شهادات تاريخيّة عن المغاربة وحُسن جِوارهم مع جيرانهم السّفير ابن عثمان المكناسي– في فقرات تدخل في صميم مأموريته لدى العاهل الإسباني كارلوس الثالث، أسوقها من مخطوطه "الإكسير في فكاك الأسير" – يقول بالحرف الواحد: "ولمّا رأيت حالة الأسارى، وما هم فيه من الضّيق والمحنة وانقطاع رجائهم من صاحب الجزائر، ولم ينتظروا إلاّ ما يأتيهم من فرج الله على يد سيّدنا أمير المؤمنين أيّده الله، كاتبت الوزير وقلت له إن الملك قد فعل معنا من البرور والإكرام ما علمت، وإنني قدمت إلى شقوبية وقرطاجنة ففرّقت الصدقة على الأسارى، فاسترحموا جميعا بجانب سيّدنا نصره الله بمرأى ومسمع الجميع". ويقول: "والأسارى المذكورون كلّهم من أهل الجزائر وأيالاتها، ومع ذلك لم يغفل عنهم سيّدنا أيّده الله فقد أخرج منهم زهاء الألفين في دفعات". إلى أن يقول: "وأمرنا أدام الله تأييده أن نرافقهم حتى نوصلهم إلى حضرة فاس، ونعيّن لهم البهائم الكافية لركوبهم إلى تلمسان، ومن هناك يتفرّقون في البلدان، فتوجّهت بهم إلى أن أوصلتهم فاس، وأقمنا معهم حتى يسّرنا لهم جميع شؤونهم، وودّعناهم فرحين بما أسداه تعالى إليهم شاكرين نعمه عليهم، ونسأله سبحانه أن يجعل عملنا لوجهه الكريم خالصا". للتاريخ عيون.. شهادات وأحداث في نهاية القرن الثامن عشر أوفد السلطان محمّد بن عبد الله السفير المغربي ابن عثمان المكناسي في سفارة لدى العاهل الإسباني كارلوس الثالث لإطلاق سراح الأسرى الجزائرييّن الذين كانوا في سجون مدينتي شقوبيّة وقرطاجنة الإسبانيتين. وتجدر الإشارة في المقام الأوّل إلى أن العلاقات المغربية الخارجية في عهد السلطان محمّد بن عبد الله كانت من أروع ما عرفه تاريخ المغرب من علاقات، فقد بادر إلى تقديم المساعدات المالية والحربية لكثير من الدّول، ويكفي أن نذكر هنا أنه كان أوّل من اعترف باستقلال أمريكا بعد حربها الأهلية 1773. كما كانت الدّول الأوربية تتودّد إليه، وكانت له معها علاقات ومعاهدات متعدّدة مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية، والسويد، والدانمارك، وإيطاليا، وهولاندا، والبرتغال، وإسبانيا، وفرنسا، وبريطانيا إلخ. تعتبر رحلة ابن عثمان "الإكسير في فكاك الأسير"، أوّل رحلة يقوم بها إلى ملك إسبانيا كارلوس الثالث سنة 1779 في شأن عقد معاهدة لتجديد الصّلح بين الدّولتين، وافتكاك الأسرى المسلمين الذين كانوا في أسر النصارى بإسبانيا، ويقول ابن عثمان عن هذا الموضوع: "لقد كان عند النصارى قبل هذا من أسارى المسلمين عدد كثير وجمهور غفير وكلهم من البلاد المشرقية مثل طرابلس الغرب، وتونس، وخاصة الجزائر وعمالاتها فسرّح الله تعالى جلّهم على يده الكريمة" (يقصد محمد بن عبد الله). والجدير بالذكر أن هذه الرحلة لم تكن معروفة من قبل بل كان يشار إليها بواسطة الفرنسّيين فقط في سجلاّتهم الدبلوماسية إلى أن عثر المرحوم محمّد إبراهيم الكتاني على نسخة من مخطوط الرّحلة وهي كانت تحمل رقم 124 من مخطوطات الأوقاف بالخزانة العامة بالرباط وتقع في 74 ورقة، وهناك نسخة أخرى بخط واضح تحت رقم 2542، كما هناك نسخة ثالثة في الخزانة الملكية بالرباط تحت رقم 2326 وقد تكون قد أعطيت لهذه المخطوطات في الوقت الرّاهن أرقام أخرى أو ترتيبات جديدة بعد الإصلاحات والتحديثات المتوالية التي طرأت على هذه المكتبات في الأعوام الأخيرة. وقد اعتمد محقّق الرّحلة المرحوم محمد الفاسي على نسخ المخطوطات الثلاثة، وذيّل حواشي الرّحلة بالتعاليق الضافية، وشرح الكلمات والألفاظ العاميّة، وكذا الكلمات الإسبانية الواردة فيها، وبيّن