انتُخب المغرب، في الثلاثين من شهر نونبر المنصرم، في شخص سمية العمراني، عضواً في لجنة الأممالمتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، بمناسبة الاجتماع ال13 للدول الأطراف في اتفاقية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة. وتشغل العمراني منصب رئيسة تحالف الجمعيات العاملة في مجال إعاقة التوحد بالمغرب، وتُعد شخصيةً معروفةً بعملها وانخراطها في جمعيات ومؤسسات وطنية ودولية للدفاع عن حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة. وقد تنافس 27 اسمًا من المرشحين الآخرين على المناصب التسعة الشاغرة في اللجنة الأممية، وهي هيئة مُكونة من خبراء مستقلين يَسهرون على التطبيق الأمثل للدول الأطراف للاتفاقية، بهدف تعزيز وحماية وضمان تمتع الأشخاص ذوي الإعاقة، بشكل كامل ومتساو، بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية. في هذا الحوار مع جريدة هسبريس الإلكترونية، تتحدث العمراني عن مسار ترافعها من أجل الأشخاص ذوي الإعاقة والتوحد على الخصوص، وتُقدم مقاربتها من أجل النهوض بحقوق هذه الفئة من المواطنين وتغيير نظرة المجتمع لهم من خلال الإعلام والمؤسسات التعليمية والبيئة الأسرية. وتُشير الفاعلة الجمعوية إلى أن المغرب يتوفر على ترسانة قانونية مهمة تخص مجال الإعاقة؛ لكنها لاحظت استمرار وُجود فجوة كبيرة بين الاعتراف بالحقوق وبين تمتع كافة ذوي الإعاقة بها، وهذا ما ظهر بشكل جلي في شهادات الأسر خاصة في ظل الجائحة. كيف جرى انتخابك في اللجنة الأممية؟ تخضع عُضوية اللجنة الأممية المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لمسطرة تُحددها المادة 34 من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، حيث نصت الفقرة الخامسة منها على انتخاب الأعضاء بالاقتراع السري من قائمة أشخاص تُرشحهم الدول الأطراف من بين رعاياها في اجتماعات مؤتمر الدول الأطراف. كما أكدت الفقرتان 3 و4 من المادة نفسها أن المرشحين لعضوية اللجنة ينبغي أن يكونوا ممن يشهد لهم بالأخلاق العالية والكفاءة والخبرة في مجال الإعاقة، وأن يُراعَى في ذلك شروط التمثيل الجغرافي والنوع والإعاقة، وتتكون هذه اللجنة من 18 عضواً. بصفتي عُضواً في اللجنة الأممية المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، فسأنكب رفقة بقية الأعضاء على دراسة التقارير الدورية للدول الأعضاء. كما سأشارك في التعليقات العامة حول مُقتضيات الاتفاقية وتتبع تنفيذ الاتفاقية على المستوى الدولي. كيف بدأت المسار في العمل الجمعوي المتعلق بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة؟ انخراطي في العمل الجمعوي المتعلق بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة مرتبط أولاً بأمومتي لشابة توحدية عانت من الآثار السلبية لضُعف المعرفة بالتوحد وتأخر التشخيص، وهو نابع أيضاً من إيماني العميق بأهمية العمل المدني والترافع من أجل إبراز القضايا العادلة للأشخاص ذوي الإعاقة. لماذا اخترت إعاقة التوحد بالضبط، هل لها خصوصيات؟ وهل من دروس من مسار ترافعك المدني؟ لم أختر التوحد؛ بل هو الذي اختارني. ابنتي آية، البالغة من العمر 27 سنة توحدية، رُزقت بها عندما كنت في عمرها الحالي. وقد جعلتني حرقة السؤال والبحث عن آليات التأهيل والدعم أنخرط في الدفاع عن القضية والعمل على إبرازها وإخراجها من الظل، لتُصبح قضيةً مُجتمعيةً وليست قضية أمهات وآباء أرهقهم البحث عن إجابات وحلول لأبنائهم. من الدروس المستفادة خلال مسار الترافع المدني من أجل حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة أن التغيير يأتي بالتدرج والحوار. والأهم من ذلك هو أن نجاعة الترافع لا تتأسس على وجاهة المطالب فقط، وإنما لا بد من تعزيزها بالحجج المبنية على أسس علمية. كما تعلمت، خلال هذا المسار، أن الترافع الناجع يقوم على خُطة عمل إستراتيجية منطلقة من تشخيص للواقع وليس من أفكار وانطباعات لدى الأشخاص مهما حسنت نواياهم. وأخيراً، أنا ممن يؤمنون بالقاعدة المعمول بها في المفاوضات: خذ وفاوض. كيف ترين واقع الإعاقة في المغرب؟ الإعاقة في المغرب انتقلت من التعاطي المناسباتي والإحساني إلى مستوى السياسات العمومية؛ وهذا في حد ذاته إنجاز مهم، والأرقام التي أفصح عنها البحث الوطني للإعاقة الأول في 2004 والثاني في 2014 تُوضح حجم التحديات، خاصة في مجالات التعليم والصحة والشغل والمشاركة الاجتماعية والحماية الاجتماعية؛ فمثلاً 1 في المائة فقط من الأشخاص ذوي الإعاقة يَصلون إلى التعليم العالي، وأكثر من 60 في المائة من الأطفال ذوي الإعاقة ليس لديهم أي مستوى دراسي. هل يتوفر المغرب على ترسانة قانونية تحفظ حقوق ذوي الإعاقة؟ وهل يتم تنفيذها على أرض الواقع؟ عملت الحكومة، مُنذ مصادقة المغرب على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، على ملاءمة الإطار القانوني للإعاقة من خلال اعتماد القانون الإطار 97.13 المتعلق بحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، والقانون الإطار للتعليم رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي. كما أننا نتوفر على قانون الولوجيات منذ سنة 2003. يَظل القانون الإطار في حاجة إلى تطبيقه، من خلال إخراج النصوص التنظيمية التي أشار إليها. وعليه، فإن سؤالك يتناول قضيةً مهمةً ألا وهي مسألة فعلية الحقوق. والواقع أن إعمال الحقوق يتطلب تضافر مجموعة من العوامل؛ منها الشق القانوني والمالي. من أجل ذلك، نُلاحظ استمرار وجود فجوة كبيرة بين الاعتراف بالحقوق وبين تمتع كافة ذوي الإعاقة بها، وهذا ما ظهر بشكل جلي في شهادات الأسر خاصة في ظل الجائحة. ما الذي يلزم المغرب اتخاذه من أجل النهوض بحقوق هذه الفئة بعيداً عن منطق الإحسان؟ باختصار شديد، إعمال الحقوق والقطع النهائي مع المقاربة الإحسانية يتطلب: اعتماد مقاربة شمولية تُمكن من ترجمة القوانين والسياسات والبرامج إلى ميزانيات مصحوبة بمؤشرات قابلة لتتبع والتقييم والمراجعة، تغيير النظرة للإعاقة وإدراجها ضمن النموذج التنموي الجديد على أساس أنها مُكون أساسي في المجتمع، اعتماد آليات ناجعة لضمان أوسع مشاركة سياسية للأشخاص ذوي الإعاقة، سواء في الانتخابات أو في إطار الديمقراطية التشاركية. هل يحظى ذوو الإعاقة في المغرب بالحقوق الأساسية، على رأسها الشغل والتعليم والصحة؟ أود، هُنا، أن أشير إلى التقدم الحاصل والذي يمكن ترجمته في اعتماد البرنامج الوطني للتربية الدامجة وفي تنظيم المباراة الموحدة وفي آليات التشغيل الذاتي التي تبناها صندوق التماسك الاجتماعي، هذا التقدم بحاجة إلى آليات مالية وقانونية ومؤسساتية لمواكبته وضمان نجاحه وترسيخ منجزاته. أذكر، على سبيل المثال، أن الاعتراف بالحق في مرافقي الحياة المدرسية ومأسسته يظل تأثيره ضعيفاً بالنسبة لولوج كافة التلاميذ ذوي الإعاقة الفكرية إلى التعليم بسبب الكلفة المالية لرواتب مرافقي الحياة المدرسية التي مازالت مُلقاةً على كاهل الأسر أو جمعيات الأسر. كيف يمكن دعم جهود الأسر التي يُعاني فيها أحد الأفراد من الإعاقة؟ دعم الأسر هو عبارة عن مسار يشمل المواكبة في مرحلة الكشف والتشخيص، التوجيه والدعم النفسي بعد التشخيص والتمكين الاقتصادي من خلال تغطية الكلفة المالية للإعاقة التي ترهق كاهل الأسر. كما تتوجب أيضاً الإشارة إلى أن مواكبة الأسر يَنبغي أن تتم وفق مُقاربات علمية ومنهجية تأخذ بعين الاعتبار عوامل المحيط والسن والنوع وكافة المتغيرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي تؤثر على البيئة الأسرية وعلى تعاطيها مع إعاقة أبنائها. ما هي أبرز تجليات المعاناة التي يواجهها الأشخاص ذوو الإعاقة في المغرب؟ يُعد الحرمان من التعليم أكبر تحدّ يواجهه الأشخاص ذوو الإعاقة، حيث تترتب عنه انعكاسات عديدة تمس الحقوق الأساسية الأخرى؛ كالصحة والحماية الاجتماعية والشغل والمشاركة في المجتمع. كيف يمكن تغيير نظرة المجتمع إلى هذه الفئة من المواطنين والتي يجب أن تحظى بكامل حقوقها؟ يُمكن تغيير نظرة المجتمع إلى الإعاقة من خلال ثلاث قنوات: الإعلام، المؤسسات التعليمية، البيئة الأسرية. هذه المؤسسات الثلاث في حاجة إلى تعزيز قدراتها في مجال المقاربة الحقوقية والمفاهيم الحقوقية التي تؤثر في المواقف والممارسات والقوانين. هل يقتصر الوضع غير المرضي لذوي الإعاقة على المغرب أم أن الحال سيان في جميع دول العالم؟ يعرف الأشخاص ذوو الإعاقة تحديات عديدة، ويواجهون الكثير من الحواجز البيئية التي تحول دون تمتعهم بكافة حقوقهم في جميع دول العالم وبدرجات متفاوتة، والمغرب بدوره لديه إنجازات وما زالت أمامه مجموعة كبيرة من التحديات التي ينبغي أن يطور إجابات شافية لها.