جلالة الملك يهنئ الرئيس الفلسطيني بمناسبة العيد الوطني لبلاده و جدد دعم المغرب الثابت لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة    هذه اسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    المركز 76 عالميًا.. مؤشر إتقان اللغة الإنجليزية يصنف المغرب ضمن خانة "الدول الضعيفة"    قتلى في حريق بدار للمسنين في إسبانيا    كارثة غذائية..وجبات ماكدونالدز تسبب حالات تسمم غذائي في 14 ولاية أمريكية    الطبيب معتز يقدم نصائحا لتخليص طلفك من التبول الليلي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    التوقيت والقنوات الناقلة لمواجهة الأسود والغابون    "خطير".. هل صحيح تم خفض رسوم استيراد العسل لصالح أحد البرلمانيين؟    وكالة الأدوية الأوروبية توافق على علاج ضد ألزهايمر بعد أشهر من منعه    المغرب يترقب اللحظة المواتية لخروج الخزينة إلى السوق الدولية    مدينة بنسليمان تحتضن الدورة 12 للمهرجان الوطني الوتار        بمعسكر بنسليمان.. الوداد يواصل استعداداته لمواجهة الرجاء في الديربي    الرباط.. اختتام أشغال مؤتمر دولي حول الزراعة البيولوجية والإيكولوجية    ارتفاع كبير في الإصابات بالحصبة حول العالم في 2023    رصاصة تقتل مُخترق حاجز أمني بكلميمة    وليد الركراكي: مواجهة المغرب والغابون ستكون هجومية ومفتوحة    ترامب يواصل تعييناته المثيرة للجدل مع ترشيح مشكك في اللقاحات وزيرا للصحة    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على الجزء الأول من مشروع قانون المالية 2025    رئيس الكونفدرالية المغربية: الحكومة تهمش المقاولات الصغيرة وتضاعف أعباءها الضريبية    نفق طنجة-طريفة .. هذه تفاصيل خطة ربط افريقيا واوروبا عبر مضيق جبل طارق    التحاق 707 أساتذة متدربين بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بدرعة-تافيلالت    كيوسك الجمعة | المغرب يسجل 8800 إصابة بسرطان الرئة سنويا    الأردن تخصص استقبالا رائعا لطواف المسيرة الخضراء للدراجات النارية    فيضانات إسبانيا.. طبقا للتعليمات الملكية المغرب يعبئ جهازا لوجستيا مهما تضامنا مع الشعب الإسباني    تصريح صادم لمبابي: ريال مدريد أهم من المنتخب            زيارة المسؤول الإيراني للمغرب.. هل هي خطوة نحو فتح باب التفاوض لإعادة العلاقات بين البلدين؟    النيابة العامة وتطبيق القانون    حرب إسرائيل على حزب الله كبدت لبنان 5 مليارات دولار من الخسائر الاقتصادية    10 قتلى جراء حريق بدار مسنين في إسبانيا    وفاة الأميرة اليابانية يوريكو عن عمر 101 عاما    أسعار النفط تتراجع وتتجه لخسارة أسبوعية    محكمة استئناف أمريكية تعلق الإجراءات ضد ترامب في قضية حجب وثائق سرية    "الأمم المتحدة" و"هيومن رايتس ووتش": إسرائيل ارتكبت جرائم حرب ضد الإنسانية وجرائم تطهير عرقي    جدعون ليفي يكتب: مع تسلم ترامب ووزرائه الحكم ستحصل إسرائيل على إذن بالقتل والتطهير والترحيل    اكادير تحتضن كأس محمد السادس الدولية للجيت سكي    صحيفة إيطالية: المغرب فرض نفسه كفاعل رئيسي في إفريقيا بفضل "موثوقيته" و"تأثيره"    عامل إقليم الجديدة يزور جماعة أزمور للاطلاع على الملفات العالقة    بوريطة: المغرب شريك استراتيجي لأوروبا .. والموقف ثابت من قضية فلسطين    مثل الهواتف والتلفزيونات.. المقلاة الهوائية "جاسوس" بالمنزل    ‬المنافسة ‬وضيق ‬التنفس ‬الديموقراطي    حوالي 5 مليون مغربي مصابون بالسكري أو في مرحلة ما قبل الإصابة    ملتقى الزجل والفنون التراثية يحتفي بالتراث المغربي بطنجة    الروائي والمسرحي عبد الإله السماع في إصدار جديد    الإعلان عن العروض المنتقاة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح    تمديد آجال إيداع ملفات الترشيح للاستفادة من دعم الجولات المسرحية    حفل توزيع جوائز صنّاع الترفيه "JOY AWARDS" يستعد للإحتفاء بنجوم السينماوالموسيقى والرياضة من قلب الرياض    أكاديمية المملكة تفكر في تحسين "الترجمة الآلية" بالخبرات البشرية والتقنية    الناقد المغربي عبدالله الشيخ يفوز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن "شرطة الأخلاق" المزعومة و"مواعظ الأستاذية" الموهومة
نشر في هسبريس يوم 22 - 02 - 2012

دخل الدكتور مصطفى تاج الدين على خط السجال والمزايدة على حركة التوحيد والإصلاح مكررا دونما تبين التهمة الجاهزة لبعض متياسري الحزب المعلوم بخصوص ما اسماه" بالكلام عن "شرطة أخلاقية" زعم "أن حركة التوحيد والإصلاح تعتزم اقتراح إنشائها لمواجهة المفاسد الأخلاقية".