أسماء المدن والقرى التي مرّ بها ابن عثمان مع كتابتها بالأحرف اللاتينية الحالية وإثبات نبذ تاريخية عن هذه الأماكن، وتوضيح المسافات بينها وبين المدن الرّئيسية. وأمّا نشاط ابن عثمان الدبلوماسي في عهد المولى اليزيد فقد كشفت عنه النقاب وثائق بدار المخطوطات الوطنية بمدريد، قام بنشر بعضها المستشرق الإسباني "مريانو أرّيباس بالاو" الذي نال عنها أطروحة الدكتوراه من جامعة برشلونة. وقد اهتمّ برحلة ابن عثمان غير قليل من الدارسين الآخرين، نسوق منهم فضلا عن الدكتور "بلاو" الآنف الذكر العلامة "فيسينطي رودريغيس كاساد"، واهتم به من المغاربة الأستاذ محمد الفاسي، والدكتور عبد الهادي التازي الذي نشر النصّ المتعلق برحلة ابن عثمان إلى صقلية. والأستاذ إبراهيم الكتاني مكتشف مخطوط الرحلة، وأحمد المكناسي، وعزّوز حكيم وسواهم رحمهم الله جميعاً. الدبلوماسيّ الذي سبق عصرَه تؤكّدها العديد من المراجع الأوروبية أن ابن عثمان اضطلع بدور حاسم في سياسة المغرب الخارجية، ومن خلال مكاتبات ابن عثمان مع كبار المسؤولين الإسبان ورجال الدّولة السّامين في إسبانيا وفى مقدّمتهم صديقه "الكونت أراندة"، وزير الملك كارلوس الرابع، تبيّن مدى المكانة المرموقة التي كان يحظى بها ابن عثمان لدى الإسبان، كما أننا من خلال كتاباته نجده رجلا محبّا للسلام ذائدا عنه، ذا خبرة واسعة بالشؤون الدبلوماسية، وكان يدرك تماما أن مصلحة إسبانيا والمغرب أن يعيشا في سلام ووئام نظرا لاعتبارات الجوار والتاريخ والعلاقات التجارية بين البلدين، ومصالحهما المشركة. يقول عنه الدكتور عبد الهادي التازي: "ابن عثمان كان يتمتّع بخصال الدبلوماسي الذي لا يتردّد في الاستجابة لحضور دعوات الموسيقى والرقص، وحضور مجالس الأنس، ولا تعجزه الإجابة عن الأسئلة التي تطرح عليه، كما لا يترفّع عن السؤال عمّا يريد الاستفادة منه، ثمّ هو بعد هذا وذاك يحترم تقاليد الأمم التي يعتمد لديها، وإذا كان ابن بطوطة أوّل مبعوث مغربي أخذت له صورة عند زيارته للصّين، وإذا كان السفير إبراهيم الدّوك أوّل من حمل الوسام من الولايات العامّة، فإنّ ابن عثمان أوّل دبلوماسي مغربي يقوم بطبع "قراطيس" تعريفه لتقديمها لزملائه في المماليك الأوروبية". وخلال رحلة ابن عثمان لتحقيق الغاية التي قدم من أجلها للديار الإسبانية، وهي-كما يدلّ عنوان مخطوطه "الإكسير في فكاك الأسير" عليها، أي إطلاق أو فكاك أسرى المسلمين الذين كان معظمهم من الجارة الشقيقة الجزائر الذين كانوا في السّجون الإسبانية، سوف نعيش معه العديد من المعايشات ممّا سيحكي لنا من أمور وأخبار وأسرار وغرائب وطرائف، مسلطا الأضواء على مختلف مظاهر الحياة الإسبانية في نهاية القرن الثامن عشر على عهد العاهل الإسباني كارلوس الثالث. استهلّ ابن عثمان رحلته بالحديث عن فوائد السفر والترحال وما يجنيه المرء منهما من نفع عميم، فضلا عمّا يشعر به المسافر من متعة لا حدّ لها وهو يرى بلدا جديدا ويطّلع على عوائد جديدة، ويتعرّف على حياة تختلف اختلافا واضحا عن الحياة في بلاده التي تركها وراء البوغاز. ثم يذكر السّبب الرّئيسي لرحلته. ومن عادة ابن عثمان أن يذكر عند وصوله إلى أيّ مدينة مدى فرحة السكّان بقدومه، والحفاوة التي هيّأها أهلها وحكامها له. يقول في هذا المجال على سبيل المثال: "حاكم قادس قد هيّأ لنا دارا بالقرب من المكان الذي ننزل فيه للفرجة يسمّونه الكوميديا"، والمقصود بطبيعة الحال هو "المسرح" الذي يقول عنه: "هي دار عظيمة لها أربع طبقات وقد أوقدوا فيها من الشمع ما لا يعدّ ولا يحصى، وأصحاب آلات الطرب