لماذا رفض الإعلاميون المغاربة المشروع الأمريكي لدعم الصحافة المستقلة؟ ولماذا لم يفتح نقاش حقيقي وجاد حول هذا الموضوع في أفق الاستفادة من الجوانب الإيجابية لفائدة الإعلاميين المغاربة؟ وما هي الخلفيات التي تتحكم في البرنامج الأمريكي؟ وهل الموقف السياسي والحقوقي من الأمريكان هو سبب هذا الرفض؟ وأسئلة أخرى سنحاول ملامستها في الورقة التالية: لا زالت المبادرة الأمريكية لتقديم دعم مادي للصحافة المستقلة بالمغرب تطرح الكثير من الإستفهامات داخل الساحة الوطنية خاصة بعد إعلان النقابة الوطنية للصحافة وكذا الحكومة عن رفضهما القاطع للمبادرة المذكورة. "" وتدخل هذه الخطوة التي أطلقتها وزارة الخارجية الأمريكية في إطار "مبادرة الشرق الأوسط الكبير" لنشر الديمقراطية والحرية وفق منظورها الخاص. وقد كثفت مصالح السفارة الأمريكية من اتصالاتها مع النقابة الوطنية للصحافة المغربية وبعض المنشآت الإعلامية قصد الاستفادة من البرنامج المذكور الذي تقدر قيمته المالية بملايين الدولارات.. ويستهدف هذا البرنامج المنابر الحرة التي لها تأثير وقادرة على نشر الديمقراطية محليا. وجدير بالتذكير في هذا الباب أن المصالح الأمريكية شرعت منذ سنوات في ربط علاقات مع بعض الصحف لحثها على تنظيم ندوات ولقاءات وموائد مستديرة يشرف عليها خبراء أمريكيون للاستفادة من التجربة الأمريكية المتطورة في هذا المجال. * الرفض: ينطلق رفض العديد من الإعلاميين المغاربة للمشروع الأمريكي من مبررات متعددة يمكن تلخيصها في: أولها أن قانون الصحافة ( المادة 20) يحظر على وسائل الإعلام الوطنية قبول دعم أجنبي مباشر أو غير مباشر؛ ثانيها أن هذا المشروع يهدف إلى التغطية على سياستها في الشرق الأوسط وخاصة العراق؛ ثالثها أن هذا الرفض نابع من سياق المشروع الإصلاحي الأمريكي الذي يسعى "البيت الأبيض" من وراء فرضه على دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط قصد إحكام قبضته على بلدان المنطقة؛ رابعها أن صورة الولاياتالمتحدةالأمريكية في عيون رجال الصحافة المغربية سوداء نظرا لسياستها المعادية لحقوق الإنسان. ومن هذا المنطلق جاء رفض النقابة الوطنية للصحافة وكذا الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، فضلا عن وزارة الاتصال والعديد من الإعلاميين المغاربة الذين شددوا على الجانب القانوني الذي يجعل مثل هذه المبادرة مرفوضة في المغرب. وقد أهابت النقابة المذكورة بكل الصحف الوطنية والجهوية بعدم التعامل مع هذه المبادرة ومقاطعة كل الأنشطة التي تدعو إليها السفارة الأمريكية في هذا الاتجاه. * المعلن: تسعى المبادرة الأمريكية إلى تقديم الدعم للصحافة الحرة ضمن برنامج شمولي يستهدف دعم الديمقراطية في ما يطلق عليه بمشروع "الشرق الأوسط الكبير". ويبرر المسؤولون الأمريكيون هذه الخطوة بكون الصحافة الحرة محتاجة إلى الدعم المالي لنشر الديمقراطية. ويشتمل المشروع الأمريكي الذي يستهدف مجموعة من الدول (مصر، الأردن، لبنان..)على ربط علاقات مع القوى السياسية المؤثرة في قرارات بلدانها وخاصة القوى الإسلامية المعتدلة، التي تتوفر على قاعدة شعبية من أجل محاصرة وضرب القوى الإسلامية المتطرفة المعادية للمصالح الغربيةوالأمريكية على وجه التحديد. وتستفيد القوى السياسية من تكوين أطرها والقيام بزيارات إلى المؤسسات والمنظمات الأمريكية قصد التعرف على صناعة القرار السياسي والاستفادة من التكنولوجيا المتطورة وكذا الانفتاح على ثقافة المجتمع الأمريكي... وتهدف الولاياتالمتحدةالأمريكية من وراء هذه الاستراتيجية تطبيع علاقاتها مع الفاعلين السياسيين والمدنيين الذي لهم تأثير قوي داخل بلدانهم في أفق تغيير صورتها التي ساهمت سياستها الخارجية في جعلها مرفوضة من طرف الشعوب العالمثالثية. بمعنى أنها تسعى إلى خلق شبكة علاقات مع بعض رجال الإعلام في أفق خلق تيار داخل الرأي العام مساند للأمريكان. * السؤال: من المؤكد أن الصحافة المستقلة تقوم بدور كبير في عملية تنشيط اللعبة الديمقراطية، لدرجة أن بعض الصحف أضحت، اليوم، تقوم بدور المعارضة للحكومة، فهي التي نجدها تتبع وترصد سياسة الحكومة، كما أنها هي التي تفتح الملفات الحساسة والشائكة، ونجدها أيضا هي التي تحتضن النقاش السياسي من خلال فتح صفحاتها لبعض التيارات السياسية... ومن هذا المنطلق نعتقد أن رفض العرض الأمريكي من أجل الرفض غير مقبول، إذ كان المنطق يستوجب أن يعرض هذا الموضوع للنقاش الواسع بعيدا عن الخلفيات السياسية التي تحكم كل المبادرات الأمريكية والبحث عن الجوانب التي يمكن للصحافة المستقلة أن تستفيد منها خاصة وأنها مدعوة في إطار تحرير السوق الإعلامية إلى مأسسة وتحديث مقاولاتها وتطوير آليات اشتغالها وتنمية قدراتها البشرية... أكثر من ذلك أن منظمات المجتمع المدني ببلادنا تستفيد من إمكانيات مادية هائلة بسبب الدعم التي تحصل عليه في إطار شراكاتها مع منظمات دولية في أوربا والولاياتالمتحدةالأمريكية، كما أن الدولة تستفيد هي الأخرى من مساعدات من طرف بعض القوى الغربية وخصوصا الأمريكان لدعم سياستها في مجالات عسكرية وأمنية..، مما يجعل موقف الرفض المسبق والهجوم العنيف على الولاياتالمتحدةالأمريكية يطرح أكثر من سؤال.