لا يقتصر المنهج الإبستمولوجي على نقد أسس المعرفة و النظر في مبادئ العلوم فقط ،بل يطول ليشمل سبر الأسس التي قامت عليها المذاهب الفكرية البشرية و التأكد من متانتها و موضوعيتها،و مادامت طبيعة الموضوع تحدد نوعية المنهج المطلوب توظيفه، فإننا نرى أن هذا النقد الإبستمولوجي الأنسب في دراسة المذاهب والاتجاهات الإيديولوجية،لموضوعيته وبعده عن الخوض في "الإيديولوجيا"، فالإبستمولوجيا تنظر في العقل المكوِّن دون العقل المكوَّن،و تحيط بالظروف الزمنية و المكانية لتكوّن فكر معين،فهي إذن تحوي "منهج التاريخية" احتواء،كما أنها بمنأى عن الأسلوب الذي يعتمد الأحكام الجاهزة و الاتهامات المجانية، لذا فإنه قد يساعدنا في نبش التراث والوقوف عند بعض المحطات التي انعطف فيها سير الأمة و انعرج فيها منحاها. "" من المفاهيم الدخيلة في تراثنا، التي كانت نقطة تحول في مسار الأمة و تحتاج مزيدا من التعرية والكشف،مفهوم العلمانية،سواء على مستوى التسمية والاصطلاح أو على مستوى التشكل و التبلور،و الأهم على صعيد نجاعتها في التطبيق بالعالم الإسلامي،فإذن من أجل صفاء الصورة في المخيلة و تجنّب "الصيد في الماء العكر" يكون لزاما علينا رفع الحجب وكشف النقب عن هذا المصطلح،خاصة مع حدوث شرخ في جسد العلمانية،حيث صرنا نسمع بمفاهيم غريبة تجعل المرء يحتار في أمره،مفاهيم تجمع بين متناقضات من قبيل "العلمانية الدينية" في مقابل "العلمانية اللادينية" ،فهل هناك علمانية دينية و أخرى لا دينية؟ لننظر في أصل المصطلح في اللغة العربية،إن العلمانية إما من العلم فتكون بكسر العين أو من العالم فتكون بفتحها،و لننظر الآن في أصل المصطلح باللغة الأم ،فترجمة العلمانية باللغة الإنجليزية هي "secularism " و المقصود بها "اللادينية أو لا غيبية أو دنيوية أو لا مقدس" إذن النتيجة التي نخلص إليها أن هذه الترجمة مضللة غير صحيحة،تنعدم فيها الأمانة العلمية ،و لم يُتحرّى فيها الدقة، لذا كانت ترجمة غير موفقة،و ما يزيد من تأكيد ما نحن بصدد بيانه،التعريف الذي تقدمه دائرة المعارف البريطانية للعلمانية حيث تحدّها بأنها " حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس عن الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بالحياة الدنيا وحدها . ذلك أنه كان لدى الناس في العصور الوسطى رغبة شديدة في العزوف عن الدنيا والتأمل في الله واليوم الآخر. ومن أجل مقاومة هذه الرغبة طفقت ال"Secularism" تعرض نفسها من خلال تنمية النزعة الإنسانية ، حيث بدأ الناس في عصر النهضة يظهرون تعلقهم الشديد بالإنجازات الثقافية البشرية ، وبإمكانية تحقيق طموحاتهم في هذه الحياة القريبة . وظل الاتجاه إلى ال "Secularism " يتطور باستمرار خلال التاريخ الحديث كله باعتبارها حركة مضادة للدين ومضادة للمسيحية." فهذا التعريف يزيدنا يقينا بأن الترجمة تعوزها "الفضيلة العلمية" حسب تعبير ابن رشد،و الغاية من هذا التدليس -في نظرنا- إضفاء "العلمية" على هذا التيار الفكري حتى يطيب لهم رشق من يرفضه بالرجعية و الجهل،أو إيهام الناس بأنه مبدأ عالمي متفق عليه من طرف الشعوب و الأمم الغير المنحازة إلى ثقافة معينة،ثم لعل السبب الذي حمل المسوقون للعلمانية على هذا التحريف علمهم المسبّق بنفور أصحاب الفطر السليمة عن هذا التيار الذي يحمل بين طياته عقائد لادينية إلحادية،و تيقنهم من أن المسلمين سيقابلون هذا المذهب بالرفض الشديد،و للإشارة فإن نصارى الشام أول من طرح المصطلح في الساحة الثقافية العربية في القرن التاسع عشر،و يذهب المفكر الإسلامي الدكتور عوض القرني في كتابه "العلمانية..