والموسيقى في سفلى الدار، وقد هيّؤوا لنا موضعا في إحدى الطبقات وشاهدنا من العجب في تلك الدار ما لا يمكن وصفه من أنواع التصاوير والبناءات والحيوانات التي تخيّل للناظر إليها كأنها قائمة الذات". وهكذا حاله في مختلف المدن والقرى التي مرّ أو استقرّ فيها على طول الطريق المؤدّية إلى العاصمة مدريد، ثم إلى وجهته الأولى حيث يوجد الأسرى وهي مدينة شقوبية. وفى الميدان الفلاحي نجده يصف لنا هذا الجانب وصفا دقيقا كأنواع المزروعات، والأشجار والثمار إلخ. وهو يقول بعد خروجه من "خيريث": "ودخلنا في بلاد فسيحة الأرجاء، متّسعة الأنحاء، بلاد الحرث والنسل تنبت الدّوم وشجر السّرو". ويقول عن قرية "لاس كابيثاس دي سان خوان": "ودخلنا أرضا متّسعة منفسحة طولا وعرضا تسرح نظرك حيث شئت ووجدناها كلها محروثة، وهي أشبه شيء ببلاد دكّالة بأرض المغرب، نباتها النبات المسمّى بالخرشف وليس بها ماء أصلا إلاّ الآبار أو ماء الأمطار، إلاّ أن ماء آبارها قريب لا كماء دكّالة". إلى أن يقول: "وأتانا أهل تلك الدار بزيتون لم نر مثله كأنه الجوز حقيقة". في وصف صومعة الخيرالدا (من بناء أجداده الموحّدين) يصل وصف ابن عثمان لكلّ ما رآه في الدّيار الإسبانية حدّا متناهيا من الدقّة بحيث يحصي أقواس بعض المآثر التاريخية، وأعمدتها والسّواري، والأبواب بعلوّها وطولها وعرضها، بل إنه يلجأ في بعض الأحيان إلى المقارنة بين ما شاهده في إسبانيا وما هو قائم أو كائن في بلاده المغرب، فعند وصفه لمدينة إشبيلية يقول عن صومعة "الخيرالدا" مقارنا إياها بأختها صومعة الكتبيين في مرّاكش: "لقد كنّا سمعنا من قبل أن منارها يشبه منار الكتبيين يصعد إليه من غير مدارج، وقد أخبرني غير واحد من المواطنين الإسبان ممّن صعد إليه راكبا على فرسه، وكذا الكتبية لا مدارج لها، ولما دخلنا بابها درنا في المنار في صعودنا إليه خمسة وثلاثين دورة، وفيها من القبب في وسطها مثل صومعة الكتبيّين، حيث يسكنها النصارى المقيمون الموكولون بضرب النواقيس المعلقة بها لأنّ لها من النواقيس خمسة وعشرين، منها ناقوس كبير، ذكر لي أن زنته مائة وخمسة وثمانون قنطارا والباقون دون ذلك". ويصف ابن عثمان إشبيلية من أعلى منار الخيرالدا فيقول: "وأشرفنا على مدينة إشبيلية فإذا هي مدينة كبيرة بهيّة المنظر، كثيرة الآثار مع ما فيها من البناءات الفائقة، والمنارة الرائقة، وسقف دورها كلها بالقرمود الأبيض، وكذا سائر مدن إسبانيا التي رأينا، أسّست في بسيط من الأرض، وزادها حسنا وبهاء الوادي الكبير، فإنه مارّ بإزائها بينه وبين سورها نحو الأربعين شبرا أو نحو ذلك، صار لها كالتاج حسنا، وعلى ضفته في العدوة الأخرى مدينة صغيرة يقال لها "تريانة" أكسبتها إشبيلية منظرا حسنا، وجميع أرجاء هذه المدينة منفسحة، وكلها مغروسة بالزياتين، وهذا الوادي المذكور هو أعظم أودية الأندلس، إذ جلّ الأودية تصبّ فيه وتجتمع، وكلها تخرج إلى البحر الكبير". إلى أن يقول: "ويكفي هذه المدينة فخرا أنها مسمّاة عروس الأندلس، ومن غرائب إشبيلية الغرسة المجاورة للقصر الذي كنا نازلين فيه، ففيها من العجائب ما يقصر عن وصفه اللسان، فقد قسّموها أقساما متعدّدة، وطرقها معتدلة مستوية، وفيها من التصاوير (يقصد التماثيل أو المجسّمات) ما لا يحصى وحيث يطلقون الماء فيخرج من تلك التصاوير، فمنها ما يخرج من فمه، ومنها ما يخرج من قلبه، ومن ثدييه، ومن رأسه كأنّه المرشّة. ومن عجائب هذه الغرسة أن جدرانها مكسوّة بشجر التيّن والنارنج مغروس في أصل الجدارات (الجدران) وربّي على هيئتها حتى صار لباسا للجدارات كأنّه