محاولةً استدراك "واقع العطش" القادم، سارعت السلطات المحلية بجهة سوس ماسة إلى اتخاذ حزمة من الإجراءات، وعقد اجتماعات طارئة تحاول فك شيفرة المستقبل المبهم، وتخفف من وطأة الانتقادات الكبيرة التي تطال المسؤولين والمنتخبين. وأمام الرهان المُلقى على محطة تحلية مياه البحر المتواجدة باشتوكة، شكل الحريق الذي شب بها ليلة الأحد صدمة كبيرة للسكان، الذين منوا النفس بكونها الملاذ الأخير للجهة للانعتاق من العطش الذي يحاصر البوادي، وانقطاعات المياه التي تؤرق المدن. وتدهورت حقينة سدود الجهة بشكل كبير جدا، (مولاي عبد الله-يوسف بن تاشفين-أولوز)، ما جعل الحواضر والبوادي المحيطة بهذه السدود تشهد إجراءات إدارية وصلت مدى وقف تمديد مدينة أكادير بالماء فوق الساعة العاشرة ليلا، في قرار أثار سخطا عارما. ويراهن المسؤولون الجهويون على تحويل حوالي 100 ألف هكتار من السقي الانجذابي إلى السقي الموضعي، واقتناء محطات رصدية من أجل إشعار الفلاحين برسائل نصية قصيرة حول وقت وكمية الماء الضرورية لسقي الحوامض (30 محطة). وخصصت الجهة ما يقرب من 200 مليون درهم لتزويد العالم القروي بالماء الصالح للشرب في إطار برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية، فضلا عن اتفاقية شراكة متعلقة بإنجاز السدود التلية في إطار البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب. محمد سعيد قروق، أستاذ علم المناخ بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، قال إن المشكل الأصلي لا يتعلق بالأمطار، مبرزا أن نسبة التساقطات لا تتجاوز 250 ملمترا بسوس خلال السنة، ف"المشكل أكبر بكثير من مسألة الجفاف". وأوضح قروق، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "المشكل في الجهة يعود إلى ثمانينات القرن الماضي، بعد أن اعتمدت الدولة على ممارسة نشاط فلاحي في مجال مشمس ولا يتضمن المياه بوفرة، مراهنة على البحث عنها لاحقا". وأضاف الأستاذ الجامعي أن "الدولة بعدها استنزفت الفرشة المائية وعطشت البوادي المجاورة لفائدة الفلاحة، والآن هناك شكاوى كثيرة من الهجرة القروية، في حين إن حقيقة ما جرى هو تهجير، فالناس كانوا مستقرين إلى أن نزعت منهم المياه". وأردف قروق ضمن التصريح ذاته بأن "الدولة قامت بمجهودات جبارة لتوفير الماء، وذلك في إطار مقاربة التصدير والعائدات المالية"، مسجلا أنه في سنة 2006 ستنتعش سوس عقب التحول المناخي الذي جرى في المغرب كاملا. لكن المتحدث استدرك بأن "هذا الانتعاش سيدفع الفلاحة بالجهة نحو مزيد من الاستهلاك والتطوير، ووصلت حاجيات الفلاحة إلى تسعين في المائة مقابل عشرة في المائة توزع على باقي القطاعات الصناعية والاستعمالات اليومية والسياحية". ومنذ سنتين، يورد الخبير المناخي ذاته، "توقفت التساقطات وطنيا، لكن من البديهي أن تتضرر الجهات ذات نسبة الأمطار القليلة، وبالتالي سوس ستكون أولى دقات الخطر"، مؤكدا أن "ما يجري هناك يعني جميع الجهات، ووجب الانتباه إلى الأمر". وأكمل المتحدث قائلا: "المسؤولون الآن يتفرجون في سوس، والسدود وصلت مستويات سيئة"، مؤكدا أن الأمر يتعلق بسوء تدبير، موردا أن "المشتغلين في الفلاحة بسوس يطالبون بدعم من الدولة، في حين إنهم سبب ما يجري واستفادوا على امتداد سنوات".