ليلة 25 من مارس انتظرت -كغيري من المشاهدين المغاربة- الحصاد المغاربي على قناة الجزيرة، كي اٌقطع الشك باليقين حول حقيقة الأنباء المتضاربة عن حجم وقوة مسيرة التضامن مع القدس، التي دعت إليها ونظمتها جماعة العدل والإحسان، وهي المسيرة التي أثارت جدلا كبيرا قبل وبعد تنظيمها، لكونها المسيرة الأولى منذ سنوات التي تنظمها الجماعة بدون تنسيق مع أية جهة خارجية، لكن قناة الجزيرة للأسف أخلفت الموعد بأسلوب فج، بحيث لم تخصص للحدث ولقضية بهذه الأهمية والمركزية في الوجدان العربي والقومي كقضية القدس إلا أقل من دقيقة دون ضيف وبلا تغطية وبلا تعليق، بل أنها وإمعانا في الحياد والموضوعية والمهنية خصصت تقريرها الرئيس لمهرجان الفراولة في قرية من قرى المغرب!. ويا ليتها تجاهلت الحدث كليا ولم تمر عليه لا مرور الكرام ولا مرور اللئام. ! هذا التعامل الإعلامي غير المفهوم مع نشاط من هذا الحجم، إما أنه خطأ فادح في البرمجة على إدارة القناة في الدوحة أن تنتبه إليه في مناسبات قادمة، وإما أنه إقصاء مقصود ومتعمد لأنشطة العدل والإحسان خاصة بعد تكرره في عدة مناسبات كان آخرها مسيرة التضامن مع سوريا، وبرنامج نقطة ساخنة، وإما أنه شروع في تطبيق فعلي لإملاءات وبنود "كناش التحملات" التي اشترطها السيد مصطفى الخلفي على الجزيرة لمنحها التراخيص وإعادة فتح مكتبها من جديد، ومن بينها ما ذكرته مصادر إعلامية "أن لا تركز القناة فقط على الخبر السياسي والإجتماعي، وأن تغطي الخبر الثقافي وبالتالي تعطي للوجه الجميل في المغرب مكانته عوض التركيز على المشاكل الاجتماعية الملتهبة، وعدم الاقتصار على إعطاء الكلمة للغاضبين والمعارضين السياسيين، وأن لا تنحاز لفائدة جهات تعادي الخطاب الرسمي" وهذا البند أظنه جاء مفصلا على المعارضة وخاصة العدلاويين. وهكذا ووفق هذه الرؤية التحكمية في الإعلام، فإن موقف قنوات القطب العمومي الإقصائي مفهوم ومتوقع، ما دام الأمر يتعلق بالعدل والإحسان والمتعاطفين معها، لأن أعضاء العدل والإحسان ليسوا مواطنين مغاربة في عرف المخزن، وبالتالي لا حق لهم في الإعلام العمومي، وحتى لو تعلق الأمر بقضية فلسطين، فهي لا تستحق تغطية إعلامية ما دامت الجهة الداعية إليها مقربة من العدل والإحسان، والمشكلة بالطبع ليست في القضية الفلسطينية وإنما في العدل والإحسان، بدليل أن قناتي الشركة الوطنية ووكالة الأنباء الرسمية غطت الندوة الصحافية، التي نظمتها الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني ومجموعة العمل الوطنية لمساندة العراق وفلسطين. وهنا يطرح سؤال عن مصداقية تصريحات ذ ابن كيران ووزرائه عن فتح صفحة جديدة في التعامل مع ملف العدل والإحسان سياسيا وإعلاميا، خاصة إذا علمنا مثلا أن "الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة" وهي الجهة الداعية لتنظيم هذه المسيرة، لم يقبل ملفها القانوني من مصالح وزارة الداخلية حتى الساعة، رغم استيفائه لكافة الشروط القانونية. أما أغلب الصحف المكتوبة والمواقع الإليكترونية المستقلة في المغرب فقد ركزت على حجم المشاركة والتنظيم –ما يرجح صحة الحديث عن مسيرة مليونية-، ورأت فيه فقط استعراض للقوة من قبل الجماعة، ورسائل إلى حكومة ابن كيران وإلى من يهمه الأمر، فالمساء مثلا عنونت:"العدل والإحسان تستعرض عضلاتها في الشارع تضامنا مع فلسطين"، وأخبار اليوم نشرت على الصفحة الأولى بالبنط العريض:"العدل والإحسان باسم القدس: لكم الحكومة