النبات المسمّى عندنا بالمغرب باللوّاية". في قرطبة الغرّاء وعندما وصل ابن عثمان إلى قرطبة فإنّ أوّل ما استرعى نظره هو الوادي الكبير والقنطرة التي تعلوه. ثم ينتقل إلى الحديث عن عظمة هذه المدينة أيام التواجد الإسلامي بها، يقول عن مسجدها الأعظم: "ودخلنا المسجد وقد أوقدوا به من الشمع ما لا يعدّ كثرة فإذا هو من أعظم مساجد الدنيا، واسع الفناء، ضخم البناء، وتقدّمنا إلى المحراب فإذا هو أبدع من كلّ مبتدع، وأبهى من كلّ مستنبط ومخترع، وهو كلّه من الرّخام الأبيض في داخله سبع صفائح من الرخام في طول قامة وعرض ستة أشبار ونصف في الواحدة ". وبعد أن سجّل ابن عثمان كلّ ما هو مكتوب في مختلف رخامات المسجد، صار يعدّ كلّ سواريه عدّا دقيقا، واطّلع على ما في المسجد من نفائس وتحف، ثم أحصى عدد شجر النارنج الذي يتوسّط صحن المسجد، فإذا هي سبعون شجرة وزيتونة واحدة، ومن شجر السّرو سبعة، ومن النخيل ثلاثة، ثم أحصى نواقيس الصّومعة، فإذا هي سبعة عشر، "ناهيك عن مسجد ليس في معمور الأرض مثله إلاّ المسجد الأقصى، وقيل إن سقف مسجد قرطبة أكثر من سقف المسجد الاقصى، وأوّل من اختطّ هذا المسجد العظيم الإمام عبد الرحمن الداخل". ويقول عن مدينة طريفة: "تدعى كذلك نسبة إلى طريف ابن مالك ابن زرعة البربري أوّل مسلم نزل أرض الأندلس، وقد كان وجّهه طارق ابن زياد للاستطلاع فنزل بهذا المكان الذي سمّي باسمه، وهي أقرب نقطة جغرافية إلى الشواطئ المغربية، يقابلها وادي المرسى في أرض أنجرة بين طنجة والقصر الصغير". في مدريد العامرة وما أن وصل ابن عثمان إلى مشارف مدريد حتى بدأ في وصفها قائلا: "هذه المدينة كبيرة غاية في الكبر وضخامة البناء حاضرة الحواضر ببلاد إصبانية (كذا) بنيت على ربوة، وببابها وادي مانساناريس زادها حسنا وبهجة وسناء. وقد غرسوا على جانب الوادي الذي من ناحية المدينة أشجارا كثيرة مثل التمر وما أشبهه في غاية العلوّ بصفوف معتدلة يتفيّؤون ظلالها عشية وقت خروجهم يتردّدون على حاشية الوادي المذكور على أكداشهم (مفردها كوتشي وهي عربة يجرها حصان)، ولما دخلنا المدينة وجدنا بها من الخلائق أضعاف من تلقّانا بخارجها، فسرنا في سكك متّسعة وديار مرتفعة فجلّ ديارها لها ست طبقات وخمس طبقات لكل دار سراجيب منفتحة للأزقّة ومغلقة بالزّاج عليها شبابيك الحديد وأسواقها عامرة مشحونة بأهل الحرف والصنائع والتجارة والبضائع وجلّ باعتها من النساء". كما وصف ابن عثمان القنطرة التي تعلو نهر منساناريس ذات الأقواس التّسعة، "وهي غاية في الإتقان والإحكام والضخامة، وعرضها نحو مائة شبر يسمّونها قنطرة طليطلة، وهي تسمّى كذلك لكون المسافرين إلى طليطلة يمرّون بها". وتجدر الإشارة إلى أن هذا الاسم ما زال يطلق عليها إلى يومنا هذا. ويشير المرحوم محمّد الفاسي محقق مخطوط رحلة ابن عثمان إلى أن "مدريد كانت أيام المسلمين قرية صغيرة بربريّة تدعى بني مجريط، ومن هذا اللفظ اشتقّ اسمها الحالي"، وإليها ينسب العالم الرياضي الفلكي الكيمياوي الشهير أبو القاسم مسلمة المجريطي، الذي يلقّب بإقليدس الغرب. مع العاهل الإسباني كارلوس الثالث ويصف لنا ابن عثمان لقاءه بالملك الإسباني كارلوس الثالث فيقول: "دخلنا قبّة فوجدنا الملك واقفا ببابها، وعن يمينه طبلة مكسيّة بالديباج، وحوله الوزراء وأعيان دولته وخاصّته، فأزال الشمرير (أي القبّعة) عن رأسه فدنوت منه وسلّمت عليه بما هو شرعا فهشّ وأظهر من الانشراح والفرح شيئا كثيرا". إلى أن يقول: "وبعد أن سأل عن سيّدنا أمير المؤمنين قلت له إنّه يسلّم عليك لأنك لست عنده كغيرك من