احتفلت مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط (OCP)، الأسبوع الماضي، بالذكرى المئوية لتأسيسها، وهي مناسبة لرصد أبرز الأحداث التي مرت منها المؤسسة وكذا لجرد كرونولوجي لأهم المحطات التي عرفتها المغامرة الفوسفاطية في المغرب. يعود تاريخ هذه المؤسسة إلى عهد الحماية الفرنسية، حين أدرك الجنرال ليوطي، المقيم العام بالمغرب، الطابع الاستثنائي لاحتياطات الفوسفاط التي يتوفر عليها المغرب وقرر إسناد عمليات الاستكشاف والاستغلال إلى "الدولة الشريفة ولحسابها" حسب ظهير 27 يناير 1920، من أجل منع القوى والشركات الأجنبية من بسط سيطرتها على هذا المورد الهام. وتُعتبر الصيغة القانونية التي اعتمدها المكتب الشريف للفوسفاط فريدة من نوعها؛ فحسب الظهير المؤسس بتاريخ 7 غشت 1921، لا يتعلق الأمر بنظام للتدبير المباشر من الدولة أو من مؤسسة خاصة، بل تم اعتبار المكتب الشريف للفوسفاط آنذاك من المؤسسات التي لديها مساهم واحد فقط وهو "الدولة"، وهذا مكنها من الجمع بين مرونة القطاع الخاص وصرامة القطاع العمومي. في يونيو من سنة 1921، تم نقل أول شحنة للفوسفاط على متن القطار من بوجنيبة نحو ميناء الدارالبيضاء من أجل التصدير بواسطة عربات القطار المجهزة لهذا الغرض، حيث كان الشحن يتم بطريقة يدوية في بداية الاستغلال. وفي يوليوز من السنة نفسها، تم تصدير أول شحنة من الفوسفاط من ميناء الدارالبيضاء، حيث كان هذا الأخير هو الوحيد في المغرب الذي يمكن من تصدير الفوسفاط، وإلى غاية 1923، كان يتم شحن الفوسفاط في البواخر بآليات بسيطة وبشكل حصري تقريباً من خلال العنصر البشري. وفي تلك الفترة، كان معدل الشحن اليومي يصل إلى حوالي 1200 طن. بعد ذلك بأشهر قليلة، تم تعيين أول مدير عام للمكتب الشريف للفوسفاط، هو ألفريد بوجي (Alfred Beaugé)، وقد تم اختياره من قبل الجنرال ليوطي، ويتعلق الأمر بعالم مُتخصص في العلوم التقنية ولديه خبرة كبيرة كمسؤول في مناجم الفوسفاط بشركة قفصة في تونس. وحسب المعطيات التي نشرتها المجموعة بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيسها، لم يتسلم بوجي مهامه بشكل رسمي إلا بعد مرور سنة، وناب عنه في التسيير أندري ديلبي (André Delpit)، مدير الأشغال العمومية في بداية الحماية. خريبكة وبوجنيبة والسكة يُشير تاريخ المكتب الشريف للفوسفاط إلى أنه واجه منذ البداية مُشكلة في اليد العاملة وكان عليه تشييد المساكن لجذب وإيواء العمال القادمين من جميع أنحاء البلاد. وهكذا، تم الشروع في التخطيط الحضري عقب إنشاء المكتب من خلال إنشاء أولى البنايات بمدينة خريبكة، وهو ما يؤكد الدور الهام الذي لعبه في مجال الإعمار إلى جانب المجال الاجتماعي. وقد كان الفوسفاط المستخرج من منجم بوجنيبة رطباً يجب تجفيفه لتسهيل نقله، وفي البداية كانت هذه العملية تتم تحت أشعة الشمس، وكانت تستخدم أيضاً الجمال، البغال والحمير لتقليب الفوسفاط، وبالتالي تسريع عملية التجفيف، وقد شكل بناء أول مصنع للتجفيف مرحلة هامة في عملية المكننة وساهم بشكل كبير