ولنا الشارع"، بينما علقت "الصباح" في صفحتها الأولى "استعراض القوة" أما يومية الأحداث المغربية فرأت في التظاهر بهذه الإعداد رسالة إلى حكومة ابن كيران:"العدل والإحسان تركب على القدس للتظاهر ضد بنكيران" وموقع كود عنون:" أتباع ياسين يستعرضون قوتهم بالشارع"، ومع أني لا أميل إلى رأي استعراض العضلات -وإن كنت لا أرى فيه عيبا مادامت الجماعة تملك ما تستعرضه- فالمسيرة في اعتقادي تحمل رسائل أخرى من بينها : 1-التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية في تصور الجماعة وفي سلوكها السياسي: فالأستاذ حسن ابن ناجح عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية يؤكد أن الرسالة التي تريد أن توجهها العدل والإحسان من خلال المسيرة للداخل والخارج هي أن العدل والإحسان تعتبر قضية القدسوفلسطين قضية عقيدة وإيمان، تتعبد لله بنصرتها والدفاع عنها "وهي في وجداننا، لا فرق بينها وبين قضايانا القطرية، نرفض وندين التطبيع مع الكيان الصهيوني أيا كان شكل هذا التطبيع ومستواه ومجاله، وأي كان المطبع وموقعه السياسي أو الاجتماعي، وأي كانت مبرراته. فلا مساومة في الحق ولا خيانة لإرادة الشعوب المسلمة في القطيعة مع الكيان الصهيوني المحتل". 2-أن مسألة التنسيق مع باقي المكونات هي اختيار مبدئي للجماعة وليس أمرا اضطراريا، وأن ما يدفعها للتنسيق ليس الضعف العددي، أو انحسار الجماهيرية، آو عدم القدرة على التنظيم، أو الحاجة إلى غطاء سياسي، بل اقتناع مبدئي بتوحيد الجهود وتوحيد مكونات المجتمع حول القضايا المصيرية المشتركة. كما أكد الأستاذ الحمداوي عضو مجلس إرشاد الجماعة في بيانه التوضيحي المعمم على الصحافة الوطنية "نعتبر قضية القدسوفلسطين والقضايا المصيرية للأمة همّاً ومجالا مشتركين لعموم الشعب المغربي بكل فئاته ولا ينبغي أن تكون موضوع مزايدة لأي طرف على آخر". وبالتالي فالعدل والإحسان قادرة في كل وقت على الاستقلال بقرار تنظيم المسيرات والاحتجاجات دون تنسيق. 3-رسالة إلى كل من يتاجرون أو يسترزقون بالقضية الفلسطينية والقضايا العربية والإسلامية في المغرب، أو من يقدمون أنفسهم أوصياء –الوكيل الحصري-عليها في المحافل العربية والإسلامية، أن زمان الركوب على الموجة واستغلال قاعدة الجماعة الجماهيرية الواسعة للحديث باسم الشعب المغربي قد انتهى. ثم إنه مادام هناك إصرار على إقصاء "الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة" بشكل غير منطقي وغير مبرر فقد تغيرت شروط التنسيق والتفاوض كما وضح ذ الحمداوي:"قلنا لا يمكن إقصاء الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة بأي وجه من الوجوه من أي تنسيق حول قضية هي معنية بها، ....وكان رد الإخوة في الجمعيتين رفض التنسيق مع الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة. وانتهى الاجتماع بالاحترام المتبادل لكل الآراء". وأيا كان حجم المشاركة وأيا كانت الرسائل الموجهة، فالحقيقة الساطعة التي لا يمكن لا للتعمية الإعلامية، ولا للإقصاء السياسي، ولا حتى لاتفاقنا أو اختلافنا مع هذه الجماعة واختياراتها، حجبها هي أنها رقم مهم في المعادلة السياسية، وأن الديمقراطية الحقيقية تملي علينا أن نتعامل مع أعضائها على قاعدة أنهم مواطنون كاملي المواطنة. وإلى أن تدرك الجزيرة والإعلام الرسمي المغربي وصانعي القرار في هذا البلد ذلك، نقول للجميع بلسان إخواننا في الشرق العربي "صباح الفراولة". [email protected]