يبدو أن قطاعا عريضا في المجتمع بات يؤمن بثقافة "الحظ" و"السويرتي" و"حك تربح" ويستمرئ نتائجها، وتفشّت الظاهرة وأصبحت متجذرة ووجدنا من يدافع عنها ممن يحسبون على النخبة من "التقدميين" و"المتنورين". وما إعلان مصطفى الخلفي، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة عن دفاتر تحملات القطب العمومي، وما تتضمنه من بعض الإجراءات من قبيل منع بث "إشهار القمار" على شاشة القناة الثانية، إلا القشة التي عرّت سوءة مثقفي "حك تربح". وبما أن الخلفي يصْدر عن قناعات تشربها في تربيته الشعبية كما التنظيمية، ومثله فئات عريضة من المجتمع التي تمجّد قيمة العمل والتشمير عن السواعد، فإنه أمام لجنة التعليم والثقافة والاتصال بالبرلمان٬ شدد على عدم السماح باستمرار بث التلفزيون العمومي الذي يموله الشعب المغربي لوصلات إشهار القمار وألعاب الحظ والرهان، حتى لو أدى ذلك إلى أن فقد منصبه السياسي كوزير للاتصال. بالمقابل، لم يمنع هذا الأمر بعض الأصوات النشاز المتباكية على منع بث الإشهارات المتعلقة بالرهان والقمار في القنوات العمومية وعلى رأسها القناة الثانية، وما سينجم عنه من خسارات بمئات الملايين من الدراهم، متناسين آلام ومعاناة آلاف الأسر مع ألعاب الرهان والحظ إما بالتفكك أو التشريد أو مساهمتهم في اكتضاض السجون لتراكم الديون عليهم وعدم الوفاء بتسديدها. ولعل أبرز ما سمعنا في هذا السياق، صوت الوزير الشاب، محمد أوزين، وزير الشباب والرياضة الذي لام زميله في التوافق (مصطفى الخلفي) قائلا: "الخلفي وزير للاتصال ومسؤول حكومي وليس فقيها أو مفتيا للديار يحرم، ويحلل، ويجرم، ويخون"، واصفا مقاربة الخلفي ب "السطحية"، وبأنها "لا تهتم بالجوهر والمقاصد". حيث تمنى من السيد مصطفى الخلفي "أن يطلب استشارة وزارة الشباب والرياضة، بما أنها المعني الأول بالأمر، لا أن يتم اتخاذ قرار أحادي الجانب". وحيث أن العقل السليم في الجسم السليم، فإن وزير الشباب والرياضة يبدو أنه لم ينتبه إلى هذه الحكمة المقاصدية (وهو الذي يطالب بالاهتمام بالجوهر والمقاصد) التي تعلمناها في الصغر ونقشناها في عقولنا قبل طبعها لوحات فنية على أسوار مدارسنا ومؤسساتنا التعليمية. فهل من المنطقي ومن المقاصد في شيء أن نبني جسما بما يخرب العقل والمال والدين. ويحضرني في هذا الصدد قصة ذلك التاجر الذي يأتيه رزقه رغدا، حتى إذا أعلن المشروب الغازي الذي يتاجر فيه عن "الربحة" و"الكيدون" لمن يجدها داخل غطاء القنينة، حتى بادر بفتح جميع القنينات التي أفرغها لتوه من الشاحنة بحثا عن "الربحة" قبل أن يظفر بها الزبون. وعندما يأتي من يبتغي لترا من المشروب يجيبه التاجر قائلا: "دابا باقي غير المونادا ديال لَعبار". وتتناسل القصص في المخيال الشعبي ناسجة قصص وطرائق واقعية على هذا المنوال، لمقامرين صغار تزدحم بهم قاعات التيرسي في كبريات المدن أغلبهم من الطبقة الكادحة ومن الذين "لايجدون عشاء ليلة"، تطير أفئدتهم وتهفو كلما جرى حصان السباق في الميدان، أو يخرج بعضهم معترضا المارة متوسما فيهم الخير والخلاص من فقرهم ب"شي نمرة" أو شي "كواطرو" في دوامة لا تنتهي. فهل انتبه وزير الشباب لهذه النوعية من الرياضيين الذين يركضون وراء السراب. وشمّر عن ساعد الجد و"حك جنابو" مع باقي الفريق الحكومي الذي يأمل جميع المغاربة منه أن يسجل هدفا ضد خصومه من فقر وبطالة و"حك تربح" *صحافي مغربي مقيم بالدوحة [email protected]