شاعر وناقد تشكيلي إسباني كناري من أصل عربي، ولد عام 1978 بمدينة لاس بالماس بجزر الكناري، من أبٍ لبناني وأُمٍّ كنارية. مُجاز في الفلسفة والآداب من جامعة لالاغونا بجزيرة تينيريفي، وحاصل على الماستر في الفنون الجميلة من جامعة قشتالة لامانتشا. استقرّ بالمكسيك منذ أربع سنوات وحصل مؤخّراً على الجنسية المكسيكية. يعمل أستاذاً في معهد الفنون العصرية بمدينة دورانغو المكسيكية، وهو يُعَدُّ من الشعراء الكناريين الشباب الذين طالما قاموا بتنشيط الحياة الثقافية بجزر الكناري عبر مجموعة من المشاريع والمهرجانات والملتقيات الأدبية. صدرت له عدة دواوين شعرية، منها: "آخرُ بطاقةٍ بريديّةٍ من جزر الكناري (2006)؛ "قصيدةُ المدينةِ السياحيّةِ الشاملةُ" (2007)؛ "الجبلُ يحترق، كتابٌ ضدّ النار، (2008)؛ "موزٌ مُثلَّج (2010)؛ "مَجرَّةُ ويستيردال" (2014)؛ "جغرافياتٌ مُحيطة" (2017) و"حديقةٌ يابسة" (2019). فاز بالعديد من الجوائز الأدبية عن أغلب أعماله تقريباً، كانت آخرها جائزة أنطونيو ماتشادو الدولية للشعر عن ديوانه "رسالةُ كامبريدج" مطلع هذا العام، وهي جائزة تمنحها مؤسسة "أنطونيو ماتشادو" بمدينة كوليور جنوبفرنسا، حيث مات ودُفن الشاعر الإسباني الكبير أنطونيو ماتشادو. إنه الشاعر سمير يوسف عبد الله ديلغادو، المعروف اختصاراً باسم سمير ديلغادو، الذي خصّ موقع هسبريس حصريّاً بالحوار التالي: أنت من أُمٍّ كنارية وأبٍ لبناني هاجر إلى جزر الكناري، هل يمكن أن تُحدثنا عن ذلك قليلاً؟ وما مدى تأثير أصولك العربية عليك من الناحية الوجدانية؟ كانت جزر الكناري منذ قرون فضاءً لعبور العديد من أجيال المهاجرين، الذين وجدوا في الأرخبيل مكاناً مثالياً لتحسين ظروف حياتهم. وبالنسبة إليّ، فوالدي كان قد هاجر بسبب الحرب الأهلية اللبنانية، ويرتبط أصل عائلتنا ارتباطاً مباشراً بشعور الانتماء إلى الهوية العربية التي تتجاوز مجرّد أواصر اللغة. أنا عربيٌّ أيضاً من كلِّ قلبي. هل سبق لك أن زُرت أحد البلدان العربية؟ وكيف كانت التجربة؟ وما كان إحساسك؟ كانت لديّ ذكرياتٌ مع بيروت منذ طفولتي، فقد زرتُ لبنان لأوّل مرّة حين كنت طفلاً، وما زلت أحتفظ في ذاكرتي بصورة واضحة وشفافة عن تلك التجربة. بالإضافة إلى أنّ التواصل مع العائلة هناك لم ينقطع أبداً. ولهذا لديّ إحساسٌ بأنني سأعود إلى بيروت في السنوات القادمة حين تتحسّن الأمور. وقد تمكّنت أيضاً من زيارة مدن عربية أُخرى مثل رام الله، حيث استضافتني الحكومة الفلسطينية في الملتقى الثقافي التربوي عام 2015. كما زرت تونس والأردن أيضاً؛ وفي كل الأحوال فأن يكون لك أبٌ عربي أمرٌ يجعلك حقيقةً تمتلك في بيتك طعم الطبخ العربي والتقاليد العربية طوال حياتك. هل من حضور للثقافة العربية في أدب جزر الكناري عموماً، وفي شعرك خصوصاً؟ هناك قصيدةٌ للشاعر الحداثي طوماس موراليس تتحدّث عن دكاكين العرب التقليدية في شارع تريانا المشهور في لاس بالماس، عاصمة جزيرة كناريا الكبرى. ويوجد في المخيال الجمعي للمجتمع الكناري ميلٌ خاص نحو الهوية العربية. وبالنسبة إليّ، أنا أيضاً أكتب انطلاقاً من كوني لبنانياً من الجيل الثاني. وبالرغم من أنني لا أتكلّم اللغة العربية، فأنا أدافع دائماً عن شعورٍ بالعروبة يكون أكثر استدامة مما يتطلّبه جواز السفر من مسائل إدارية. هناك طريقة للشعور بكلِّ ما هو عربي ويجمع الأمم العربية كلَّها ويُشكِّل مصيراً للوحدة والسلام من أجل المستقبل. لديّ مشروع أشتغل عليه حالياً، وأكتب فيه عن الصداقة المحتملة بين الشاعر الكوبي خوسيه مارتي والأديب اللبناني أمين الريحاني في نيويورك، وهما من أهم الشخصيات في الأدبين المكتوبين باللغتين الإسبانية والعربية. إنها فكرة عظيمة من أجل كتابة رواية. ما هي الأصداء التي وصلتك عن الأدب العربي؟ وهل لك اطلاعٌ سابق على الشعر العربي المترجم إلى اللغة الإسبانية أو تجارب معيّنة مع شعراء عرب من المقيمين بإسبانيا أو غيرهم؟ جبران خليل جبران هو واحدٌ من الشعراء العرب الذين أتابعهم منذ كنت صغيراً جدّاً. فلطالما فتنني الخلط بين الكتب والفن التشكيلي عند هذا المبدع اللبناني العالمي. لقد زرت مؤخّراً القاعة المُخصّصة لأعماله في متحف سُميّة بالعاصمة المكسيكية. علاوة على ذلك، قرأتُ بتركيز كبير لشعراء معاصرين كأدونيس ومحمود درويش. كما تشرّفت بصداقة الكاتب والمترجم العراقي عبد الهادي سعدون، وهو أحد المراجع الأكثر وجاهة في الأدب العربي حالياً. لو طُلب منك أن تقدِّم الأدب الكناري للقارئ العربي، ماذا ستقول له؟ وبماذا يتميّز الأدب الكناري؟ كانت جزر الكناري في الأساطير الإغريقية مكاناً مقدّساً من أجل الخلود. مكاننا في العالم تحدُّه ثلاث قارات، وكان الأدب الكناري على الدوام امتداداً غرائبياً للشعر والرواية الأمريكية اللاتينية في جوٍّ أطلسي ذي قيمة كونية. لدينا أزيد من خمسة قرون من الأدب، وكل التيارات الجمالية اكتسبت لكنة كنارية، منذ عصر النهضة إلى السوريالية، وكان هناك في القرن التاسع عشر رومانسيون كناريون طالبوا باستعادة ذكرى الغوانش (الأمازيغ من سكان جزر الكناري). كما شكّلت الطلائع الأدبية في الجزر جزءاً مهمّاً جدّاً من تاريخ الشعر المدني قبل نظام فرانكو الدكتاتوري وبعده. إنّ الأدب الكناري هو فضاءٌ للعالمية. ما هي، في نظرك، معوِّقات وصول الأدب الكناري إلى العالم العربي؟ ليست هناك حدودٌ أمام الشعر. وبالرغم من أنّ الترجمات من لغة إلى أخرى كانت دائماً معوِّقاً عبر التاريخ، فيجب اعتبار جمال الأدب أمراً دولياً. أنا واثقٌ بأنّ العالم العربي يستطيع التعرُّف على أدب جزر الكناري عن كثب. كما أن جزر الكناري (الجزر الخالدات) كانت لها أيضاً مكانة في المصادر الوثائقية للعالم العربي لكونها أرضاً للأساطير والمناظر الطبيعية. ولا يجب أن ننسى أن بينيتو بيريث غالدوس، وهو أهم أديب في اللغة الإسبانية بعد سرفانتيس، كان كنارياً على غرار الشاعر الكوبي خوسيه مارتي، الذي تعود أصوله أيضاً إلى جزر الكناري. وهناك أمثلة أخرى ذات أهمية كبيرة في بحر الكاريبي عن العلاقة بين العالم العربي والأدب المكتوب بالإسبانية؛ ويبدو لي أنه حان الوقت للتعرُّف أكثر على أعمال الكوبي فيّاض خميس، وهو شاعر وُلد بالمكسيك من أبٍ لبناني وجعل هافانا مصدر إلهامه الأكبر. منذ أربع سنوات تقريباً وأنت تقيم بالمكسيك حتى أنك حصلت على الجنسية المكسيكية، هل يندرج ذلك في إطار بحث شعراء جزر الكناري الدائم عن أفقٍ أوسع من أرخبيلهم على غرار عدد من الأدباء الكناريين الذين وصلوا إلى العالمية مثل بينيتو بيريث غالدوس وخوستو خورخي بادرون وإلسا لوبيث؟ أنا ممتنٌّ جدّاً للمكسيك لكونه بلدي الجديد بالتبنِّي. لقد وجدتْ أجيالٌ كثيرةٌ من أدباء الجمهورية الإسبانية الثانية وفنانيها في المكسيك فرصة ثانية من أجل الحرية ومن أجل حياة أفضل. يُقال إنّ الكُتّاب الكناريين حين يقطنون في إحدى القارات يُعبِّرون عن قدرة كبيرة على الانتشار يستمدّونها من قوة البراكين. هناك فنانون تشكيليون كناريون مثل أوسكار دومينغيث عاشوا في باريس واستطاعوا أن يُشكِّلوا جزءاً من التاريخ بفضل أصالتهم الإبداعية. وفي المكسيك يوجد جوٌّ مُزدهرٌ من أجل الأدب، وإنه لامتيازٌ حقيقي أن أستطيع الكتابة في أرض شعب المايا والأزتيك. كلمة أخيرة تريد أن تتوجّه بها إلى عشّاق الشعر في العالم العربي. كل الثقافات كانت تعتبر الشعر من أجمل أصناف التراث الإنساني، وكما قال فديريكو غارسيا لوركا، فالحضارة العربية كانت دوماً كنزاً لا يفنى من شتّى أصناف العلوم والآداب والفنون. أتمنّى أن تعرف جميع البلدان مستقبلاً قيمة الأدب من أجل بناء جسور التفاهم والوئام بين الأمم. نحن نعيش في الكوكب نفسه، وسوف يكون الشعر بصمة من بصمات الهوية الإنسانية. * باحث في الأدب الإسباني – الكناري