وكعادته في إسقاط الطائرات نصب الدكتور نفسه من جديد أستاذا يلقن "مواعظ الفكر" لإخوانه السابقين في حركة التوحيد والإصلاح، ومكررا كلاما دارجا ومألوفا في صفوف الحركة ليس محل جدل من أحد خاصة في ضوء المستوى الفكري والنضج المنهجي الذي وصل إليه الحوار الداخلي والدينامية الفكرية التي أطلقتها الحركة في العقد الأخير لمناقشة مجموع القضايا مثار الجدل في الفكر الإسلامي في إطار ما أسمته الحركة وقتئذ بمبادرة السؤال.
إن مشكلة الدكتور تاج دين هي أنه ينظر إلى الحركة بمنظار اليوم التي غادرها فيه، ويحكم عليها بمنطق اللحظة التي فك ارتباطه بها. ولا يستطيع الفكاك عن أسلوب إسقاط طائراته المعهودة التي لا يكاد يخلوا منها مقال من مقالاته، وهي إعمال مقارنة بين النموذج الإيراني والنموذج التركي أو إشهار فشل الحكم بالسودان في ملف حقوق الإنسان وغمز الحركة الإسلامية به وكأنها كتائب امنية مستأجرة لدى النظام السوداني.
لقد نسى الدكتور الفاضل أن معالم هذا النقد لهذه الأنظمة الشمولية ولعوم أخطاء الإسلاميين أكانوا في الحكم أم في السجن، إنما تلمس بواكرها في الجو الحواري وفضاء النقاش الذي سبق للحركة أن فتحته يوم كان البعض يؤسس للمشيخة الفكرية والموريدية الثقافية، وليس العيب في أن يطور هو نقده لهؤلاء الإسلاميين أو غيرهم لاسيما في الفضاءات التي ارتادها، لكن العيب هو في غمز الآخرين بانتقادات موجهة في الأصل إلى غيرهم أو اللمز في أطراف معينة بما كسبته أيدي جهات أخرى.لأن ذلك عين الخلط وعين التدليس الفكري وسقوط في النقداوية والتعميم.
إن النقد والنقد الذاتي هو من الفضائل الفكرية التي ساهمت في تبلور المفاهيم المؤسسة للحركة وفتحت لها آفاق الاستفادة من مختلف التجارب الدعوية والفكرية والتحرر من كل موروث لا يصمد أمام النقد والتحليل، وهنا أذكر الدكتور أن كتاب النقد الذاتي لخالص جلبي وكتابات فهد النفيسي كانت من المقررات الثابتة في التكوين الذاتي والتكوين العام لأعضاء الحركة يوم كانت جل الحركات الإسلامية تمنع مجرد تداولها، ويعلم الدكتور أيضا أن السبب في رفض تبني الحركة لمرجعية فكرية رسمية هو فقط لتوقي السقوط في الجمود والتقليد .
وفي هذا الفضاء تفتقت مدارك الدكتور النقدية فما باله لا يفتأ يذكرها إلا بسوء بمناسبة وبدونها.