التاريخ و الفكرة" إلى أن اللبناني النصراني إلياس بقطور أول من طرح المفهوم في معجمه ثم تبعه "البستاني". بعيدا عن التسمية،لننظر إلى التربة التي استنبتت فيها العلمانية بالغرب و نقارنها مع ما كان في التراث الإسلامي المتمثل في التاريخ السياسي و الفكري للدول الإسلامية. بالفعل لقد كانت الظروف مواتية لقيام دولة علمانية في الغرب،إن سلمنا أنها لم تكن كذلك من ذي قبل،و إلا فإن باحثين كثر أكدوا أن الدولة الرومانية لما اعتنقت المسيحية اقتصرت على اعتناق العقيدة فقط ، ولم تأخذ من الشريعة إلا ما له علاقة بالأحوال الشخصية ،وبقيت الأمور الجنائية والأمور المدنية و أمور الدولة وغيرها من شؤون الحياة الواقعة يحكمها القانون الروماني ولا تقحم فيها الشريعة المنزلة في التوراة والمعدلة تعديلاً جزئياً بالإنجيل ،و شعارهم المنسوب لعيسى عليه السلام "اعط ما لله لله و ما لقيصر لقيصر" أقوى تعبير لما كان سائدا في الغرب. إن الاستبداد الذي عانى منه الغرب في العصور الوسطى من طرف المؤسسة الدينية لعب دورا كبيرا في تمرد الشعوب الغربية على الكنيسة،و هذه الأخيرة وظفت "إيديولوجيا الجبر" كسلاح لتحقيق الريادة و الرياسة ،حيث كانت تزعم أن الحيف و القهر الذي يعانونه من أقدار الله(!) و ما لهم إلا أن يرضوا بالقدر (!)،فتحت غطاء هذه الإيديولوجيا مارست الكنيسة كل أشكال و ألوان التعسف و القمع على المؤسسة المدنية بما في ذلك الإمبراطور، و حاربت العلماء و المفكرين،فحاصرت كل فكر متنور عقلاني،وحجرت على الباحثين الاكتشافات العلمية،و صادرت الحقائق العلمية لكونها تتعارض مع ما تتبناه من نظريات أسطورية لا تمت للدين بصلة،هذا مع ما في الدين النصراني نفسه من عقائد يصعب تصديقها و الاقتناع بها من قبيل عقيدة التثليث و الأقانيم الثلاث،و سيادة الفكر الخرافي المحاط بهالة دينية كبيع صكوك الغفران و العشاء المقدس و الرهبانية التي تغلّب الجانب الروحاني على الجانب المادي بدل الموازنة بينهما،فضلا عن تحريف المراجع المسيحية و تناقضها.. ليس هذا فقط بل إن الكنيسة نفسها كانت مركز الانحلال و التردي و الفسوق،فقد كان رجال الكنيسة يحتكرون حياة اللذة و المتعة و الشهوات الدنيوية و يدعون الناس للزهد و التقشف،لذلك اعتبرها "مكيافللي" رأس الفساد و الشر و قال عنها "كلما كان الناس أقرب إلى كنيسة روما و هي رأس ديننا كانوا أقل تدينا." لذا يمكن القول أن الغرب الذي يفتقد للحس الديني كما يقول المفكر الإسلامي الكبير محمد قطب لم يعرف منذ اعتناقه للمسيحية كعقيدة تطبيق الشرع الرباني من منبعه الصافي،بل كانوا يعتقدون أن الأحكام "البابوية" هي حقيقة الشريعة،لذلك نبذوا تلك الحياة التي تجعل من الدين المحرف مرجعا لهم،و لقد كان أمام الغرب خياران إما النظر في أحوال الغرب الإسلامي(الأندلس) التي كانت عندئذ مركزا حضاريا و ثقافيا و عمرانيا عالميا لا منافس له و لا