عظماء الرّوم، لميلك إلى جانبه وسعيك في تنفيذ مآربه، فقال إنّا عند كلمته مستجلب لخاطره، وكلّ ما يريد عندنا نسرع لقضائه، فأخرجت الكتاب السلطاني (أيّ أوراق الاعتماد كما يقال في يومنا) ووضعته على رأسي، وقبّلته ودفعته إليه وانصرفنا عنه وظلّ واقفا مكانه حتى خرجنا من الباب، ودخلنا قبّة أخرى فوجدنا بها البرينسيبي (أيّ الأمير) فسلمنا عليه، وفعل مثل ما فعل والده". ثم انتقل ابن عثمان إلى وصف الملك كارلوس الثالث، (ولنتأمّل دقّة ملاحظاته وأوصافه في هذا الشأن، إذ تتطابق تماما كما يبدو لنا فيها بالضبط في الرسومات واللوحات التي أخذت له من طرف بعض مشاهير الرسّامين الإسبان المعاصرين له) يقول: "إنه رجل قصير، أبيض، أزرق العينين، طويل الأنف للغاية، قد خرج من الكهولة، عمره خمسة وستون سنة، وبه ارتعاش كثير، إلاّ أنه ما زال مولعا بالصيد، وركوب الخيل في الحرّ والقرّ". في حديقة ريتيرُو بمدريد (مجريط) وأشار ابن عثمان إلى أنه رأى في حديقة "ريتيرو" الشهيرة في مدريد (ما زالت إلى يومنا هذا) فرسا عظيما من النحاس وراكبه صورة (تمثال) من نحاس أيضا لفليبي كوارتو (أي الرابع)، وأضاف أنه وقف في رحلة مغربي آخر إلى إسبانيا قبله وهو الفقيه أبو عبد الله محمد بن عبد الوهاب الوزير الغسّاني من أهل فاس، وقد كان سبقه إلى السفارة عن المولى إسماعيل إلى ملك إسبانيا كارلوس الثاني لافتكاك الأسارى كذلك مثله، والمطالبة بالمخطوطات المغربية في دير الإسكوريال وذلك عام 1690، (**) يشير فيها الغسّاني إلى: "أنهم كانوا يجعلون في الفرس المذكور حركات، فصوت مثل صهيل الفرس". ثم يصف رحالتنا متحف الحديقة فيقول: "بهذا المتحف أشياء غريبة جدّا كشاة واحدة لها رأسان، وحيوان آخر له عين واحدة في جبهة رأسه، وكلب له رأسان في ذات واحدة، وحيوانات البحر والطيور الغريبة والحيوانات المذكورة موتى إلاّ أنهّم جعلوا لها الكافور، وجمعوها بهذه الدار". مصارعة الثيران وبعد وصفه لمختلف مظاهر الحياة الإسبانية في ذلك الإبّان (القرن الثامن عشر) كمصارعة الثيران التي يدوّن بشأنها أخبارا وأشياء لم تعد موجودة اليوم في إسبانيا كتسليط الكلاب الكبيرة على الثيران التي تأبى المصارعة والمراوغة وتولّي الأدبار وتقوم الإذعان، وقد سأل المرحوم محمّد الفاسي محقق الرحلة بعض العلماء الإسبان فاكّدوا له عادة إشراك الكلاب في مصارعة الثيران التي كانت موجودة إبّان وجود ابن عثمان في إسبانيا، كما أن هناك مجموعة من لوحات الرسامين الإسبان الكبار تؤكّد لنا ذلك، وللفنان الإسباني فرانسيسكو دي غويا لوحة يسجّل فيها هذه الواقعة، وهي اللوحة الخامسة والعشرون من مجموعته (طاوروماكيا) التي صدرت ضمن طبعة دولية بعدّة لغات، بما فيها اللغة العربية. وصفه لمدينة شقوبية (Segovia) شقوبية وقرطاجنة تمثّلان الجانب الأساسي والأهمّ في سفارته إلى إسبانيا وهي توزيع صدقة السلطان محمّد بن عبد الله على الأسارى الذين كانوا مسجونين في سجون هاتين المدينتين، وإطلاق سراحهم، وسوف نرى ونلمس مدى عمق الموقف المؤثّر عندما يلتقي ابن عثمان بهؤلاء الأسرى". وقبل ذلك، يصف ابن عثمان مدينة شقوبية فيقول: "إنها مدينة قديمة أثر القدم لائح (ظاهر) عليها وجلّ جدرانها متلاشية ولا سور لها كسائر مدن إسبانيا، وأهلها أهل تقشّف والغالب عليهم أهل حرف، ونساؤهم يستعملن الغزل كثيرا ولا رفاهية لهم كغيرهم من ضامات (سيّدات) الحواضر مثل مدريد وإشبيلية وغيرهما. وقد أسّست المدينة على ربوة مطلّة على وادي يقال له (ريّو لا ريسما) وليس في حوزها جنان ولا بساتين، وذكر لي أهلها أنه لا ينتج