بداية الدكتور مصطفى البسيطة تؤكد "أننا في المغرب مسلمون ولا يمكن أن نتحول إلى علمانيين (بالمعنى الفرنسي) أي معادين للدين" والسؤال هو متى جادلت الحركة في هذه البداية، وبدايته الثانية تضيف " أنه في المغرب كنا دائما وسطيين فالمغربي سني لا يعارض التصوف، سلفي لا يرفض الاجتهاد، محب لآل البيت دون تشيع رفض باطني، محب للحرية دون تحطيم للمباديء ومتفتح على اللغات والثقافات دون تفريط في هويته" والإستفهام هو هل تنكبت الحركة عن هذه المسلمات. وأين يكمن المشكل إذن؟
لقد اكدت الحركة في وثيقة توجهات واختيارات أن "المغرب بلد مسلم دولة وشعبا. تلك حقيقة مقررة عند حركتنا يؤكدها التاريخ والواقع، عليها أجمع المغاربة عبر التاريخ وبها تمسكوا وانطلاقا منها توحدوا في إطار وحدة المذهب المالكي. وهي حقيقة لا يؤثر فيها ولا ينقص منها ما يظهر من فتور وضعف واختلال في التدين الجماعي أو الفردي، كما لا يؤثر فيها ما يظهر من أفكار وتوجهات دخيلة تظل شاذة ومعزولة". وأنها "تعتبر أن مجتمعنا مجتمع مسلم، ولكن في أفراده ومؤسساته جوانب من التقصير والاختلال والضعف والتخلف تحتاج إلى معالجة و إصلاح. كما تحتاج إلى تضافر الجهود ومساهمة الجميع".
وما الداعي إلى مساءلة الحركة عن الإسلام الذي تؤمنه بالضبط ؟ طبعا قد يفهم ومن خلال الإشارة السابقة أنه يشير إلى إسلام إيران أو حتى طالبان ويلصقه بالحركة وإسلام أردكان ويحوزه لنفسه كلا وإن كان هذا التصنيف نفسه يحتاج إلى نقد منهجي ومعرفي ليس هنا محله.
في تصوري فالمشكل في تكمن في تصورنا لهذا الإسلام وفي تمثلنا لهذه الوسطية، وبطبيعة الحال فإن لكل إدعاء حقيقة، وأي كانت العلمانية التي يمكن أن ينحاز إليها أي ناقد فرنسة أم بريطانية شاملة أم جزئية معادية للدين أم مهادنة له فالفيصل إئتلافا أو اختلافا هو في تصورتنا للدين ولماهيته ووظيفته في جدليته بالإنسان والطبيعة ويكمن كذلك في فهمنا لصلة الغيب بالشهادة ولتمثلنا لعلاقة القرآن بالعمران .
إنه من الطبيعي أن نرى هذا التباين في الإنحيازات كما في المواقف من جملة القضايا موضوع السجال المجتمعي وهو محمود على كل حال بين الدكتور مصطفى وبين من يومأ إليهم من أبناء حركة التوحيد والإصلاح لكن غير المفهوم هو أن يسقط إنسان يحمل شهادة دكتوراه أولا في شرك مزايدة خصوم إديلوجين ، وثانيا في تبني اتهام غير مؤسس والتأسيس عليه لمواقف متجنية وأخيرا التنصيب في موقع الأستاذية على حركة لا تنكر أفضالها عليه.
لا يهم فأخونا تاج الدين الذي مهما اختلفنا معه سيظل تقديرنا لشخصه على ما كان من باب " ولا تنسوا الفضل بينكم"، وهي آية وردت في سياق أسري خاص قابل للتوسيع إلى المستوى الأسري الأعم، وكذا من باب ما تقاسمناه معا في مقارعة العمى الإديلوجي الحقيقي من موقع ينحاز إلى الفكر الإسلامي التجديدي المستنير الذي يريد اليوم مصادرته لنفسه ورمي حركة التوحيد بنقيضه وذلك من موقع ربما جديد يمارس تحيزا خفيا اتجاها في هذا السجال اليوم .