منازع،مركز يحج إليه طلبة العلم من سائر أصقاع العالم للنهل من علوم المسلمين و حضارتهم، فيعتنق بذلك الغرب الدين الإسلامي و تتبدل نظرته إلى لدين أو أن يتنكر له جملة واحدة و يتخلص من سلطة الكنيسة و سطوتها كخيار ثاني،و هذا ما حصل. و من الفوارق الجذرية بين الحضارتين الغربية و الإسلامية التي كانت من أهم العوامل في عدم حدوث "طفرة سياسية" في بلاد الإسلام كما في بلاد الغرب ،ما استشفه الباحث السوسيولوجي "برتراند بادي" في كتابه "الدولتان : السلطة و المجتمع في الغرب و في بلاد الإسلام" من قراءة هادئة و عميقة للتاريخ،دراسة واعية الغاية منها قراءة "الأنا" من خلال "الغير" و تعرف مميزات النموذج الغربي من خلال مرآة الدولة الإسلامية،إنه يرى أن انتقال الغرب من امبراطورية الأمير إلى دولة المؤسسات و الحداثة السياسية و العلمانية المادية التي تستمد شرعيتها من كونها تمثل إرادة الشعب بوساطة انتخابات حرة كان نتيجة تحول تاريخي أفضى إلى ظهور طرف ثالث أثقلته الممارسات التعسفية لكل من الأمير و الكنيسة،طرف نافسهما في "الكعكة السياسية" و نازعهما فيها ألا و هو "الشعب"،فكانت النتيجة إصدار نظرية العقد أو التعاقد الاجتماعي -قبل روسو- التي تنص على أن سلطة الكنيسة من الله فهي أعلى،بينما سلطة الأمير من الشعب فهي أدنى،فقاد هذا التوزيع للسلطة إلى القول بأن الأمير إذا لم يعمل لخدمة شعبه و للمصلحة العليا فسيؤول أمره للعزل،و هكذا جاءت دولة العلمانية من أجل الحد من تدخل الكنيسة في السياسة و حصر مهمتها فيما هو روحي عقدي(و حتى ما هو عقدي انتقد فيما سمي ب"عصر الأنوار" على نطاق واسع) ،و تم بناء شرعية السلطة على التعاقد بين الأمير و الشعب،إذن لقد كانت التربة خصبة مواتية لقبول نبتة العلمانية علمانية،فالكنيسة كمؤسسة دينية مستقلة كانت تشارك في اتخاذ القرار السياسي،لذا "زحزحت" هذه الأخيرة عن السياسة و أدخلت تعديلات على المؤسسة المدنية ومن هنا عرفت العلمانية بفصل الدين(الكنيسة) عن السياسة. إن ما نخلص إليه من خلال قراءة "برتراند" هذا أن نقل فكر من محيط إلى آخر لابد أن يكون فيه ما يبرره نوعا من التبرير،و رحم الله المفكر الجزائري مالك بن نبي إذ يقول : "إن شيئا ما قد يموت إذا قطع عن وسطه الثقافي المعتاد" و في نفس السياق يقول الدكتور محمد عابد الجابري "إن التأثيرات الخارجية لا يكون لها مفعول إلا مع وجود استعداد داخلي مسبق"،فهل عرف الفكر الإسلامي فصلا بين الدين و الدولة و هل كانت هناك دولة تقبل الفصل عن الدين أو دين يقبل التمييز عن الدولة؟ على عكس الدولة الرومانية التي بُنِي صرحها قبل اعتناق دين سماوي،فإن الدولة في الإسلام تأسست على أسس دينية،لقد أعطى النبي صلى الله عليه و سلم الأولوية للإصلاح العقدي،و بعد أن غرس عقيدة التوحيد في النفوس و نشر أريجها في شبه الجزيرة، عمل على إنشاء دولة بالمدينة،فمرجعيتنا التراثية لا تحتمل هذه الثنائية (دين-دولة) بل إن العلاقة بينهما وطيدة لا يمكن تفكيكها،إذ الدين هو سند و مرجعية و إيديولوجية الدولة،و الدولة ليست سوى سلطة يناط إليها مهمة تطبيق الشريعة و الحكم بما أنزل الله،فأي دولة قامت إلا و تحمل معها مشروع إصلاح ديني،و الكل يلتمس شرعية إقامة دولته في إعلان خدمة الدين و