قيّدت مدوّنة الأسرة التعدد إلى درجة صارت معها مسألة زواج الرجل من امرأة ثانية بالغة التعقيد، إلا في حالات استثنائية، لكنْ برزت في الآونة الأخيرة "حيَل" يلجأ إليها الرجال الراغبون في التعدد للتملّص من المقتضيات المنصوص عليها في المدونة. وتنص المادة 40 من مدونة الأسرة على منع التعدد "إذا خيف عدم العدل بين الزوجات، كما يمنع في حالة وجود شرط من الزوجة بعدم التزوج عليها". وتنص المادة التي تليها على أن المحكمة لا تأذن بالتعدد إذا لم يثبت لها المبرر الموضوعي الاستثنائي، وإذا لم تكن لطالبه الموارد الكافية لإعالة الأسرتين، وضمان جميع الحقوق من نفقة وإسكان ومساواة في جميع أوجه الحياة. وأمام هذه القيود التي طوّقت بها مدونة الأسرة تعدد الزوجات، صار هناك توجه جديد يسلكه بعض الأشخاص للتهرب من قيود التعدد، بعد وقف العمل بدعوى ثبوت الزوجية، من خلال تطليق الزوجة الأولى وإبرام زواج جديد، ثم اللجوء إلى المحكمة لطلب إرجاع الزوجة الأولى التي جرى تطليقها. هذا التوجه يعكسه حكم صادر عن قسم قضاء الأسرة في المحكمة الابتدائية بمدينة الدارالبيضاء، استجابت المحكمة بمُوجبه لطلب تقدم به زوج لإرجاع زوجته الأولى، التي فارقها بمقتضى حكم للتطليق بالشقاق، معللا طلبه برغبته في الحفاظ على الأسرة وعلى الأبناء. وجاء في حيثيات الحكم الصادر بتاريخ 26 أكتوبر المنصرم أن المدّعي عرض في المقالين اللذين تقدم بهما إلى المحكمة عبر محاميه بأنه تزوج بسيدة السنة الفارطة، وأنه يرغب في إرجاع طليقته التي له منها ابن، وأن له موارد مالية كافية لإعالة أسرتين ويلتمس الإذن له بالتعدد. وعلل المدعي سبب رغبته في التعدد، خلال جلسة المحاكمة، بأنه يرغب في إرجاع طليقته التي له منها ابن، وأكدت المدّعى عليها (الطليقة) أنها توافق على التعدد دون شروط، مدلية بموافقتها مصحّحة الإمضاء، وهو ما حدا بالمحكمة إلى قبول طلب التعدد الذي تقدم به المدعي. وعلّلت المحكمة قبولها للطلب الذي اعتبرته "مؤسسا قانونيا ويتعين الاستجابة له"، بعدة عناصر، منها رغبة الزوج في إرجاع طليقته التي له منها ابن، وإثباته لوضعه المادي الكافي لإعالة أسرتين وضمان جميع حقوق أفرادها، ومراعاة للمصلحة الفضلى للأبناء التي تقتضي لمَّ شمل الأسرة بأن يعيش الأبوان تحت سقف واحد، وبكون الزوجة لم تشترط على زوجها أي شرط يجب التنصيص عليه في الإذن بالتعدد. مصدر قضائي قال لهسبريس إن مثل هذا النوع من طلبات التعدد بعد تطليق الزوجة الأولى وإعادتها إلى بيت الزوجية بعد الزواج من زوجة ثانية، يعكس توجها جديدا لبعض الأشخاص لتفادي القيود التي قيّدت بها مدونة الأسرة التعدد. وأضاف المصدر ذاته أنّ المبرر الذي يعلل به التعدد عن طريق إرجاع الزوجة الأولى، هو الرغبة في لم شمل الأسرة والأبناء، علما أنّ الزوج، كما هو الحال في القضية الواردة أعلاه، هو الذي طلّق زوجته للشقاق، مضيفا أنه لو كان قد قدم طلب التعدد بدون مبرر الرغبة في لمّ شمل الأسرة والأبناء، لرُفض طلبه، لانعدام المبرر الموضوعي للتعدد ولعدم وجود إمكانيات مالية كافية لإعالة أسرتين. وبلغ عدد طلبات الإذن بالتعدد المقدمة أمام المحاكم الابتدائية خلال سنة 2019 ما مجموعه 4355 طلبا، تمت الاستجابة ل2073 طلبا، ورُفض 2282 طلبا، وفق المعطيات التي قدمها وزير العدل في كلمة بمناسبة الاحتفال باليوم الوطني للمرأة في التاسع من أكتوبر المنصرم.