عند تتبع الاخبار الواردة من جميع المدن التي احتضنت مسيرات 19 فبراير 2012 المخلدة لذكرى انطلاق الحراك الشبابي في صيغته المغربية، يمكن ان يسجل الجميع و من الوهلة الاولى غياب العدد الهائل من المواطنين الذين خرجوا في مسيرة 20 فبراير 2011 بجل المدن المغربية، و التي تميزت بتوافد أمواج بشرية هائلة للشارع مستجيبة للنداء الشبابي الذي دعا المغاربة قاطبة للتظاهر في ذاك اليوم، الذي احتضن تنوع بشري و فئوي لم يشهده المغرب منذ عشرات السنين، تنوع بشري كان شاهدا على نزول لأسر مغربية كاملة، و بتنوع ثقافي و اجتماعي أعاد في ذلك اليوم "الطبقة الوسطى" للوجود و أخرجها من "عزلتها" و ربطها مجددا بمطالب سياسية و مؤسساتية، و اجتماعية.......و بالشارع. بعد مرور سنة، و في مسيرة 19 فبراير 2012، كانت مختلفة تماما عن سابقتها، وجه اختلافها كان بارزا من خلال حجم المشاركة و نوعية الحضور الذي كان شبابيا خالصا، ينتمي اغلبهم لفئة التلاميذ/الطلاب و المعطلين......حولها من حركة جماهيرية حقيقية محتضنة و جامعة لكل فئات المجتمع عمريا، اجتماعيا...الى شبة حركة شبابية مطلبية، احتجاجية مع تغير مهم هو استبدال تواجد "العدل و الاحسان" الذين اختاروا الطلاق مع الحركة، و تأسيسهم لما سموه حركة "شباب التغيير"، بالتيار السلفي، و مطلبهم الاساسي غير مرتبط بالمطالب التأسيسية للحركة ، و شعارها "حرية، كرامة، عدالة اجتماعية" بل شعارهم المركزي الذي كان لافتا و الذي برز سواء من خلال نوعية الشعارات التي رفعوها، و كذا من خلال نوعية اللافتات التي كانت مرفوعة من قبلهم المتحورة حول مطلب واحد و وحيد "اطلاق سراح باقي معتقلي السلفية"، كما انها كانت مختلفة من حيث تعامل الاجهزة الامنية مع مسيرة 19 فبراير. لابد اليوم، ان يتم اقرار بهذا التراجع الكمي، النوعي و كذا الفئوي.....، و هو تراجع و لا شك أثر على زخم الحركة و على فعلها و سيؤثر عليها سلبا مستقبلا، بل ستكون نهايتها كنهاية باقي الحركات الاحتجاجية الاجتماعية التي عرفها المغرب تاريخيا، و في أحسن الاحوال قد تتحول لحركة شبابية "ضاغطة" غير مؤثرة في المسلسل الديموقراطي ببلادنا، و هذا أخطر تراجع قد نشهده لأنه بذلك ستكون "السلطة المضادة" للشارع التي اعتبرت الحركة قد لعبت هذا الدور طيلة التغييرات التي عرفها المغرب دستوريا، و مؤسساتيا نهاية بانتخابات 25 نونبر، قد انتهت.....خصوصا و ان المغرب مازال في حاجة لتواجد مثل هذه السلطة لأنه مازال في أول الطريق من حيث دمقرطة المؤسسات ذات الارتباط بتنزيل الدستور، الذي سيعرف تجاذب بين رؤيتين أولى ستقودها القوى "اليمينة" و أخرى ديموقراطية ستقودها القوى "الديموقراطية". ان مرور هذه الذكرى دون ان تطرح اسئلة حول مدى استمرارية الحركة كقوة "جماهيرية" فاعلة في الشارع، مؤثرة، ضاغطة، محتضنة لكافة شرائح المجتمع، و فئاته هو نوع من التجني على الحركة، و سوء تقدير سينهي مع ما تبقى من "وهجها" و من استمراريتها، كان لابد اليوم و الحركة تخلد ذكرى مرور هذه السنة أن تطرح اسئلة حقيقية حول طبيعة الحركة؟ و حول ضرورة العودة للحظة التأسيسية لها، من ثم اعادة فتح نقاش بين مختلف مكوناتها حول الارضية التأسيسية و المطالب التي تحتويها. شخصيا، لا أتصور أن يستمر تعامل الحركة مع الاحداث التي جرت في المغرب من مراجعة للدستور، و انتخابات سابقة لأوانها التي قدت العدالة و التنمية لرئاسة الحكومة المنبثقة عنها....و الى باقي المتغيرات الايجابية التي شهدها المغرب مؤسساتيا جزء منها اعتبر تفهما لمطالب الشارع و الحركة، و كأن المغرب ظل جامدا لم يتحرك، و لم يتغير، و ان الملك لم يستجب لبعض المطالب الدستورية و السياسية التي رفعتها الحركة، ان تجاهل الحركة لمثل هذه المتغيرات التي عرفها المغرب و استمرارها بنفس نوعية الشعارات و المطالب التي رفعتها يوم 20 فبراير 2011 هو نوع من عدم قراءة الواقع المغربي بعين واقعية، و نافذة لعمق المتغيرات السياسية و المؤسساتية التي يعيشها المغرب و التي دشنتها انتخابات 25 نونبر 2011. للحركة و قياداتها الشابة جاءت اللحظة لإعادة طرح نقاش هو أشبه بالنقاش التأسيسي الذي شهدته و الذي أفرز الارضية التأسيسية للحركة التي انطلقت منها، و شكلت الوثيقة المنهجية التي انطلق منها حراك 20 فبراير، يجب اليوم اعادة فتح نقاش حول الشعارات المرفوعة و تحيينها، و تجديد ما يستحق التجديد ليواكب المتغيرات التي عرفها المغرب و لتطور المجتمع و ليعيدها لرحمه و قلبه.