في محطة الميترو "بنتاغون سيتي" في مدينة أرلينغتون المحاذية للعاصمة واشنطن يجتمع العشرات من الشباب يرتدون قمصانا كتبت عليها عبارة "حياة السود مهمة"، مع شعارات أخرى تنهل من قاموس العدالة والمساواة الاجتماعية. وجهة هؤلاء الشباب صباح الجمعة هي النصب التذكاري للرئيس الراحل أبراهام لينكون في العاصمة، حيث يجتمع آلاف المتظاهرين إحياء للذكرى السابعة والخمسين لخطاب "لدي حلم" لزعيم حركة الحقوق المدنية مارتن لوثر كينغ، وهو من الخطابات التاريخية التي سلطت الضوء على معركة السود من أجل المساواة في الولاياتالمتحدة قبل إصدار قانون إلغاء التفرقة على أساس العرق ستينيات القرن الماضي. في الطريق نحو واشنطن، لا يبدو "الميترو" ممتلئا عن آخره كما هو الحال خلال الأيام التي تشهد فيها العاصمة مسيرات مليونية، لكن وضع النقل العمومي في الولاياتالمتحدة أضحى يختلف كثيرا عما كان قبل زمن جائحة كورونا. مشاركة واسعة وفي وقت قدرت شبكة العمل الوطنية، التي دعت لهذه المظاهرة، أن أعداد المشاركين ستكون في حدود 50 ألف مشارك، تجاوزت أعداد المتوافدين على النصب التذكاري للمشاركة فيها هذا العدد بكثير. وعرفت هذه التظاهرة مشاركة القس ريف أل شاربتون، إلى جانب نجل مارتن لوثر كينغ، بالإضافة إلى عائلات عدد من المواطنين السود الذين قتلوا أو أصيبوا بجروح بالغة بسبب تدخلات للشرطة، بمن في ذلك عائلات جورج فلويد وبريانا تايلور وجاكوب بليك. كما تحدث خلال هذه التظاهرة ثلاثة من أعضاء مجلس النواب، ينتمون جميعهم إلى الحزب الديمقراطي، وهم أيانا بريسلي من ولاية ماساتشوستس، والنائب عن نيويورك، أدريانو إسبيلات، بالإضافة إلى النائبة شيليا جاكسون عن تكساس. ودعت شيليا إلى التصويت بكثافة خلال انتخابات نوفمبر المقبل، موردة: "نحتاج إلى رئيس يمكن أن يلعب دور الطبيب المعالج. نريد القضاء على الانقسام الذي تعيشه الولاياتالمتحدة، ووضع حد لتخويف الصحافة..نحتاج إلى رئيس في البيت الأبيض، يتفهم آلام الأمهات السود". تحديات أمريكا بعيون كينغ وفي كلمة اتخذت صبغة عاطفية، تحدث نجل أيقونة حركة الحقوق المدنية، مارتن لوثر كينغ الثالث، عن أبرز التحديات التي تواجه الولاياتالمتحدة، وأجملها في أربعة تحديات رئيسية. أول تحد هو استمرار جائحة كورونا، إذ قال كينغ في هذا السياق: "كوفيد 19 أودى بحياة أكثر من 175 ألف أمريكي بشكل مأساوي"، معتبرا أن الأقليات هي الأكثر تضررا من هذا الوباء. أما التحدي الثاني، يضيف المتحدث، فيتمثل في البطالة، موردا: "أكثر من 30 مليون أمريكي عاطلون مرة أخرى..فهذا الوباء كشف عن أوجه عدم المساواة في الاقتصاد، إذ أضحى عدد كبير من الناس مكبلين بالديون والفقر". وتعتبر "وحشية الشرطة والعنف المسلح" التحدي الثالث الذي يواجه البلاد، حسب كينغ، الذي أوضح أن "مسيرة اليوم تضم عائلات الذين قتلوا على أيدي الشرطة"، وأشار إلى أسماء جورج فلويد وبريانا تايلور وغيرهما. أما التحدي الأخير، يختم نجل مارثن لوثر كينغ، فيتمثل في حقوق التصويت، ودعا الحاضرين إلى التمسك بها بقوله: "يجب أن ندافع بقوة عن حقنا في التصويت لأن دماء كثيرة أهدرت في سبيل ممارسة هذا الحق الدستوري، وحياتنا وحريتنا مرهونة بهذه العملية". عائلات تطلب إنهاء الظلم طالب أفراد من عائلات أمريكيين رحلوا على يد الشرطة بالإنصاف ووضع حد لما أسموه "عنصرية نظامية" في الولاياتالمتحدة، وإصلاح أجهزة الشرطة. وفي هذا السياق، حثت شقيقة جورج فلويد، بريدجيت فلويد، الأمريكيين على العمل على إحداث التغييرات اللازمة لوضع حد لما وصفته ب"الظلم الاجتماعي في الولاياتالمتحدة". وخاطبت المتحدثة المحتجين بالقول: "أريدكم أن تسألوا أنفسهم الآن كيف ستتذكركم كتب التاريخ؟ ما هو إرثكم، هل تتذكركم الأجيال القادمة بسبب تهاونكم وعدم تحرككم؟ أم أنها ستتذكركم بشغفكم لاستئصال الظلم والشر في هذا العالم؟". أما أب جاكوب بليك، الذي تعرض لإطلاق النار من قبل الشرطة الأسبوع الماضي في مدينة كينوشا بولاية ويسكونسن، فقال هو الآخر إن "الحضور في هذه المظاهرة واجب"، مستدركا: "لكننا سنقف، وكل شخص أسود في الولاياتالمتحدة سيقف، فنحن متعبون". تاميكا بالمر، والدة الراحلة برايانا تايلور، شددت هي الأخرى على ضرورة المشاركة في الانتخابات المقبلة، وقالت: "كل ما نحتاجه الآن هو التغيير، ونحن في مرحلة يمكننا فيها إحداث هذا التغيير، لكننا يجب أن نقف معا ونقوم بالتصويت"، موجهة الشكر إلى كل الذين تضامنوا مع قضية برايانا. وبعد انتهاء كلمات المشاركين في هذه المظاهرة، جاب عدد من المحتجين شوارع العاصمة واشنطن، رافعين شعارات تطالب بوضع حد للتمييز على أساس العرق، وبالعدالة الاجتماعية وإصلاح أجهزة الشرطة.