به شجر ولا ثمر من شدّة القرّ والجليد". واتّجه ابن عثمان بعد ذلك إلى القصبة التي كان يوجد بها الأسرى الذين جاء لإطلاق سراحهم. لقاؤه بالأسرى ثمّ يصف ابن عثمان بعد ذلك لقاءه بهؤلاء الأسرى الجزائريين منكودي الطالع، وهو موقف مؤثّر جدا فيقول: "ودخلنا إلى موضعهم وجلسنا معهم كثيرا تطييبا لخواطرهم ودفعنا لكل واحد حظّه من الصّدقة التي بعث بها سيّدنا إلى سائر الأسارى". إلى أن يقول: "وبشّرناهم بأنّ سيّدنا ومولانا المنصور بالله مجتهد في إنقاذهم وحريص على فدائهم، وإننا تكلّمنا مع العاهل الإسباني في هذا الأمر فجعل أمر ذلك بيد سيّدنا أمير المؤمنين"، وأخبرهم: "أنه عمّا قريب سيأتي الأمر بسراحهم". ويؤكّد ابن عثمان في سياق رحلته شهادة تاريخية ساقها بكلّ نزاهة، وهي تتعلق بحسن معاملة الإسبان لهؤلاء الأسرى، فيقول: "وقد أحسنوا معهم، فلم يكلّفوهم بعمل ولا بخدمة وهم على الكفاية من جهة المأكل والملبس". والمحطّة الثانية التي حطّ ابن عثمان فيها الرّحال بعد زيارته للعديد من المدن الإسبانية الأخرى التي مرّ بها هي مدينة قرطاجنة التي يوجد بسجونها أسارى المسلمين كذلك. يقول في هذا الصدد عند وصوله إلى هذه المدينة: "وقد أكرمونا عند الوصول إكراما كبيرا، ثم كلمت حاكم البلد وقلت لهم أردت أن نتوجّه غدا إلى رؤية أسارى المسلمين، فلما أشرفنا عليهم أعلنوا جميعا برفع أصواتهم بذكر مولانا أمير المؤمنين، والدّعاء له بالنصر والتمكين. وعظم ضجيجهم واستغاثتهم بجناب سيّدنا ومولانا أمير المؤمنين حتى اقشعرّت الجلود، فبعث إليهم الحاكم فأخرجهم في حالة تلين لها الصخور، وتمزّق الفؤاد، وتترك الأماقي بمدامعها تفور، والقلوب في الصدور تفور، فأخذتني الحيرة، وغلبتني العبرة، وجعلت أسلّيهم بأنّ سيدنا أمير المؤمنين غير تاركهم، وأننا تكلمنا بأمره في شأن فدائهم بالمعاوضة". إلى أن يقول: "وتقدّم الحاكم فميّز من الأسارى ثلاثين رجلا وقال هؤلاء سرّحهم الملك هدية لمولانا أمير المؤمنين، وأزال عنهم الحديد فملكوا أمر أنفسهم". وأقام ابن عثمان في قرطاجنة ينتظر جواب كتابه إلى العاهل الإسباني إلى أن جاءه الجواب فأمر حاكم قرطاجنة أن يسرّح أسر كلّ من أراد ابن عثمان، يقول في ذلك: "فأخرجت بفضل الله وبركة سيّدنا أيّده الله إثنين وتسعين أسيرا زيادة على الثلاثين الأوّلين، تخيّرنا منهم الصّبيان والصّغار والشيوخ العاجزين وذوي الأعذار ومن طال مكثه في الأسر نحو الثلاثين سنة، واكتريت لهم مركباً ووجّهتهم من قرطاجنة إلى سبتة". إلى أن يقول: "والأسارى المذكورون كلّهم من أهل الجزائر وأيالاتها، ومع ذلك لم يغفل عنهم سيّدنا أيّده الله فقد أخرج منهم زهاء الألفين في دفعات". ويضيف ابن عثمان: "ولمّا رأيت حالة الأسارى، وما هم فيه من الضّيق والمحنة وانقطاع رجائهم من صاحب الجزائر، ولم ينتظروا إلاّ ما يأتيهم من فرج الله على يد سيّدنا أمير المؤمنين أيّده الله، كاتبت الوزير وقلت له إن الملك قد فعل معنا من البرور والإكرام ما علمت، وإنني قدمت إلى شقوبية وقرطاجنة ففرّقت الصّدقة على الأسارى فاسترحموا جميعا بجانب سيّدنا نصره الله بمرأى ومسمع الجميع". تسريح الأسرى الجزائريين سوف نعيش مع ابن عثمان لحظة حاسمة وجدّ مؤثّرة وهي عندما سوف يعمل على تسريح الأسارى وإرسالهم على ظهر مركب إلى سبتة. يقول: "وقد كان في تلك الأيام ريح شرقي، ثمّ منّ الله علينا بريح غربية طيبة فورد علينا الرؤساء وأعلمونا وحملوا أثاثنا على فلائكهم إلى المراكب، ومن الغد وردوا علينا بكرة فقالوا إننا متأهبّون للسفر فسرنا معهم إلى المرسى، وخرج معنا