فيما تستمر المواجهات الليلية في مدينة بورتلاند بين بعض المحتجين وقوات الأمن الفيدرالية الأمريكية، يجهز هؤلاء المتظاهرون أنفسهم لمواجهة هذه القوات بشكل يومي. وتدخل المظاهرات في المدينة شهرها الثالث على التوالي، على خلفية وفاة المواطن الأمريكي ذي الأصول الإفريقية جورج فلويد، إذ تطالب هذه الاحتجاجات بتفكيك أجهزة الشرطة ومغادرة القوات الفيدرالية للمدينة وتخصيص ميزانيات أكبر للمجتمعات الهشة. وانتقلت هسبريس إلى ولاية أوريغون حيث تتواجد مدينة بورتلاند، لمتابعة هذه الاحتجاجات المستمرة، خصوصا بعد أن اتخذت منحى عنيفا خلال الأسابيع القليلة الماضية. تبدأ الاحتجاجات في مركز المدينة أمام المحكمة الفيدرالية هادئة، يردد خلالها المحتجون شعارات منددة بالعنصرية في الولاياتالمتحدة؛ لكن هذا الهدوء لا يستمر طويلا قبل أن يتحول محيط المحكمة إلى ما يشبه "ساحة حرب" بين المحتجين وعناصر الأمن، ويستمر هذا "الكر والفر" إلى أولى الساعات الأولى من صباح اليوم الموالي. تدق عقارب الساعة الحادية عشرة والنصف ليلا، لتبدأ "حفلة الغازات المسيلة للدموع"؛ وذلك بعد محاولة بعض المحتجين كسر السياج الحديدي الذي أنشأته القوات الأمنية لحماية مبنى المحكمة الفيدرالية. قبيل بداية إطلاق الغازات المسيلة للدموع، يصيح أحد المحتجين: "على القوات الفيدرالية الانسحاب من بورتلاند.. بورتلاند الحرة"؛ فيما تقوم محتجة أخرى بتوزيع قنينات مياه ومواد طبية تخفف من أثر هذه الغازات. في الوقت نفسه، تقوم فرقة موسيقية بعزف موسيقى حماسية؛ فيما يقوم متظاهرون بحمل مكبرات للصوت تصدح بأغنية "هذه أمريكا"، لمغني الراب الأمريكي دونالد غلوفر، وهي إحدى أبرز الأغاني السياسية التي تندد بالعنصرية والعنف في الولاياتالمتحدة. ويبدو أن عددا من هؤلاء المتظاهرين يدركون أهمية عامل التحفيز في مواصلة هذه الاحتجاجات واستمرار اشتعالها على خلاف ما حدث في عدد من ولايات البلاد حيث تراجعت حدة هذه الاحتجاجات، إذ يقوم عدد منهم برفع معنويات بعضهم، كما هو الحال بالنسبة لأحدهم الذي ظل يردد "لا داعي للخوف، إنها مجرد غازات مسيلة للدموع، هذا ما يحدث كل يوم، لا داعي للخوف، استرخوا". غازات مقابل إضرام النار بعد المظاهرات السلمية التي تعرف مشاركة الآلاف في الشوارع المحيطة بالمحكمة الفدرالية، يبدأ بعض المحتجين بإضرام النار بالقرب من هذه المحكمة، ومحاولة تكسير السياج الحديدي المحيط بها. ويستعمل بعض المحتجين مفرقعات وأشعة الليزر التي يتم توجيهها نحو عناصر الأمن.. وهذا ما دفع ويليام بار، وزير العدل الأمريكي، ليقول خلال الإدلاء بشهادته في مجلس النواب، أول أمس الثلاثاء، إن وجود هذه العناصر الفيدرالية هو من أجل حماية المحكمة وليس منع المحتجين من التظاهر، مشيرا إلى أن عددا من هذه العناصر تعرض لإصابات كبيرة استدعت نقلهم إلى المستشفى بسبب هجوم المتظاهرين. واعتبر وزير العدل أن هذه الاحتجاجات "تم اختطافها من قبل المخربين والفوضويين"، مشيرا إلى أن "عناصر الأمن توجد فقط داخل مبنى المحكمة وليس خارجها". وعاينت هسبريس وجود هذه العناصر في الداخل؛ لكنها سرعان ما تخرج لتفريق المتظاهرين، وتستعمل الرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع، في الوقت الذي يبدي فيه المتظاهرون مقاومة كبيرة لهذا الهجوم. هذه المقاومة تقوم عبر استعمال كمامات مقاومة للغازات المسيلة للدموع، وخوذات تغطي الرأس، بالإضافة إلى نظارات واقية ضد هذه القنابل. أما لمواجهة الرصاص المطاطي، فقد ابتكر المحتجون وسائل عديدة لحماية أنفسهم من "لسعات" هذا الرصاص، إذ يستعملون مظلات عملاقة تغطي السياج الحديدي الذي يفصل بينهم وبين المحكمة، كما أن عددا منهم يستعمل قطعا من الخشب شبيهة ب"الواقيات" التي تستعملها شرطة مكافحة الشغب. هذه الوسائل التي يستعملها المحتجون ساهمت بشكل كبير في صمودهم أمام المحكمة لأسابيع، خصوصا بعد أن اتسعت رقعة هذه الاحتجاجات في المدينة بعد دخول الأجهزة الأمنية الفيدرالية على الخط. يتعامل المحتجون بحذر شديد حينما يتحدثون لوسائل الإعلام، خصوصا حينما تبدأ المواجهات، ويرفض عدد منهم الحديث خوفا من المتابعة من قبل السلطات الفيدرالية. تكتفي دانييل، البالغة من العمر 24، بذكر اسمها الأول، خوفا مما تسميه "انتقام الحكومة"؛ لكنها تبدي إعجابها "الكبير" بهذه الاحتجاجات، قائلة "أشارك في مظاهرات من هذا النوع لأول مرة في حياتي، وجئت إلى هنا لممارسة حقي الدستوري في الاحتجاج". وتضيف المواطنة الأمريكية في حديث لهسبريس: "حياة السود مهمة، ولن نقول أن أي حياة مهمة حتى تحقيق مطالب المحتجين، بوضع حد للعنصرية النظامية في الولاياتالمتحدة، والنهوض بأوضاع الأقليات التي تعاني من التهميش"، حسب تعبيرها. وإلى جانب المتطوعين الذين كانوا يوزعون قنينات المياه على المتظاهرين، يسجل الأطباء والممرضون حضورا لافتا خلال هذه الاحتجاجات؛ وذلك من أجل تقديم المساعدات الطبية للمحتجين، خصوصا بعد إطلاق القنابل المسيلة للدموع، إذ شوهد عدد من المتظاهرين على الأرض وهم يتنفسون بصعوبة بسبب هذه الغازات. وتطالب السلطات المحلية لمدينة بورتلاند بانسحاب القوات الفيدرالية من المدينة، إذ وصف العمدة تيد ويلر هذا الوجود ب"الاحتلال"، كما اعتبر أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يستعمل هذه القوات ل"خدمة أغراضه السياسية"؛ في حين يصف الرئيس من يقود هذه الاحتجاجات ب"المخربين والفوضويين".