ما هو القاسم المشترك بين المخرج السينمائي العبقري شارلي شابلن والمخرجين المغاربة غير الموهوبين أو الموهومين وبشكل خاص سعيد الناصري (نستحي من المقارنة)؟ كلاهما يكتب السيناريو ويخرج الفيلم ويتقمص البطولة. الآن نأتي إلى السؤال التالي: ما هي المسافة الفنية والفكرية الفاصلة بين سينما الكبار (شارلي شابلن) وسينما الصغار (سعيد الناصري)؟ الأول أنتج أفلاما فنية خالدة بذكاء مفرط وروح حساسة وفطرة وفطنة ثقافية سليمة تحمل معرفة المعاناة والتطلعات الإنسانية المستقبلية بنقد خلاق لاذع للذين تسببوا في الخراب المحيط بالمخرج. وحاول شارلي شابلن الإسهام بأفلامه في إعادة بناء المجتمع حفاظا على سلامة العقل، ليس فقط لكي ينعم الإنسان بإنسانيته وإنما أيضا لتنمية ذوقه ليصبح بشكل كاف مواطنا صاحب ضمير ومبادئ ترفع من قدره وقدر الوطن ككل. أما سعيد الناصري فيُخرج أفلاما جاهلة وغبية بشعبوية زائفة لا تستحق إلا الإبادة والحرق لأنها تصور حالات الهروب من الواقع لمداعبة عالم الخيال المتخلف بذوق متدني يثير الصدمة ويبعث على الحزن في الأرواح ويختنق الإنسان من جراء مشاهدتها، وتتسبب للمجتمع بالحَوَل الكامل، وزعزعة دور الفن في الوعي الاجتماعي والثقافي سعيا وراء ترسيخ قدرة قوة الحواس في النفوس وإضعاف الوظائف الذهنية والمهارات التي تميز بين صورة الحمار وصورة الإنسان. ونجدد هنا احتجاجنا واستنكارنا على المركز السينمائي المغربي الذي يبدد أموال دافعي الضرائب بدون مسؤولية ويدعم فيلما سخيفا ومريضا مثل"مروكي في باريس" ب 350 مليون سنتيم كمساهمة مباشرة للتفاهة في زمن القحط الفكري وكقناع يخفي استغلال المال العام لضمان "مصالح الكل"، مصالح أولئك الذين يهللون لكل من يمنحهم نصيبهم من الصيد ولا يهمهم إن كان أمسكته الحبال أو أسقطته النبال. (تصوروا أن ميزانية الفيلم أضخم مما يستوعبه العقل-1.6 مليار سنتيم- من دون فائدة تذكر. أما ميزانية الفيلم الإيراني "انفصال نادر وسمين" فلم تتعد 300 مليون سنتيم وحائز على 30 جائزة دولية أهمها جائزة الأوسكار التي رفعت من شرف وشأن السينما الإيرانية). مرض في باريس فيلم "مروكي في باريس" أو بالأحرى "مرض في باريس" هو احد النماذج لسينما الهلس. ولا اخفي عليكم أني شاهدت الفيلم مرتين: المرة الأولى في مهرجان طنجة للفيلم الوطني واعترف انه تسبب لي في النوم العميق وأسقطته من حساب الكتابة عنه. وشاهدته مرة ثانية في إحدى صالات العرض بمدينة مراكش بعدما قرأت حوارا للمخرج، صفق فيه من على الشجرة، ولخص الفيلم على انه يعالج المحبة والتسامح بين الديانات الثلاث (الإسلام والمسيحية واليهودية)، فقلت لنفسي ربما فاتني شيء قد ينير وعيي. فهمت في المرة الثانية أن أبحت عن "القيمة الفكرية" للفيلم التي تفوه بها المخرج. وبزخم ثقيل من الكدر والقليل من التفكير قاومت النوم هذه المرة وتحملت وقاحة الفيلم الزائدة وأهنت