من أخطر أنواع الخداع والتدليس في السياسة سعي بعض الدول إلى خلق انطباع عام عنها يخالف حقيقتها،وذلك عبر اتخاذ مواقف ونهج سياسات لا يتعدى مفعولها الجلبة الإعلامية،ولنقرب الأمور أكثر بهذا المثال:إذا اقتحم السارق عليك دارك،ونهب متاعك،ونكل بأهلك،فإن رد عدوانه وطرده من البيت واسترجاع المسروقات هو من أولى الأولويات،ولكن إن ذهبت تبحث عمن يقوم بتلك المهام بالنيابة عنك،أو اكتفيت في مجالسك ومنتدياتك بالتنديد المتكرر بالسارق،فإنك لم تفعل شيئا،وهذا تماما ما فعله ويفعله النظام السوري الذي كان يندد "بقوة" بالسرقات التي طالت جيرانه "الفلسطينيين" و"اللبنانيين" ويغض الطرف عن تلك التي طالته هو، فعبر مخطط ماكر استطاع أن "يقنع" البعض" بأنه يمثل نظام ممانعة ومقاومة،كما كان القذافي يغطي على التفاهمات السرية مع الغرب بخطابات تلعن أمريكا وفرنسا والأنجليز والإيطاليين والرجعيين والأمبرياليين،فهل كل من لعن الغرب وشتمه يعد مقاوما وممانعا. ولا أنفع من استحضار التاريخ في تبيان حقيقة "مقاومة" النظام السوري،وذلك يقتضي رسم أمور: أولا: على صعيد المقاومة المتصلة بالاعتداء على أرضه ثانيا:على صعيد المقاومة المتصلة بالاعتداء على إخوة العروبة - ما دام يرفع شعار القومية- ثالثا:على صعيد المقاومة المتصلة برص الصف الداخلي 1.نعرف جيدا بأن أمريكا وأوروبا ودول العشائر ليست صادقة في تأييدها لثورة الشعب السوري فلكل حساباته الخاصة، لأن الدولة التي يتبول جنودها على ضحاياهم،وأبادت الملايين من الهنود الحمر،وزجت بمئات الأبرياء في السجون بتهم"الإرهاب"،وتحمي الكيان الغاصب بالمئات من قرارات الفيتو وتجعله بمنأى عن أية محاسبة، ليست مؤهلة بتاتا لإعطاء دروس في الديمقراطية لأحد،ولا أشك أنها تستعجل في قرارة نفسها النظام السوري لكي يجهز بسرعة على الثورة حتى تتحرر من "الحرج الأخلاقي" أولا،وثانيا ليقينها بأن أفضل نظام حمى الحدود الإسرائيلية هو النظام السوري الحالي الذي لم يطلق رصاصة واحدة لتحرير الجولان المحتل منذ عام 1967،ومن ذلك الوقت و"إسرائيل"تبني المستعمرات وتطرد السكان وتوطن الصهاينة،وبعد قرار ضم الجولان عام 1981 اندلعت المقاومة الشعبية واستشهد أكثر من 600 مقاتل سوري ،أما النظام فبدل أن يسند المقاومة الشعبية واجه قرار ضم الجولان بمقاومة من نوع آخر:ارتكاب مجازر ومذابح في حق الشعب السوري: - بعد مرور اثني عشر يوما على الإضراب العام الذي نظمه أهل الجولان احتجاجا على قرار الضم ودام خمسة أشهر شرع النظام السوري في تنفيذ مجزرة حماة التي راح ضحيتها أكثر من 30 ألف قتيل. - مجزرة جبل الزاوية في 13- 15/5/1980 - مجزرة سرمدا في 25/7/1980 - مجزرة سوق الأحد بحلب في 13/7/1980 - مجزرة ساحة العباسيين بدمشق في 18/8/1980 بالإضافة على القيام بتصفيات جماعية للمعارضين في السجون (مجزرة سجن تدمر:500 قتيل)،ولم يترك وزير الخارجية وليد المعلم أي مجال للتفاؤل ببروز مقاومة لتحرير الجولان عندما قال :" من يطالبون بفتح جبهة الجولان مع إسرائيل يريدون