في الرفع من الطاقة الإنتاجية. في شتنبر من سنة 1923، تم البدء في تشغيل "أول خط سككي للفوسفاط"، وحتى ذلك الحين، كانت خريبكة تستفيد من الخط العسكري 0,6 متر، وبعد ذلك بشهر تم إنشاء أول فرن في المدينة لدعم وتعزيز فرن بوجنيبة الذي وصل إلى قدرته القصوى، واليوم يُعتبر هذا المصنع منطقة صناعية مقفرة تعمل مجموعة "OCP" على إعادة تأهيلها تخليداً لانطلاقة المغامرة الفوسفاطية بالمغرب وتكريم مدينة خريبكة "العاصمة العالمية للفوسفاط". مولاي يوسف وجنوب إفريقيا في شتنبر من سنة 1924، كانت المرة الأولى التي يزور فيها عاهل مغربي منشآت المكتب الشريف للفوسفاط، وقد تم نشر خبر جولة السلطان مولاي يوسف على الصفحة الأولى لصحيفة السعادة، المؤسسة الصحفية باللغة العربية المقربة من سلطات الحماية. بعد ذلك، قام السلاطين والملوك الأربعة الذين عرفهم المغرب منذ إنشاء المكتب الشريف للفوسفاط، بلا استثناء، بتدشين وافتتاح أهم منشآته الصناعية والمنجمية. في سنة 1925، تم تشغيل أول مصنع لمادة "السوبرفوسفات"، وهو عبارة عن فوسفاط قابل للذوبان يتم امتصاصه واستيعابه مباشرة من طرف التربة، وشكل هذا المصنع الأول للسوبرفوسفات، الذي تم إنشاؤه بميناء الدارالبيضاء، الخطوة الأولى لتثمين الفوسفاط الخام، الذي لن يعرف التطور الحقيقي وبشكل ملحوظ إلا بعد الاستقلال. في 25 أكتوبر من سنة 1925، كان المارشال ليوطي مسؤولاً عن القيادة العسكرية للقوات الفرنسية بالمغرب في مواجهة المقاومة الريفية والنجاحات العسكرية لمحمد بن عبد الكريم الخطابي ضد الإسبان، فتم تعويض ليوطي بالمارشال فيليب بيتان (Philippe Pétain)، وعُهدت إليه مهمة إخماد الثورة الريفية، فيما أصبح تيودور ستيغ (Théodore Stee) المقيم العام الجديد بالمغرب. في السنة نفسها، أي 1925، تم تصدير أول شحنة للفوسفاط المغربي إلى دولة غير أوروبية هي جنوب إفريقيا. فإذا كانت فرنسا هي الزبون الأول منذ سنة 1920، فإن البلدان الأخرى لم تتأخر في طلب الفوسفاط الغني للمكتب الشريف للفوسفاط، وهي الولاياتالمتحدة الأمريكية، أستراليا، نيوزيلندا، اليابان وكذا الاتحاد السوڤياتي ابتداءً من سنة 1929. 1,8 مليون طن سنة 1930، وصلت صادرات المكتب الشريف للفوسفاط إلى حوالي 1،8 مليون طن، ويتعلق الأمر هنا بذروة الصادرات لدى المكتب الذي شرع في رسم مساره لتجاوز منافسيه في شمال إفريقيا، لكن ابتداء من 1931 أصبحت تأثيرات الأزمة العالمية للكساد الكبير تظهر بشكل ملموس، حيث انخفضت صادرات المكتب إلى النصف، وفسح الانتعاش البسيط في سنوات الثلاثينات المجال لتقنين الحصص وإقامة الحواجز التجارية لاقتصاد الحرب بين سنتي 1940 و1945. وفي سنة 1936، شهد المكتب أول حركة للإضرابات، فبعدما تم تشغيل محطة الكهرباء بخريبكة ب170 عاملاً، طالب هؤلاء بالاعتراف بالنقابة المهنية وإنشاء نظام أساسي للعمال، إلى جانب تحديد مدة العمل في 8 ساعات يومياً، وقد تم استثناء العمال المغاربة من هذه المكاسب الاجتماعية الجديدة. بعد ذلك بسنة، تواصلت الدفعة القوية التي تولدت عن