نفسي وظلمت روحي عندما عرضتهما لسيل هائل من الأوساخ الطائشة المتطايرة دون أن أقوم عن مقعدي. ولن تتخيلوا الصعوبة التي واجهتني لكتابة هذه المقالة عن ركام أزبال هذا الفيلم من لقلقة سمعية وإرهاق بصري. تحكي قصة الفيلم هجرة نجيب السرية (سعيد الناصري) من المغرب باتجاه فرنسا يطلق معها المخرج (نفسه سعيد الناصري الذي يتقمص البطولة) العنان لسلوكه البليد وحركاته المعتوهة يبتلع معها لسانه منذ البداية. ساعة وخمسون دقيقة من العبث الفظيع المؤلم، والإخراج المقزز الذي يطبعه المزج العشوائي للقطات والقطع المفاجئ من مشهد إلى مشهد بلا أي معنى يحمل معها المُشاهد رأسه بين يديه بكثير من الفتور واليأس خلال جزء كبير من الفيلم. ويتكرر العديد من نفس المَشاهد ونفس اللقطات لاحقا في الفيلم، في محاولة يائسة من المخرج، أن المُشاهد قد لا ينتبه لذلك، في حين لم يكن المُشاهد قادرا على فهم أسباب صراخ الممثلين الملهوفين على طول الفيلم. ما نشاهده بعد ذلك، في فيلم يدعي انه كوميدي، لكن الحقيقة انه أبعد ما يكون عن معنى الكوميديا ومغزاها وخال تماما من الضحك، اللهم إلا الضحك على المغفلين، هو مجموعة مشاهد مترهلة وفوضوية يحركها سيناريو أبله وفارغ المعنى وقائم فقط على "الصدف" الغريبة واللف والدوران في نفس المكان ولا يتطلب أي مستوى معين من التفكير. فنجيب يلتقي "صدفة" في القطار ب"اتيلا"، بارون المخدرات التركي الذي امتطى القطار كذلك عائدا إلى باريس بحقيبة مملوءة ب 3 ملايين اورو بعد إتمام صفقة مخدرات (فكروا مليا بما تلفظ به الناصري حيث يقول لنا أن الفيلم عن الحب والتسامح وفي نفس الوقت يشوه الأتراك على أنهم مروجي مخدرات لا اقل). ويفترق نجيب عن اتيلا في باريس بعد حادث سير يتسبب فيها سائق التاكسي الذي سقطت سيارته، بالصدفة، فوق سيارة البوليس (عظيم). وينزلق الفيلم إلى كارثة سينمائية بتقنيات منزلية عندما يشرع اتيلا في البحت عن نجيب لاستعادة الحقيبة المالية التي أخذها منه بعد الحادث عن طريق الخطأ. ولا نعرف كيف عثر اتيلا على شقة خالد، شقيق نجيب الذي نزل عنده ضيفا، إن لم تكن بالصدفة. ويتبين لاتيلا، بعد التحقيق، أن زوجة خالد، الفرنسية المتضايقة من زيارة نجيب، ألقت بالحقيبة من على الطابق لتسقط، بالصدفة، على متشرد افترش رصيف عمارتهم. ويمر، بالصدفة وفي تلك اللحظة بالذات، ثلاثة من الشباب السود في سيارتهم الفخمة ويتوقفوا لينتشلوا من المتسكع الحقيبة (لا حظوا النمطية التي تزكي فكرة أن السود ليسوا أكثر من ناهبين وسارقين ومعتدين) ولا ندري لماذا وكيف تفقهوا أن الحقيبة تحوي مالا وفيرا. ويسقط الفيلم إلى الحضيض عندما تصل فرقة أخرى من المجرمين إلى بيت خالد لتعقب خطى اتيلا، ونجهل فوق جهل الجاهلين سر اهتدائهم إلى عنوان خالد إن لم يكن ذلك بالصدفة. ولا يقف تدني الفيلم عند هذا الحد بل يضطرب اضطرابا كبيرا عندما تتقاتل فيه مافيات