تطبيق أوامره و الرفع من شأنه،و بالتالي فإن زرع العلمانية في العالم الإسلامي محاولة لغرس فكر في مناخ غير مناخه المعتاد،فليس ثمة ما قد يبرر الدعوة إلى العلمانية مع غياب تدخل مؤسسة دينية مستقلة تضاهي الكنيسة في السياسة،بل و لا عرف تراثنا إشكالية الدين و الدولة و إنما هما وجهان لعملة واحدة. و حتى إن افترضنا جدلا إمكانية فصل الدين عن السياسة،فإن السرطان العلماني لم يقتصر على إبعاد الدين مما هو سياسي ،بل طال كل المجالات الحياتية من اقتصاد و اجتماع و فن و أخلاق و من هنا لا دينية العلمانية،و قد يشاغب البعض و يقول إن العلمانية ليست ضد الدين بل من أراد أن يتدين فليتدين و نحن نرى من حولنا متدينين،و هنا يقول المفكر الإسلامي الدكتور محمد قطب في كتابه "العلمانية" : " أرأيت لو أن إنساناً أطلق حولك كل أنواع الجراثيم الموجودة في الأرض ، في الهواء الذي تتنفسه . في الماء الذي تشربه . في الطعام الذي تأكله . في الوجود الذي تلمسه . ثم قال لك إن أردت أن تظل سليماً معافى فكن كما شئت ، فنحن لا نتعرض لك كم يكون قوله مسخرة المساخر ، وكم يكون مغالطة مكشوفة ؟ وذلك فضلاً عن أنه في عرف نفسه لا يعتبر ما يطلقه من حولك جراثيم .. بل يعتبرك أنت الجرثومة التي يخشى منها على كيانه، والتي لم يستطع أن يقضي عليها قضاءً كاملاً فتركها وهو يتمنى – من الشيطان – أن تزول" و هناك محاولات جادة من العلمانيين لتسويغ الدين و جعله يخضع للمبادئ العلمانية باعتماد منهج اللي التعسفي العبثي لأعناق النصوص،فاستدلوا بالحديث النبوي "أنتم أدرى بأمور دنياكم"،و هذه الزيادة أوردها الإمام مسلم في صحيحه من الشواهد و المتابعات،و هي زيادة باطلة ليست في الرواية الصحيحة،وقد عُلم أن مسلم أورد أحاديث ضعيفة في صحيحه لتقوية الحديث الصحيح و تسمى "شواهد" أو "متابعات" و ثمة فرق بينهما و المقام لا يسمح لبيانه. و حتى إن افترضنا صحة الزيادة، فإن سياق الحديث يفند ادعاءات العلمانيين و مزاعهم،و لننظر إلى الحديث في شموليته،أخرج مسلم في صحيحه : "حدثنا قتيبة بن سعيد الثقفي وأبو كامل الجحدري –وتقاربا في اللفظ وهذا حديث قتيبة– قالا حدثنا أبو عوانة عن سماك عن موسى بن طلحة عن أبيه قال مررت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم بقوم على رءوس النخل، فقال: ما يصنع هؤلاء؟». فقالوا: يلقحونه، يجعلون الذكر في الأنثى فيلقح. فقال رسول الله : «ما أظن يُغني ذلك شيئاً». قال فأُخبروا بذلك فتركوه. فأُخبر رسول الله فقال: «إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه. فإني إنما ظننت ظناً. فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئاً فخذوا به، فإني لن أكذب على الله عز وجل". قال العلماء: ولم يكن هذا القول خبراً، وإنما كان ظناً كما بيّنه في هذه الروايات.(شرح صحيح مسلم للنووي) فالنبي صلى الله عليه و سلم لم يوجه خطابا مباشرا لهؤلاء الذين يلقحون النخل فلم يكن إذن أمرا يُتعبد به،بل سياق الحديث يفيدنا أن صحابيا أخبرهم بما قال نبي الله صلى الله عليه و سلم،كما أنه عليه الصلاة و السلام ذكر ذلك بصيغة غير يقينية فقال "ما أظن"،ثم عقّب "ولكن إذا حدثت?