تنفيذ مخطط ضرب سوري "،إذا فالأمر سيان :التفكير بتحرير الجولان سعي لضرب سوريا،وتأييد ثورة الشعب السوري سعي لضرب سوريا أيضا. وظل النظام السوري يحتفظ إلى يوم العرض "بحق الرد" على الاعتداءات الإسرائيلية على أرضه وسمائه، - ففي عام 2004 قصف الطيران الإسرائيلي منطقة عين الصاحب القريبة من دمشق، ولم تعلم أجهزة رصد النظام واستطلاعه بالقصف إلا بعد أن بُلِّغ به من طرف السكان،وهي الأجهزة نفسها التي تحصي الأنفاس على المواطنين السوريين وتطاردهم في الشوارع. - وفي عام 2006 قبل أسابيع من حرب "حزب الله" مع "إسرائيل" حلق الطيران الإسرائيلي فوق القصر الجمهوري في اللاذقية أثناء تناول الرئيس بشار طعام الفطور، وعاد الطيران الإسرائيلي إلى قواعده سالما دون إطلاق قذيفة واحدة ضده،ولكن ما إن بلغ إلى علمه خبر كتابة أطفال "درعا" لشعارات معارضة لنظامه حتى عمدت أجهزته الأمنية إلى قلع أظافر أولئك الأطفال. - إن علاقة النظام السوري بالمقاومة لا تتعدى التوظيف السياسي والكلامي،والتفاخر بمقاومة الآخرين،واتخاذها ورقة للمساومة،سواء تعلق الأمر بمقاومة حركة "حماس" في فلسطين أو مقاومة "حزب الله" في لبنان،والكل يعرف أن السبب الرئيسي للتدخل السوري في لبنان عام 1976 كان هو ضرب المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية،وهو هدف التقى موضوعيا بالهدف الإسرائيلي والأمريكي،لذلك لما تيقنت "إسرائيل" من هدف النظام السوري من التدخل في لبنان تخلت عن اعتراضها عليه،فبتاريخ 8/1/1976 صرح وزير الدفاع الصهيوني شمعون بيريز لصحيفة معاريف بأن إسرائيل لن تقبل بأي تدخل سوري في لبنان وسترد ردا حازما،وبعد تدخل الولاياتالمتحدةالأمريكية صرح نفس الوزير لوكالات الأنباء في 2/6/1976 قائلا:"التدخل السوري موجه ضد ياسر عرفات وحلفائه، والقوات السورية دخلت الشمال والوسط وليس الجنوب"،كما صرح موشيه دايان لوكالة الصحافة الفرنسية بتاريخ 5/6/ 1976 فقال"إن على إسرائيل أن تظل في موقف المراقب حتى لو غزت القوات السورية بيروت واخترقت الخط الأحمر،لأن غزو القوات السورية للبنان، ليس عملاً موجهًا ضد أمن إسرائيل"،وصرح رابين لإذاعة كيانه:"إن إسرائيل لا تجد سببًا يدعوها لمنع الجيش السوري من التوغل في لبنان. فهذا الجيش يهاجم الفلسطينيين، وتدخلنا عندئذٍ سيكون بمثابة تقديم المساعدة للفلسطينيين، ويجب علينا ألا نزعج القوات السورية أثناء قتلها للفلسطينيين فهي تقوم بمهمة لا تخفى نتائجها الحسنة بالنسبة لنا". 2.أما لبنان فقد عمق التدخل السوري الفرقة والصراع بين مكوناته وطوائفه،ومدد من عمر الحرب الأهلية ولم يوقفها كما كان يدعي،وأسهم في إخراج المقاومة من لبنان بعد حصار بيروت الذي دام ثلاثة أشهر،وقبل ذلك ساعد النظام السوري على ارتكاب مجزرة تل الزعتر في حق الفلسطينيين عام 1976،ودك مدينة طرابلس على أهلها. 3.