القضايا التي يواجهونها في كثير من الأحيان مختلفة و تبدوا متناقضة. رغم الإهتمام المتصاعد الذي تولية برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية لتنمية الصيد التقليدي في المغرب، فانه ما يزال مهمشا. حيث وسائل الإنتاج محدودة جدا: قارب خشبي، طاقم صغير (ثلاثة إلى أربعة أشخاص و بدون تغطية اجتماعية)، ومحرك خارجي منخفض القوة. كما أن رحلات الصيد لا تتعدى اليوم الواحد. الصيد الساحلي و الصيد في أعالي البحار يعتمدان على سفن أكبر حجما وتعقيدا، حيث الاستثمار ضخم والقضايا الإقتصادية ( الوقود و الضرائب) أكثر أهمية بكثير.من الصيد التقليدي. تختلف هذه الأساطيل الثلاث أيضا من حيث قدرتها على التكيف مع الظروف المناخية، أساطيل الصيد الساحلي وأعالي البحار ستكون أفضل حال من القوارب و هي قادرة على تعقب السمك داخل المناطق البحرية البعيدة. علاوة على ذلك، حصول الصيادين الصغار على راس المال يبقى محدودا للغاية أو غير موجود في كثير من المناطق. لماذا تتأخر الحكومة على تفعيل صندوق التضامن و تنمية تعاونيات الصيد التقليدي؟ ألم يحن الوقت بعد لكي يسير الصيادون التقليديون نقط التفريغ و قرى الصيادين بطريقة مباشرة؟ أوقفوا البناء على طول السواحل... يرتكز مجهود الدولة اليوم بشكل ملفت للنظر على بناء نقط الصيد و الأسواق (تمت برمجة أزيد من 30 نقطة صيد و سوق) و هناك إهتمام خاص بكبار الوسطاء و المصدرين (بحيث أن 70%من الأسماك المغربية موجهة للتصدير 25%يباع كدقيق السمك). ففي يومنا هذا، و مع إستمرار تدهور مصايد الأسماك و الأزمة الاجتماعية المقلقة، تستمر الدولة في برمجة بناء نقط التفريغ وفي بعض الأحيان في مناطق بحرية لا تنتج من الأسماك إلا الإسم. تأتي الإعتمادات المالية مباشرة من ميزانية الدولة أو من برامج الشراكة الدولية. مما يطرح أسئلة جوهرية من قبيل الحكامة الجيدة و مدى صحة تقدير الدولة لبرامجها؟ و ما هي الجدوى الاجتماعية و البيئية الفعلية من البناء و من السياسة المتبعة؟ و من هم المستفيدون الحقيقيون من مشاريع الدولة؟ و ما يمكن فعله لتصحيح الأوضاع و لتفادي ضياع الجهد في أمور ثانوية؟ إن الصيادين التقليدين لا يحتاجون لبناء المزيد من نقط التفريغ و الأسواق،إنما إلى تحسين الوضع الاجتماعي و تنويع مداخليهم. يحتاجون إلى خطة تنقلهم من حال التبعية إلى مرحلة الإنتاج الحر و المبادرة. الاستهلاك المحلي لا يتجاوز 30%من إجمالي المنتوج المغربي الاستهلاك المحلي من الأسماك ما يزال ضعيفا بالمقارنة مع المعدل العام. كثرة الوسطاء في الأسواق عائق رئيسي. لكن هناك أسباب أساسية أخرى، منها ضعف القدرة الشرائية للمغاربة و غلاء الأسعار ونقص كبير في شبكة التوزيع. عادات المغاربة و غياب خطة لتربية وتوعية الأجيال الجديدة بالأهمية الصحية للأسماك تزيد من المشكل. في الصين واليابان، نجد أن أكثر من نصف المواد الغذائية تأتي من البحر و في بعض المناطق يعيش السكان بشكل حصري من الأسماك. وعلى سبيل المقارنة، يصطاد المغرب 36kg سنويا للفرد الواحد، في حين أننا نستهلك ما يعادل kg10 ، معدل لا يزال أقل من المتوسط العام المقدر ب16كلغ. اليابان تنتج 41kg من السمك للفرد سنويا وتستهلك 72kgو إسبانيا تنتج 24kgو تستهلك 44kg. التغيرات المناخية تهدد مستقبل الصيد البحري بالمغرب إضافة الى مشاكل الصيد الأساسية، هناك بعض المؤشرات التي توحي بتأثير التغيرات المناخية على مصايد الأسماك و الصيادين بالمغرب. حسب دراسة دولية حديثة أنجزت 2010، قطاع الصيد البحري المغربي معرض للتغيرات المناخية العالمية و قدرته على التكيف تبقى ضعيفة. لقاءات مع مهنيين و خبراء تؤكد وجود بعض التغيرات في المياه المغربية و في قطاع الصيد البحري: حجم و نوع المصايد تغير. عدد أيام الأحوال الجوية السيئة يزداد كل سنة. كما لوحظ ظهور و بصفة غير إعتيادية لبعض الأنواع الجديدة من الأحياء المائية في الشمال كقنادبل البحر و الطحالب الحمراء. درجات حرارة مياه البحر تتغير أيضا ولم تعد كما في السابق. يبقى الصيادون التقليديون أكثر عرضة لتبعات التغيرات المناخية من غيرهم و مستقبل "مخزون س" قبالة الداخلة في كف عفريت. في الوقت الراهن يصعب الجزم بشكل نهائي بتأثير تغيرات المناخ على الصيد البحري، لكن خطورته تبقى شبه مؤكدة...