إضرابات يونيو 1936 وهمت العمال المغاربة الذين طالبوا على وجه الخصوص بزيادة أجورهم إلى 2،5 فرنك بدلاً من فرنك واحد، وتفجرت هذه الإضرابات ابتداء من 19 يناير 1937، وكانت المظاهرات عنيفة، وتم اعتقال حوالي ستين شخصاً. مغربة المكتب في مارس من سنة 1956، تم الإعلان رسمياً عن استقلال المغرب، وتمت المغربة داخل المكتب الشريف للفوسفاط بسلاسة، حيث تم سنة 1958 تعيين امحمد الزغاري على رأس المكتب، وهو يعتبر أول مدير عام مغربي له. وكان الزغاري أحد الموقعين على وثيقة الاستقلال والشخصية المعتدلة في حزب الاستقلال متواجداً في أول حكومة مغربية بعد الاستقلال، حيث أصبح وزيراً للدفاع قبل تعيينه بعد ذلك سفيرًا في باريس سنة 1957، تم استدعاؤه سنة 1958 لقيادة المكتب الشريف للفوسفاط قبل أن يغادره سنة بعد ذلك ليصبح أول والي لبنك المغرب. الحامض الفوسفوري في 15 يونيو 1965، تم افتتاح أول مركب كيماوي للمكتب الشريف للفوسفاط بآسفي من طرف الملك الراحل الحسن الثاني، أطلق عليه اسم "Maroc Chimie"، وتم إنجازه تحت إشراف مكتب الدراسات والمساهمات الصناعية (BEPI). ويعمل هذا المركب الكيماوي على إنتاج الحامض الفوسفوري من الفوسفاط المستخرج من فوسفاط منجم اليوسفية، ويتعلق الأمر هنا بحقبة جديدة في تاريخ "OCP" تم فيها البدء في تثمين الفوسفاط وتنويع تشكيلة المنتجات. وهكذا، تمكن المغرب من رفع قيمة سلسلة إنتاج الفوسفاط وفرض اسمه في أسواق الحامض الفوسفوري. وفي سنة 1976، سيستضيف مركب آسفي أيضاً "مغرب فوسفور 1" و"كيماويات المغرب 2"، بينما سيتم إطلاق "مغرب فوسفور 2" سنة 1981. مكتب في الهند سنة 1990، تم افتتاح أول مكتب تمثيلي لمجموعة "OCP" على الصعيد الدولي، يتعلق الأمر بمكتب "OCP" بالهند، ومنذ ذلك الحين، واصلت المجموعة توسعها على الصعيد الدولي من خلال افتتاح مكاتب أخرى وخلق العديد من الشراكات. أبرز الشراكات آنذاك كانت من خلال "OCP البرازيل" سنة 2009، و"OCP الأرجنتين" سنة 2011، و"BSFT"، المشروع المشترك مع المجموعة التركية "Toros Tarim" سنة 2012، ومكتبي إثيوبيا وسنغافورة سنة 2015، وفي سنة 2016 مكاتب الولاياتالمتحدة الأمريكية، الصين، سويسرا والإمارات العربية المتحدة. برادة وجطو والتراب في نونبر من سنة 1999، تم تعيين محمد برادة، وزير المالية السفير الأسبق للمغرب في فرنسا، على رأس مجموعة "OCP" خلفاً لمراد الشريف، وبعد ذلك بسنة عين برادة على رأس الخطوط الملكية المغربية (RAM). خلال تلك السنة تم تعويض برادة على رأس "OCP" بادريس جطو، الذي يعرف المجموعة جيداً باعتباره وزيراً سابقاً للتجارة والصناعة بين 1993 و1997 ووزيراً للمالية بين 1997 و1998. سنة 2006، تم تعيين مصطفى التراب، الذي كان يشغل منصب المدير العام للوكالة الوطنية لتقنين المواصلات (1998) ورئيس الاختصاصيين في التنظيم بالبنك الدولي (واشنطن، 2002)، من طرف الملك محمد السادس على رأس مجموعة "OCP"، وحالياً، يشغل التراب أيضاً رئيس جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية ورئيس