حاكم البلد وأعيانها فإذا بفلائكهم قد زيّنوها وكسوها بالحرير وبحريتها كذلك، فركبنا فيها وتوجّهنا إلى المراكب فأخرج حاكم البلد من أبراجها عدّة مدافع وقصدنا المراكب فإذا هي معلّق عليها علامات كثيرات (أعلام) على اختلاف ألوانها، وعلم مولانا المنصور وهو الأحمر من فوق الجميع. ثمّ أدخلنا الرئيس إلى الموضع المسمّى بالقامرة وقد بسط فيها فرشا وزيّنه بأنواع الزينة، وأخذ في حمل المخاطيف وأطلق القلوع (القلاع) وصرنا قاصدين مدينة سبتة بريح طيبة فوصلنا على ساعة ونصف. ويقول ابن عثمان عن ذلك أنه بعد ورود الأمر الشريف عليه بالقدوم، انطلق إلى أرض الوطن مصحوبا بالأسرى الذين أطلق سراحهم، حيث سيكون المولى محمد بن عبد الله في انتظاره وانتظارهم في محفل رهيب ومؤثّر. استقبال السلطان محمد بن عبد الله للأسرى بعد مغادرة ابن عثمان مدينة سبتة صحبة الأسرى الذين استقدمهم معه من كل من شقوبية وقرطاجنة، ينتقل إلى وصف استقبال أهل تطوان له وللأسرى بالترحاب والزغاريد فيقول: "فلمّا قرّبنا من المدينة تلقّانا أهل تطوان مع قائد البلد القائد محمّد عاشر بعدد زهاء ثلاثة آلاف رام وتقدّموا أمامنا مع الأسارى وهم يلعبون البارود إلى أن أشرفنا على المدينة فإذا بظاهرها من النساء والرجال العاجزين والصبيان ما لا عدّ له وكان عندهم ذلك اليوم يوما عظيما وموسما جسيما ذكر كبار البلد أنهّم لم يعهدوا مثل هذا الجمع فيما تقدّم ولم يظنّوا أنه ببلدهم هذا العدد الذي حمل السلاح وتحزّم". إلى أن يقول: "ثم دخلنا المدينة في ازدحام كثير وجمع غفير إلى أن وصلنا إلى الدار المعيّنة لنزولنا وأنزلنا الأسرى بدار كبيرة قريبة منّا". وبعد خروج ابن عثمان من تطوان التي أقام بها ستة أيام، ينتقل إلى وصف مراسيم لقائه بالمولى محمد بن عبد الله الذي كان مخيما بناحية المجاز بظاهر مدينة سلا، وكيف تقدّم إلى لقائه في محفل رهيب ومعه جميع الأسرى الذين استقدمهم معه من الديار الإسبانية، وفى ذلك يقول: "فلمّا قرّبنا من محلّته السعيدة بنحو ميلين أو ثلاثة ركب مولانا دامت كرامته في عسكر ملأ الرّبى والوهاد أبقاه الله تعالى لمولانا أيده الله حماية للبلاد، فتقدّمنا بأسارى المسلمين لمولانا أمير المؤمنين بعد أن حمّلناهم من كتب المسلمين عدّة فحصنا عنها وجمعناها لمّا كنّا عند النصارى في تلك المدّة، وكان من جملة الكتب المصحف الكريم، الجدير بالتعليم، فتلاقينا مع سيّدنا ومولانا المنصور بالله وارتفعت أصوات المسلمين جميعا الأسارى وغيرهم بالدعاء لسيّدنا ومولانا فنزل عن فرسه وقال: اللهمّ تقبّلها منّا ذخرا، وسجد لله تعالى شكرًا، ووقف هنيهة مع الأسارى يسألهم عن مدنهم وقبائلهم في الجزائر وعن مدّة أسرهم، وقال الحمد لله، الحمد لله الذي أنقذكم، وجمع شملكم، فاجتمع شملكم، فاحمدوا الله تعالى على نعمه واشكروه يزدكم من كرمه، وأنتم في ضيافتنا حتى نوجّهكم إلى أناسكم، ومسقط رأسكم، وكان ذلك اليوم ليلة القدر، فأقمنا هناك إلى أن عيّدنا عيد الفطر وبعد العيد بيومين ركب مولانا أعزّه الله إلى الموضع الذي خيّمنا به مع الأسارى المذكورين، وأوقفناهم أمامه، وواصل كلّ فرد فرد بصلته، على قدر حاجته وفاقته وضعفه وقوّته، وباشر ذلك بيده بالعدّ والحساب رغبة فيما عند الله من جزيل الثواب، وكريم المآب، وأمرنا أدام الله تأييده أن نرافقهم حتى نوصلهم إلى حضرة فاس ونعيّن لهم البهائم الكافية لركوبهم إلى تلمسان ومن هناك يتفرّقون في البلدان، فتوجّهت بهم إلى أن أوصلتهم فاس وأقمنا معهم حتى يسّرنا لهم جميع شؤونهم، وودّعناهم فرحين بما أسداه تعالى إليهم