عن أية جامعة مغربية سنتحدث اليوم! وبأية مقاييس علمية و موضوعية سنفكك التردي الملحوظ و المستوى الهزيل الذي تعرفه جامعاتنا المغربية التي كانت محطة مهمة لتخريج الكفاءات العلمية الحقيقية و الأطر المناضلة صاحبة المشاريع التنويرية التي أنتجت عبر العقود السالفة قيما معرفية و نضالية ذاع صيتها عربيا و دوليا كما ساهمت في تنوير المجتمع المغربي و إرساء لبنات الوعي النقدي. إننا حديثنا اليوم عن الجامعة المغربية أملته مجموعة من المؤشرات السلبية و الملموسة التي أصبحت تخيم على الجامعة المغربية و بالتالي تفرغها من دورها العلمي الحقيقي بل وتجعلها جامعة معطوبة تدور في حالة من العشوائية الأنيقة و تجتر نفسها في بحبوحة من الغباء الباذخ، و من هذا المنطلق و حتى نكون موضوعيين من يذكر لي عدد الأساتذة الجامعيين في وقتنا الراهن الذين بصموا المشهد العلمي الرصين و استطاعوا أن يؤسسوا لأنفسهم مدارس خاصة بهم و بالتالي أن يصبح لهم مريدون و عشاق، وفي المقابل من يستطيع منا أن يتجرأ على تلافي ذكر أساتذتنا الكبار أمثال محمد عزيز الحبابي و محمد جسوس و محمد عابد الجابري و طه عبد الرحمن و غيرهم من الأساتذة و المفكرين الذين اشتغلوا و لازالوا يشتغلون على التفكيك و الحفر في أركيولوجيا الثقافة المغربية و العربية لتنوير العقل العربي و الإسلامي المستقيل الذي استمرأ على اجترار المعرفة و استهلاكها الساذج دون أية لحظات فارقة أو وقفة موضوعية لنقد هذا الموروث الثقافي و نفض الغبار عنه! و أيضا من يستطيع أن يذكر لي حلقة فكرية حقيقية أو مجموعة بحث مشهود لها ترعرعت في فضاء جامعاتنا المغربية و استطاعت أن تصنع لنفسها مجالا للتأثير في صياغة المشهد الثقافي المغربي بل أن تساهم في خلق قيم إبداعية مغربية أصيلة تعبر على ثراء الثقافة المغربية و تنوعها! وعليه إذا كنا قد راهننا ولا نزال نراهن على أساتذة جامعتنا المغربية بأن يكونوا فعلا هم عقلنا المتيقظ في إنتاج قيم المعرفة و الدفاع على المشاريع الثقافية التي تخدم قضايا الشعب وتنور طريقه إلى الإنعتاق من أغلال الاستبداد و الرجعية فإن العكس هو الحاصل بحيث نجد أن بعض الأساتذة الجامعيين و أنا لا أقصد هنا الجميع قد حولوا جهودهم العلمية و المعرفية من إطار البحث و التنقيب المتسم بالإبداع و الخلق إلى أشكال لا تمت بصلة لرسالة التدريس و التعليم النبيلة التي تم اختيارهم لأدائها على أحسن وجه تنويرا للمجتمع و مساهمة فعلية في تحقيق التنمية الفكرية و الثقافية المفقودة، بحيث نجد أن بعض الأطر الجامعية أصبحت تختار الارتماء في فكر المقاولات في البناء و العقارات أو دخول مجال البيع و الشراء في سوق الخردة عوض الانهماك في تأطير الطلبة التأطير اللائق من خلال زرع ثقافة الابداع والخلق في نفوس الطلبة عوض الاجترار و تكريس مقولة بضاعتنا ردت إلينا، و ما أقبحها من صورة أن نرى و نشاهد أساتذة جامعيين يسترزقون من خلال استغلال دروس الدعم و التقوية بالنسبة للطلبة. و إذا كانت هذه هي بعض من الصور المخجلة لبعض الأساتذة الجامعيين وليس كلهم، فماهي صورة الطلبة و بالطبع لاأقصد جميع الطلبة في مشوارهم العلمي في فضاء الجامعات و مدى قدرتهم على الابداع و الخلق في بحوثهم ونقاشاتهم الجامعية! هل يعبر طالب جامعتنا المغربية اليوم عن ذلك الطالب المثقف الذي يدرس لينتج المعرفة ويساهم من خلال بحوثه في كشف قارات الجهل و التخلف أم يدرس ليعيد إنتاج مقولات القدماء و المحدثين بشكل ببغائي كثيرا مايساهم المفكر و المثقف الأول السيد الأنترنيت في إنزالها إنزالا حرفيا لاتعب فيه و لاكلل! و أين نحن من طلابنا القدماء الذين استوعبوا أهمية البحث وجديته فسهروا الليالي الطوال في قراءة المصادر و المراجع القديمة و الحديثة بنهم كبير و برغبة متوقدة بل و السفر من مكتبة إلى أخرى عبر ربوع الوطن على حسابهم الخاص فأنجزوا لنا بحوثا قيمة لها مصداقيتها العلمية من خلال إضافاتهم الرصينة التي أضافت الكثير إلى حقل البحث الأكاديمي كما استغرقت فترة البحث وقتا طويلا استمر إلى عقد أو ربما إلى عقدين من الزمن وليس الوقت التي أصبحت تتطلبه الدراسات العليا الحالية و التي لا تتعدى بضع سنوات يتيمة! إننا نطرح هذه الأسئلة و غيرها من الأسئلة لنعيد من خلالها قراءة ما أصبحت تعرفه جامعاتنا المغربية من تخلف و تدهور ملحوظين فيما يخص مساهمتها في إنتاج النخب المثقفة القادرة على التأثير في صياغة مغرب ثقافي حقيقي وليس إنتاج نخب مفرغة من مضامينها تدور في فلك تخصصها البئيس دونما قدرة على التأثير أو التأثر.... [email protected]