قلت لا يهم لأننا نستقبل برحابة صدر كل هذا التحامل على الحركة وعلى فكرها ومنهجها ليس اليوم وحسب ولكن منذ مدة غير يسيرة عندما كان يرمي الحركة بكل نقيصة لسبب ما زالت الحركة تجهله إلى غاية اليوم . إذ في الوقت الذي كنا ننتظر فيه من كل الفضلاء مجرد الإنصاف والموضوعية سواء في النقد والنصح أو حتى في الفضح والتجريح، لم نلق من أخينا مصطفى سوى البهتان الذي لا تستطيع التعابير الفصيحة ولا الكلمات المنمقة أن تخفي إرجافه البين من قبيل اتهاماته وتحريضه ضد الحركة والانخراط في جوقة المروجين لما سمي وقتها بالمسؤولية المعنوية عن أحداث 16 ماي 2003 ورميها بالوهابية عندما كانت تنصب المشانق لمجرد من يشار إليه بمثل هذه التهم .
إن أول سؤال يتبادر للمتفاعل مع مقالات الدكتور مصطفى هو أين اختفى ذلك العمق في التناول الذي كنا نلمسه في مناقشات الدكتور في الفضاء الجامعي؟ وهل الشحنات النفسية البادية في مقالات السنوات الأخيرة هي المسؤولة عن اختفاء ملامح الفكر ومعالم العقل أم أن الأمر مرتبط فقط بالسرعة في تدبيج "مقالات الوجبات السريعة" ومقتضيات اللحاق المتسرع بسجال يخشى أن يفوته دون أن يستثمره في بعث رسائله الخاصة إلى حركة التوحيد والإصلاح .
معذرة سيدي لقد انتظرنا منك أكبر من هذا بكثير أنترنا أن تضع مشروع الحركة الفكري ومقولاتها التأسيسية على مشرحة النقد المنهجي والتناول المعرفي إسهاما منك في دفعها إلى مواصلة خط التجديد وتنبيهك له من أن تسقط في اسر إنتاجها الموروث أما الكلام العابر في مقالات عابرة فقد كنا نربأ بك أن تسقط فيه أحرى أن لا تنتج غيره.
إن حركة التوحيد والإصلاح غير معنية برد اتهامات خصومها المفلسين ولا بدحض وتكذيب مروجي هذه المزايدة بدون تثبت وأظن أن الدكتور مصطفى أول من يدرك غربة مفهوم "الشرطة الأخلاقية" عن منهج وفكر الحركة ولا أحسب ترويحها من هذا الأخ إلا مكابرة وعنادا ليس إلا .
نعم نحن أول المعنيين برفض الوصاية على المجتمع ورفض كل من المقاربة الأمنوية والأخلاقوية معا وكان حري بمن يرفض "الشرطة الأخلاقية" أن يوجه سهامه إلى من ينصبون أنفسهم أوصياء وأساتذة على الشعوب ويمارس الحجر والشرطية على اختياراتهم وأذواقهم أكان بدواعي دينية أو بمزاعم حداثية .
بين إسلام البداية وإسلام التاريخ
عندما أنهى الدكتور مصطفى اتهاماته عاد لموضوعاته المفضلة والبداية من مساءلة حركة التوحيد والإصلاح عن الإسلام الذي تؤمن به مخيرا أياها بين ما اسماه بإسلام البدايات وإسلام التاريخ والانحطاط . وبودنا الإجابة عن هذا السؤال بسؤال آخر هو أين يصنف الدكتور إيمان الحركة وهو الذي قضى في رحابها ردحا من الزمن وتعلم في فضاءاته طرح السؤال والبحث في ضفاف الفكر عن ثنايا الجواب دونما تحجير ولا توجيه من أحد، وهل ما لاقته الحركة ومشروعها من احتضان من أهل المغرب يمكن أن يصنف في خانة النفور وثالثا هل من هوت بهم صناديق الاقتراع إلى دركات سحيقة في الترتيب الديمقراطي ممن يتبنى الدكتور اتهاماتهم هو القبول والاحتضان من أهل المغرب.