شاكرين نعمه عليهم، ونسأله سبحانه أن يجعل عملنا لوجهه الكريم خالصا". رحلة المكناسي وثيقة تاريخية فريدة من الحقائق التي يرويها لنا ابن عثمان في هذه الرحلة الشيّقة لقاؤه ببعض بقايا المسلمين بإسبانيا حيث يشير إلى أنه التقى بهم وتحادث معهم، وهو يحدّثنا أنهم أتوه إلى غير مناسبة بشيء من سكّة المسلمين مثل بضعة دنانير وريال صغير وفلوس مكتوب في بعضها آيات قرآنية وبعض التواريخ التي تدلّ متى ضربت هذه السكّة، يقول في ذلك: "وعندما كانوا يستعملون الموسيقى جاءت ضامة من الأكابر وقالت إلى الترجمان اسأل فلانا هل يعرف الرجل الذي ورد عليه بالدينار المكتوب بخط المسلمين بمدينة إسيخة، فأخبرني فقلت نعم، فقالت أنا أخته ونحن من أولاد قردناش وأمّي بنت برقاش، وأظهرت من التودّد والمحبّة شيئا كثيرا. وأتى رجل وهو من أعيان البلد الذين تلقّونا لمّا سمعني أتكلّم معها فقال وأنا أيضا من أولاد بريش، وأميّ بنت برقاش، فقلت لهم إن إخوانهم في بلادنا لهم وجاهة، وهم عندنا من الأعيان، وقد ذكر لنا كثيرا من قبائل أهل الأندلس الذين نعرفهم في بلادنا مثل تطوان والرباط وهم أهل رفاهية وسعة في الدنيا". وعن آثار المسلمين وبقاياهم من كتب ومخطوطات ومسكوكات إلخ، يقول ابن عثمان عن الإسبان: "إن لهم اعتناء كبيرا بمثل هذه الأمور القديمة ولا سيّما أمور المسلمين". ومن بقايا العائلات الأندلسية العربية منها والبربرية أولاد برقاش، وأولاد بريش، وأولاد صيرون، وأولاد راغون، وأولاد اللب، وأولاد قردناش، وعائلة بركاش، ومعظم هذه العائلات ما تزال حتى يومنا هذه في بعض المدن المغربية. وتجدر الإشارة إلى أنه بجوار مدينة طليطلة توجد حتّى الآن قرية صغيرة، (لعلّها اليوم مدينة) تسمّى برقاش أو بركاش. تطرّق ابن عثمان في رحلته إلى مختلف مظاهر الحياة الإسبانية في الفترة التي زار فيها إسبانيا، إنه كان يلقي الضوء على كل صغيرة وكبيرة يمرّ بها أثناء رحلته، بحيث لم يترك شيئا وقعت عليه عيناه إلاّ وأوفاه حقه بالوصف والتصوير، والبحث والتحرّي، والتقصّي والشرح، وقد بذّ في ذلك بعض الرحّالة الآخرين الذين سبقوه إلى الديار الإسبانية مثل الغسّاني والزيّاني وسواهما. وتكتسب رحلته قيمة توثيقية مهمّة، ليس فقط فيما يتعلق بوصفها أو تسجيلها لمختلف مظاهر الحياة الإسبانية في نهاية القرن الثامن عشر من عادات، وتقاليد، ومآثر إلخ، بل أن لها قيمة تاريخية كذلك ذات أهمية قصوى؛ إذ إنه يشير فيها إلى العديد من القضايا والأحداث التي جرت في تلك الحقبة، كحرب الإسبان مع الإنجليز حول جبل طارق، كما يحدثنا عن العائلات المالكة في إسبانيا بإسهاب، وعن تاريخ كلّ فرد من هذه العائلات، فضلا عن بسط القول عن مهمّته الرئيسية التي حضر من أجلها إلى إسبانيا وهي إطلاق سراح الأسرى المسلمين الذين أمّن عودتهم جميعا إلى مدنهم وقراهم في الجزائر سالمين غانمين. وما استجابة الملك كارلوس الثالث لمطالب ابن عثمان إلاّ الدليل القاطع على حسن التعايش الذي كان سائدا بين المغرب وإسبانيا في ذلك الإبّان، وهذه الوثيقة-المخطوطة-فوق ذلك كله شهادة تاريخية حيّة على حسن معاملة المغاربة لجيرتهم وجيرانهم الأقربين. ********** *كاتب من المغرب عضو الأكاديمية الإسبانية-الأمريكية للآداب والعلوم بوغوطا كولومبيا (**) انظر مقالي المنشور في "هسبريس" الزاهرة بتاريخ 5 غشت 2013 حول هذا الموضوع بعنوان: "أما أن للمغرب المطالبة بمخطوطاته في "الإسكوريال"؟ ومقالي المنشور في "هسبريس" كذلك بعنوان: "إلياس الموصليّ.. أوّل رحّالة عربيّ إلى القارّة الأمريكيّة" بتاريخ 21 مايو 2013