يجب وضع خطة للتكيف مع المناخ. إتفاقية الصيد البحري مع أوربا والورقة السياسة من الناحية التقنية وباستثناء سردين الداخلة لم يعد للمغرب ما يكفي من السمك ليعطيه لدول الاتحاد الأوربي و خصوصا إسبانيا. كل المصايد الأخرى يجب أن تخضع فعليا للراحة البيولوجية و نظام الحصص المستدام. كما أن قيمة الحصة المالية المقدمة للمغرب من طرف الاتحاد الأوربي في إطار الاتفاقية صغيرة جدا مقارنة بحجم إستثمارات الدولة في ألأقاليم الجنوبية و في قطاع الصيد البحري. من جهة أخرى، العلاقات الاقتصادية بين المغرب و أوربا جيدة و إسبانيا هي الزبون الثاني للمغرب. كما توجد باسبانيا جالية مغربية كبيرة و للبلدين تاريخ و مصالح مشتركة. إتفاقية الصيد تلعب دورا هاما في تقوية سياسة حسن الجوار مع الجنوب الإسباني. تجدر الاشارة إلا أن مبررات بعض النواب الأوربيين تجاه إتفاقية الصيد هي سياسية و غير صحيحة: أبناء الصحراء هم من يستغلون أغلب المصايد في الجنوب و هم من يستفيدون بشكل رئيسي من عائدات القطاع. كما أن حماية الثروة السمكية هي مسؤولية الصيادين المغاربة أولا وهي من ضمن الأولويات الكبرى للدولة في قطاع الصيد البحري. أوربا و خصوصا اسبانيا دمرت كل مصايدها بشكل عشوائي و هي من يريد اسماك المغرب. و أخيرا وجب الذكر بأن إتفاقية الصيد مع أوربا تهم فقط60 ألف طن من السمك أي أقل من 5%من إجمالي مخزون السمك المتوفر في المياه المغربية. و بالتالي، تجديد إتفاقية الصيد البحري من عدمها لن يكون له أي تأثير على الصيادين المغاربة أو على أثمان الأسماك في الأسواق المحلية. مشاكل تنتظر إجراءات على أرض الواقع وليس الحديث عن الأهداف هناك عقبات و صعوبات تحول دون تحقيق التقدم المرجو في قطاع الصيد البحري و هناك فرق كبير بين الكلام السياسي والفعل في البر و البحر.لكن، لا مفر للدولة من مواجهة هده التحديات بجدية تامة و إشراك حقيقي للإرادة الجماعية لكافة المتدخلين في القطاع. يواجه الصيادون المغاربة مشاكل جديدة وأساسية من أهمها: * الاستغلال المفرط لمعظم أنواع الأسماك و ضعف الإنتاجية في العديد من موانئ الشمال وفي شمال و وسط المحيط الأطلسي. * الضغط المفرط على مصايد السردين من قبل مختلف الصيادين. * إنتشار الصيد الغير المسؤول على نطاق واسع. * عدم إحترام الراحة البيولوجية من طرف الصيادين المعزولين. * إرتفاع كبير في جهد الصيد العام بالمغرب نتيجة بناء موانئ جديدة و تحديث مراكب الصيد و تجهيز قوارب الصيد التقليدي بمحركات جديدة . * إرتفاع مقلق لتكلفة الصيد و على الخصوص أسعار الوقود وكثرة الضرائب. * الخسائر المرتبطة بفقدان العمل و قلة نشاط الصيد و هجرة الصيادين. * غياب آليات تعويض البحارة عن أيام الراحة البيولوجية. * ضعف الجدوى الإجتماعية و الإقتصادية لمشاريع الدولة على الصياديين الصغار. * تدهور النظم البيئية البحرية و تصاعد التلوث. * تزايد تأثير التغير المناخي والذي أصبح يشكل ضغطا إضافيا على الصيد المغربي. * كثرة المتدخلين من القطاع العام مما يضعف مبدأي الفعالية و المحاسبة. * إشراك النساء في عملية الإنتاج و في تثمين المنتجات السمكية ما يزال ضعيفا. *مستشار في قطاع الصيد البحري والبيئة