إنني بوصفي أحد أبناء هذه الحركة يمكن أن أجيب عن سؤال الدكتور بأن الإسلام الذي أومن به هو ذلك "الدين الذي أكمله الله عز وجل وأتم نعمته ورضيه لعباده إلى يوم القيامة {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} (المائدة/4)، الإسلام الذي ليست بالناس بحاجة إلى الزيادة فيه أو النقص منه فهو في أصله المنزل حنيفية سمحة والخروج عنه يفضي إلى الغلو أو الجفاء، غلو يشدد به المرء على نفسه وقد وضع الله عنه الآصار والأغلال وكلفه بما يطيق، وجفاء يوهن الانقياد لأمر الله ويفتح الباب لإتباع الهوى، قال تعالى:{ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون} (الجاثية/17)."
الإسلام الذي أومن به هو الهدى {إن هدى الله هو الهدى} (البقرة / 119) أي أن دين الإسلام عقيدة وشريعة، وأخلاقا، ونظاما، هو وحده القادر على إسعاد البشرية، والجدير بهدايتها، وقيادتها في طريق الحق والخير والعدل الكفيل بإسعاد بني آدم في الدنيا، القادر على أن يحييهم حياة طيبة، وينشئ لهم حضارة راشدة متوازنة قال تعالى: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} (الإسراء / 9) كما أنه{يهدي إلى الرشد} (الجن/2) وذلك لكونه، من عند الله الذي { يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} (الملك/14) إنه سبحانه وصف دينه بأنه حق وخير، بمعنى انه حق في ذاته، خير لمن آمن به وعمل به، خير يعود على الناس بالمصالح في الدنيا وبالثواب في الآخرة قال تعالى: { يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرا لكم} (النساء/165) هذا الخير سماه في موضع آخر بالحياة الطيبة في الدنيا، والجزاء الأحسن في الآخرة: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مومن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} (النحل/97).
الإسلام الذي أومن به هو الإسلام الذي يحي الأمة التي امتثلت أوامره ونواهيه حياة طيبة في الدنيا وينقلها إلى حياة أطيب في الآخرة، والإسلام الذي يؤكد في مقابل ما سبق أنه {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى} (طه/122).
الإسلام الذي أومن به هو الذي يجد الناس فلاح الدنيا والآخرة فيه الإسلام الذي يرفع الله به الشقاوة وينزل به الرحمة والسكينة، {طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى} (طه/1-2). الإسلام فلاح للفرد، وفلاح للأمة، وفلاح للبشرية، وأعظم هذا الفلاح هو دخول الجنة والنجاة من النار، وبعده فلاح الدنيا، وأكبره الانسجام بين العبد وفطرته والانسجام بينه وبين الكون من حوله. إنه الفلاح كله ومهما التمست البشرية سعادة الدارين في غيره فلن تجدها إلا في ظل أحكامه وشرائعه.
الإسلام الذي أومن به إيمانا تاما هو الذي يفهم بشكل علمي وشرعي الشريعة الإسلامية المضمنة في الكتاب والسنة، والعمل بجد من أجل جعلها المصدر الأول والأسمى للتشريع بالمغرب. لكن الشريعة في فهم الحركة ليس كما يتبادر إلى ذهن المتسرعين أو كما يجتهد المغرضون على إلصاقه بالحركة الإسلامية المجددة "فالشريعة لا تنحصر في الحدود التي ما هي إلا جزء صغير في نظام العقوبات الذي هو نفسه مجرد جزء من النظام الإسلامي. كما أن درء إقامة الحدود عند وجود الشبهات وعند انتفاء شروطها ومقدماتها هو من الشريعة أيضا. إن مفهوم الشريعة يشمل إصلاح العقيدة، وإقامة العدل، والتوزيع العادل للثروة، وإشاعة الاستقامة، وإشاعة الأمن، والإحسان للمخالفين من أهل الكتاب. ولذلك فإن إقامة أي عروة من عرى الدين وأي حكم من أحكامه، كل ذلك من الشريعة سواء كان من المعتقدات أو الأخلاق أو النظام الاجتماعي أو السياسي. كما أن العمل بالعرف الحسن من الشريعة، وكل ما استقر من معروف وخير عند عقلاء النوع البشري هو مما تأمر الشريعة بالأخذ به والعمل به."
والإسلام الذي أومن به أيضا هو الذي "يأخذ بالحداثة بما هي إعمال لقواعد العقل الصريح والعلم الصحيح، في النظر والتفكير وفي تنظيم المجتمع وعلاقاته ومؤسساته، وفي تصريف سائر شؤون الحياة". وفي نفس الوقت "ينبذها حين يراد بها التنكر للدين ودوره في الحياة أو جعلها حرية إباحية مدمرة للأخلاق والقيم ومشجعة للفساد والانحلال".