الجمعية الدولية للأسمدة (IFA) منذ يونيو 2019. بعد تعيينه بسنتين، أطلق التراب برنامجاً طموحاً للتحول الصناعي يهدف إلى مضاعفة القدرات المنجمية مرتين ومضاعفة قدرات التحويل ثلاث مرات في أفق 2025. وتهدف الاستراتيجية الصناعية إلى تعزيز ريادة المجموعة في سوق الفوسفاط الخام والحامض الفوسفوري، وخصوصاً احتلال الريادة في سوق المنتجات الفوسفاطية ذات القيمة المضافة العالية. على المستوى القانوني، تحولت المجموعة خلال السنة نفسها إلى شركة مجهولة، وهي نقطة تحول تاريخية لكنها تمت بتكلفة باهظة، حيث تمت الاستعانة بمصادر خارجية لتدبير صندوق التقاعد الداخلي، وهو ما تطلب حوالي 33 مليار درهم، ولكن في المقابل، ساهم هذا الإجراء في تخفيف أعباء المجموعة من ديون صندوق التقاعد ومكنها من التطلع إلى المستقبل بكل ثقة. أطول أنبوب وجامعة وآلية المثمر سنة 2014، شهدت المجموعة تشغيل أنبوب نقل لباب الفوسفاط الرابط بين خريبكة والجرف الأصفر، ويتعلق الأمر بأطول أنبوب لنقل لباب الفوسفاط في العالم، يربط الموقع المنجمي لخريبكة بالمنصة الصناعية للجرف الأصفر على طول 235 كلم. ويمكن هذا الأنبوب من نقل الفوسفاط على شكل لباب مكون من 60 في المائة من الفوسفاط الخام و40 في المائة من الماء، كما يساهم في الرفع من قدرة مجموعة "OCP" على ترشيد عملياتها الصناعية وتقليل التأثيرات البيئية بشكل كبير. في يناير من سنة 2017، عرفت المجموعة حدثاً متميزاً تمثل في تدشين جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية (UM6P) من طرف الملك محمد السادس بالمدينة الخضراء لابن جرير. تعتبر هذه الجامعة مؤسسة موجهة نحو البحث التطبيقي والابتكار ومنفتحة على إفريقيا والعالم، وتعمل على تطوير أنماط مبتكرة للتعليم من خلال المحتويات والدروس عن بُعد التي تتمحور حول التكنولوجيا الرقمية الرائدة. سنة بعد ذلك، تم إطلاق آلية المثمر لخدمات القرب من أجل مواكبة الفلاحين المغاربة بشكل أفضل من أجل إنشاء مقاولات مربحة ومستدامة والتحسيس بأسس الممارسات الفلاحية الجيدة. وتتضمن آلية القرب مختبراً لتحليل التربة، ومنصات تطبيقية وكذا عروضاً للتكوين والمواكبة تلائم احتياجات الفلاحين، ويتواجد النهج العلمي في صُلب الآلية باعتباره الرافعة الأساسية لتحقيق فلاحة مثمرة ومستدامة. رقم المعاملات تفيد أرقام سنة 2019 بأن رقم معاملات مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط بلغ 54,09 مليار درهم، وهو رقم يجعلها ضمن أكبر المؤسسات الوطنية، فهي توظف حوالي 21 ألف متعاون، وهي اليوم رائد عالمي في المنتجات الفوسفاطية، كما وضعت إفريقيا في قلب استراتيجيتها التنموية عبر برامجها المتعددة من أجل خدمة القطاع الفلاحي. وبفضل الريادة العالمية، تمكنت المجموعة من عقد شراكات عدة مع شركات أجنبية، كما تتوفر اليوم على شركات فرعية في مختلف القارات، حيث تساهم من خلال منتجاتها في الأمن الغذائي العالمي، فصادراتها من الأسمدة بلغت السنة الماضية حوالي تسعة ملايين طن، وهي بذلك أكبر مصدر للفوسفاط في العالم.