وعلى الصعيد الداخلي رهن النظام الطائفة العلوية لخياراته الاستبدادية،ولفساده المالي،فأسهم في إضعاف التماسك الداخلي ولو فكر في خوض حرب مع أي طرف أجنبي ستكون الهزيمة في انتظاره،لأنه دخل الحرب بدون شعبه. لقد كان السيد المسيح عليه السلام يقول:من ثمارهم تعرفونهم،إن أي إنسان لم يعرف سياسة النظام السوري سابقا بوسعه الآن وهو يشاهد وحشيته أن يعرف أي نوع من السياسة يتبع، فلاشيء إطلاقا يبرر استخدام النظام السوري للدبابات والمدفعية وقذائف الهاون في مناطق مكتظة بالسكان المدنيين،وقطع الماء والكهرباء والغاز والاتصالات عنهم،ومنع إسعاف الجرحى،ودفن الموتى،لا المقاومة تبرر ذلك ولا الممانعة ولا العروبة ولا القومية ولا الإسلام ولا الإنسانية،ولو تعرض المغتصبون الصهاينة لمثل ذلك – ابتداء لا على سبيل المعاملة بالمثل- لوجب الإنكار،ومما جعل النظام السوري يفلح في تعميم خدعة"المقاومة والممانعة" نجاحه في اصطناع "ناطقين رسميين" باسم شبيحته في كل البلدان ومنها المغرب،ولا نريد أن يخدع بعثيو سوريا بعض القوميين كما خدع صدام البعثي بعض الإسلاميين لمَّا أقحم اسم فلسطين في نزواته التوسعية حينها "خفقت قلوب المسلمين خفقات، ومنها قلوب بعض الإسلاميين السريعين إلى قبول توبة التائب الفرعوني كما يقبلون توبة مقترف المعصية الفردية،ونسي المسلمون والإسلاميون ماعليه انبنت وتنبني القومية،تنبني القومية البعثية العشائرية، التكريتية منها النصيرية" . وبلغة الشعر استطاع أحمد مطر أن يبرز تهافت أطروحة ممانعة النظام السوري فقال وهو يعني بشار: مقاوم بالثرثرة..ممانع بالثرثرة له لسانُ مُدَّعٍ.. يصولُ في شوارعِ الشَّامِ كسيفِ عنترة يكادُ يلتَّفُ على الجولانِ والقنيطرة مقاومٌ ... لم يرفعِ السِّلاحَ لمْ يرسل إلى جولانهِ دبابةً أو طائرةْ لم يطلقِ النّار على العدوِ لكنْ حينما تكلَّمَ الشّعبُ صحا من نومهِ و صاحَ في رجالهِ.. مؤامرة ! مؤامرة ! و أعلنَ الحربَ على الشَّعبِ و كانَ ردُّهُ على الكلامِ.. مَجزرةْ مقاومٌ يفهمُ في الطبِّ كما يفهمُ في السّياسةْ استقال مِن عيادةِ العيونِ كي يعملَ في ” عيادةِ الرئاسة ” فشرَّحَ الشّعبَ.. و باعَ لحمهُ وعظمهُ و قدَّمَ اعتذارهُ لشعبهِ ببالغِ الكياسةْ عذراً لكمْ.. يا أيَّها الشَّعبُ الذي جعلتُ من عظامهِ مداسا عذراً لكم.. يا أيَّها الشَّعبُ الذي سرقتهُ في نوبةِ الحراسةْ عذراً لكم.. يا أيَّها الشَّعبُ الذي طعنتهُ في ظهرهِ في نوبةِ الحراسةْ عذراً.. فإنْ كنتُ أنا ” الدكتورَ ” في الدِّراسةْ فإنني القصَّابُ و السَّفاحُ.. و القاتلُ بالوراثةْ ! دكتورنا ” الفهمانْ ” يستعملُ السّاطورَ في جراحةِ اللسانْ مَنْ قالَ : ” لا ” مِنْ شعبهِ في غفلةٍ عنْ أعينِ الزَّمانْ يرحمهُ الرحمنْ بلادهُ سجنٌ.. و كلُّ شعبهِ إما سجينٌ عندهُ أو أنَّهُ سجَّانْ بلادهُ مقبرةٌ.. أشجارها لا تلبسُ الأخضرَ لكنْ تلبسُ السَّوادَ و الأكفانْ حزناً على الإنسانْ أحاكمٌ لدولةٍ.. مَنْ يطلقُ النَّارَ على الشَّعبِ الذي يحكمهُ أمْ أنَّهُ قرصانْ ؟ لا تبكِ يا سوريّةْ لا تعلني الحداد فوقَ جسدِ الضحيَّة لا تلثمي الجرحَ و لا تنتزعي الشّظيّةْ القطرةُ الأولى مِنَ الدَّمِ الذي نزفتهِ ستحسمُ القضيّةْ