الإسلام الذي أومن به هو الذي "يدعو، انطلاقا من الإيمان بالاجتهاد والانخراط في الحداثة بمعناها الإيجابي البناء، إلى الانفتاح الخلاق على الثقافات واللغات والتجارب الإنسانية، وتلك نتيجة طبيعية لعالمية الرسالة الإسلامية ودعوة الإسلام إلى الانفتاح على الأمم الأخرى والتعارف معها مصداقا لقوله تعالى: { وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} الحجرات/13".
وعلى هذا الأساس أقول لأخينا بأن حبنا لديننا نابع في المقام الأول، من كونه أولا وأخيرا دين من عند رب العالمين، ولأنه دين الهدى ودين البر ودين القسط ولأنه كذلك دين الرأفة والرحمة والعفو والسماحة والحب.
نحب ديننا بكل آيات الجمال فيه ونحبه كذلك بكل دلائل الجلال فيه، والفرق بين حبنا لهذا الدين والحب الذي يريد أن يفرضه علينا البعض هو أننا نتمسك بالجمال والجلال في تكاملهما وإلتقائهما بينما البعض منا يريد أن يشطب من الدين كل ما يحيل على الجلال فيه فهل ترانا اجبنا عن سؤالك دكتور أم لا؟
التدين بين الحرية والإجبار
إن التحلل من التدين وليس من والإقبال عليه في تركيا أو في المغرب لا يرتبط بالدين إقبالا أو إدبارا وإنما النفور يكون مما يتلبس بالدين أو بسواه من استبداد أو استعباد.
فعندما كان الدين رمزا للتحرر والإنعتاق ارتمى في أحضانه الشعب الإيراني ففجر أكبر ثورة سلمية في القرن الماضي وعندما حوله دهاقنة هذه الثورة إلى أداة قهر واستعباد فلن نرى سوى التبرم الذي يسبق الثورة التي تستعيد الدين إلى رحاب الحرية الملازمة لجوهره ورسالته ووظيفته. وما يقال عن إيران يصدق على تركيا وعلى المغرب والمتغير في كلاهما ليس الدين وإنما الحرية في صلتها بالتدين وجودا وعدما.
وهنا نلتقي مع الخلاصة التي وصل إليها الدكتور حتى وإن أسسها على مقدمات لا صلة لها بما يريد أن يرتب عليها من خلاصات، أي أنه "من طبائع العمران البشري أن تزدهر الأديان في جو الحرية وتتحول إلى مجرد تظاهر منافق في جو القمع والإكراه".
مواجهة الإنحرافات بين المقاربة التربوية والمقاربة القانونية
لقد عجبنا ممن يطرح أسئلته الاستنكارية في مواجهة من يتمحور جوهر عمله منذ عقود حول العمل التربوي والدعوي الهادئ والمتئد في معالجته لمختلف الآفات المجتمعية ببلادنا وتتحول مطالباته بالطرق السلمية و"بالآليات الحداثية" المتعارف عليها في الممارسات الديمقراطية النزيهة، سواء بالتظاهر السلمي أو بالعرائض أو باللجان الشعبية في إطار القانون، للتعبير عن قناعاته اتجاه المؤسسات المختصة -أن تتحول- إلى اتهام جاهز ووحكم قيمة ناجز يزعم اختزال الظواهر "المرتبطة بعوامل سوسيواقتصادية" في المعالجة القانونية" .
لا يا سيدي إن المخطئ هو من يريد أن يدفع الإسلامين إلى التغافل عن المقاربات الحقوقية والإنسانية والقانونية في تكاملها وإندماجيتها مع المقاربة التربوية والدعوية والفكرية، التي هي الأصل وعليها المعول، في مواجهة مثل هذه الظواهر في أسبابها وفي مفاصل عللها.
فقد أعاب علينا بالأمس أحدهم أن نطالب السلطة المخولة قانونا أن تمارس الدور الذي يخولها لها القانون ويكثر علينا آخرين اليوم أن نستثمر آليات الديمقراطية التشاركية التي أصبح الدستور يتيحها أمام المواطنين وأمام هيئات المجتمع المدني بتأويلات مغرضة وبمقولات لا تخلو من مزايدة سياسية بينة.