مروجي المخدرات بتسطيح مشوه وإساءة بالغة وأداء ضعيف لا يصدق يستشعر معه المتفرج الإهانة والحط من قدراته المعرفية. فالممثلون ظهروا على طول الفيلم وكأنهم خرجوا للتو من مصحات الأمراض العقلية بمن فيهم سعيد الناصري، بطل الفيلم الذي بدأت عليه آثار الارتباك كمن لدغته عقرب وتشعر بالحزن عليه، ونتفضل هنا بالنصح أن يعتزل المهنة إلى الأبد. واشعر بالذنب أن أوصي أي إنسان بدفع ثمن تذكرة لمشاهدة هذا النوع من الهراء لكن إذا قرر الجمهور أن يشاهد الفيلم فليهيأ نفسه مسبقا للانسياق مع متاهة لا متناهية يتمنى معها أن تنتهي في اقرب وقت قبل أن ينهار بالكامل. ومع نهاية الفيلم توصلت بالدليل القاطع أن ما نطق به المخرج سعيد الناصري ليس أكثر من نكتة تفضح جهله الكامل لمحتوى السيناريو الذي يعاني من القيمة والموضوع والمضمون وعجز الكتابة. انه فيلم بإمكانيات هائلة وإبداع الهواة ولا يمكن أن تترصد أو تقتنص فيه مشهدا واحدا أو جملة حوار مفيدة. انه مهزلة، بكثير من الازدراء والسخرية والاحتقار الذي يحط من ذهنية المشاهد ويغتصب عقله. لماذا يحاول الناصري أن يحمّل سينماه، التي تشبه سينما علي بابا، أكثر مما تحتمل؟ أليس فيلمه محاولة فاشلة لجا إليها قبله مخرجون مغاربة لكسب عطف ورضا المال اليهودي لكنهم اكتشفوا أن الكنز اليهودي يحرصه الجن وان الذين يمعنون في الانبطاح وإهانة إنسانيتهم لن يحصلوا عليه؟ ألا يشعر مخرجونا بالخزي وهم يتكلمون عن أشياء لا يفهمونها بغباء فاحش؟ هل يدرك أولئك الذين يُغيّرون المفاهيم عن قصد ويعرونها من المنطق أنهم يسيئون لأنفسهم أكثر مما يسيئون للإنسان المغربي والعربي على السواء؟ هل تناوُل عائلة يهودية "الكسكس" عند عائلة مغربية هو في حد ذاته بيان عن التعايش والتسامح الديني؟ أهذه هي الزاوية الأكثر عمقا لراب الصدع ولم الشمل بين الديانات؟ لماذا يتطاول مخرجونا المغاربة على مواضيع ليست من اختصاصهم ويحاولوا دائما أن يحسّنوا صورتنا للآخرين وفي كثير من الأحيان يشوهوها؟ من الذي سرق ارض فلسطين وهجّر 5 ملايين فلسطيني من أرضهم بالقوة وقطع رقاب من قاوم بالسكين وزج بمن تبقى منهم في معسكرات الاعتقال إلى يومنا هذا؟ هل المغاربة هم الذين يهدمون البيوت فوق رؤوس الأطفال الصغار والنساء والعجزة ويحاصرون قطاع غزة من كل الجهات ويحرقونها في واضحة النهار بالفسفور الأبيض المحرم دوليا ليحالوا تحسين صورتهم؟ على المخرجين المغاربة أن يكفوا عن إخراج السيناريوهات التي تكتب في المقاهي والتي تسخر من عقول المغاربة. لكن المشكلة، أن بعض ضعاف العقول يصفقون ويروجون لهذه السينما المارقة، سينما التهريج التي أصابها الإفلاس الفكري فعثرت لنفسها عن ملاذ في الشعوبية والنمطية والبغاء السينمائي الذي يغازل شبابيك التذاكر، فهنيئا لهم وهنيئا على هذا الانجاز العظيم الذي أوصلنا إليه مدير المركز السينمائي المغربي نوالدين الصايل.