عن الله شيئا فخذوا به" و هذه الجملة تنسف كل المزاعم و تدحض الشبهة،إذ الإسلام لا يعرف الفصل و التمييز بين أمور الدين و الدنيا بل كما قال تبارك و تعالى "قل إن صلاتي و نسكي و محياي و مماتي لله رب العالمين"،و قد علق الإمام ابن عثيمين رحمه الله عن هذا الحديث فقال في حوار معه "لقد ضلوا فيما فهموا –أي العلمانيون-؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أنتم أعلم بأمور دنياكم) في أمر الصناعة، وأمر الحرفة، لو جاء النجار وقال: كيف يصنع الباب؟ هل هو أعلم أم الرسول؟ هل النجار الماهر بالصنعة أعلم كيف يصنع هذا الباب أم النبي صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: النجار؛ لأن الرسول تحدث عن هذا في أمر صناعي، وذلك أنه لما قدم المدينة وجد الناس يصعدون إلى فحل النخل، ويأخذون الطلع، ثم يصعدون إلى النخلة ويلقحونها، فكم تعب الإنسان؟ أربع مرات، صعود الفحل، والنزول منه، وصعود النخلة، والنزول منها، أربع مرات تقتضي جهداً ووقتاً، فقال لهم: (لو لم تفعلوا لصلح)؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يريد من المرء أن يكون حازماً، وألا يضيع دقيقة واحدة من عمره إلا في فائدة، فظن أن المسألة ليس فيها فائدة؛ لأنه لم يعش في بلد زراعة ونخيل، أين عاش؟ في مكة، في بلد غير ذي زرع، ولا يعرف من هذا شيئاً، فتركوا النخل بدون تلقيح، ففسد النخل، وخرج البلح شيصاً، فجاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله! فسد النخل، فقال لهم: (أنتم أعلم بأمور دنياكم). أي: أنتم أعلم في الحرفة والصنعة، لا في الحلال والحرام، ولهذا نظم الرسول صلى الله عليه وسلم بيع النخل، فقد نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، وأطول آية في القرآن تتعلق بالبيع والدين في أمور الدنيا. فهؤلاء الذين ظنوا أن وضع القوانين المخالفة للشرع في الحكم بين الناس والرجوع إليها عند التنازع أخطؤوا في فهم هذا الحديث" إن العلمانية ليست فصل للدين عن الدولة فقط بل هي منهج في الحياة و فلسفة تطول كل المجالات الحياتية،فلسفة قائمة على رفض الدين و رفض فكرة الإله و المقدس،لهذا فإننا نرفضها لأنها ضد غريزة التدين التي فطر الله الناس عليها،لأنها تلجم النفس حقها في إشباع رغباتها الروحية،و لأنها تجني على الإنسان الذي يحوي جسمه جينات التدين كما قالت الباحثة النفسية "لورا كوينج" ولكون علماء الأنثربولوجيا أثبتوا أن العقل البشري مصنوع بشكل يؤهل لتقبل فكرة الإيمان و اعتناق الدين،و ليس هذا فحسب ولكن لأسباب متعلقة بطبيعة الشعوب العربية التي "لا يحصل لهم الملك إلا بصيغة دينية من نبوة أو ولاية أو أثر عظيم من الدين على الجملة،و السبب في ذلك أنهم لخلق التوحش الذي فيهم أصعب الأمم انقيادا بعضهم لبعض و الأنفة وبعد الهمة والمنافسة في الرئاسة،فقلما تجتمع أهواؤهم،فإذا كان الدين بالنبوة أو الولاية كان الوازع لهم من أنفسهم و ذهب خلق الكبر و المنافسة منهم،فيسهل انقيادهم و اجتماعهم و ذلك بما يشملهم من الدين المذهب للغلظة و الأنفة الوازع عن التحاسد و التنافس،فإذا كان فيهم النبي أو الولي الذي يبعثهم على القيام بأمر الله، يذهب عنهم مذمومات الأخلاق، و يأخذهم بمحمودها ويؤلف كلمتهم لإظهار الحق،ثم اجتماعهم، و حصل لهم التغلب و الملك"(مقدمة ابن خلدون). [email protected]