وكما أن المجتمع لا ينوب عن الدولة فإن الدولة لا يمكن أن تصادر أدوار المجتمع ولا أن تهيمن عليه إلا إذا كانت من أنواع الدولة اليعقوبية بتعبيراتها الفرنسية المتهاوية تمثلاها في بلاد المسلمين اليوم تحت ضربات الربيع العربي.
إن الأصل هو أن يضطلع المجتمع في المشروع المجتمعي الحق بأدواره كاملة في مختلف الميادين الثقافية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها على أن تتولى مؤسسات الدولة وظيفة التقنين والتأطير والضبط وليس العكس.
والمجتمع الحي يقاس اليوم بفاعلية مكوناته وإبداعية مبادرات أفراده وبمدى توقفه في معالجته لآفاته عصره على تدخل الدولة والسلطة أو على طاقاته وقدراته في النهوض بمسؤولياته. وهذا هو جهور خلافنا مع السيدة الرويسي ومع حركتها التي لم نعلم بها إلا في البلاغات التي تروج لها بعناية تواصلية محكمة وبدعم وانحياز لبعض الجرائد التي لا تمنح الرأي المخالف حتى حق الرد.
بيع الجسد بين الفساد الأخلاقي والقهر الاجتماعي
الذي نعرفه بهذا الصدد هو أن الحرة لا تأكل من تديها وأن الفقر لم يكن في يوم من الأيام دافعا على امتهان الدعارة.
والذي ندركه هو أن ما يسمونه "أقدم مهنة" في التاريخ لا تشكل فيه" البائسات التي تتاجرن بلحومهن" سوى الحلقة الأضعف والشجرة التي تخفي غابة مافيا الإتجار في الرقيق الأبيض. والذي لا نشك فيه هو أن أصوات بعض الحداثيات في المنتديات الدولية لا تعارض في الجوهر ظاهرة البغاء إلا عندما تقترن بالإكراه وتنخرم إرادة طرفها السالب والمسمى في التكييف القانوني اغتصابا، أما من تبيع عرضها أو تمنحه بالمجان وبرضى منها، فلا يندرج ذلك عند هن إلا ضمن الفهم الإديلوجي الخاص لما يسمى عندهن بالحريات الفردية. وعلى هذا الأساس تنبني مطالباتهن بتقنين الدعارة وبإدراجها ضمن ما يسميه هؤلاء بالدورة الاقتصادية أو الاقتصاد المهيكل، وهنا يكمن جهور الخلاف وعليه كذلك يتاسس مجاهرتهن بالدعوة حرية الممارسة الجنسية خارج الزواج وإلى إلغاء تجريمها من القانون أي شطب جريمتي الفساد والخيانة الوزجية واوعقوبتهما المنصوص عليهما في القانون الجنائي.
أما عندما ينخرط أي "علمانية غير معادية للدين" في جهود القضاء على ظاهرة الاتجار في البشر بما فيها دعارة الراقيات أو البائسات من حياة المجتمعات عامة وحياة المجتمعات المسلمة خاصة، فسوف نتطوع للانخراط في أول جمعية حداثية يكون من أهدافها مواجهة هذه الآفة أيا كانت المقاربة التي سوف تعتمدها وايا كانت الجهات المستفيدة من ريعها.
ومن هنا نحن نعتقد فعلا بأن من تجبرها ظروفها الاجتماعية على بيع جسدها حتى وإن كانت ضحية فعلا فإن ذلك لا ينفي عنها كونها فاسدة أخلاقيا ومفسدة اجتماعيا أيضا، لكن أعتقادنا أرسخ في المقابل بأن المجتمع الذي يقصر اتجاه هذه البائسة بعدم توفير حاجتها إذا كانت الحاجة فعلا هي دافعها الوحيد إلى ما هي فيه، بأنه مجتمع فاسد ومتخلف ومنحط وأن المسؤولية الاجتماعية لا تقوم مقام المسؤولية الفردية والعكس بالعكس .
وفي الأخير أختم بقول الله تعالى: {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليومن ومن شاء فليكفر} (الكهف/29) .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.