المغرب إلى أين ؟ أصعب و أعوص سؤال الذي لن يجد بدا من طرحه المواطن العادي و المتابع و السياسي و الباحث و المحلل و المحلَّل له؟ إنه السؤال الذي تخفى إجابته و ملامحه على الجميع من دون استثناء!و الجواب الذي يوحد الأمي و المتعلم لأنهم مهما تفننوا في صياغة العبارات و التحاليل فإنهم في الأخير سيصلون إلى خلاصة واحدة و وحيدة هي لا أدري؟و عموما يمكن تقسيم التقييم العام للحالة المغربية إلى ثلاث مراحل : مرحلة اللا معنى: و تنتهي قبل 20 فبراير 2011، حيث فقدت الحياة السياسية في المغرب للمعنى، فمثلا لا معنى لأن ندخل في مرحلة التناوب في 1998 لنختمها بمرحلة التخبط 2002 -2007عنوانها رئيس وزراء تقنوقراطي، تدوم إلى غاية 2007 و ينتج عنها طلاق مع الصناديق و زواج مع الضيق، و تبلغ أوجها بميلاد حزب السلطة أو الوافد الجديد الذي أصبح قوة برلمانية بين عشية و ضحاها! مرحلة عودة الأمل: و هي مرحلة 20 فبراير إلى يونيو 2012 قبل ظهور معالم الدستور الجديد. مرحلة المجهول: بداية من 1 يوليوز2011. حدث في مثل هذا اليوم في مثل هذا اليوم من 20 فبراير* من السنة الماضية انطلقت دعوات للتغيير،شادة إليها الأنظار، و مترجمة رغبة حقيقية للتغيير. بيد أنها كانت رغبات بإرادات مختلفة و متفاوتة! في الأول سعى المخزن بآلته و أبواقه الإعلامية إلى شيطنة الدعوة و تكفير اليوم العشرين، و قذف كل داع لهذا اليوم بالنعوت القدحية، من قبيل العمالة للبوليساريو زعما البوليزاريو لقى ما ياكل باش يمول المغاربة! ثم إذا كان البوليزاريو بهذه القدرة على الحشد و التمويل ،فهذا شيء رهيب فعلا! ثم تهم المروق عن الدين و وكالة رمضان تحديدا– و استثني ذكر وكالة المال العام -و غيرها من النعوت؟ و جاء اليوم المنتظر، وبلغت قلوب المخزن الحناجر مخافة أن يكون يوم إعادة العقارب إلى الصفر. فماذا حدث في هذا اليوم، و هل كان يوم قطيعة مع الماضي؟ لقد كان المغرب أمام أربعة سيناريوهات: 1- سيناريو تكريس الاستثناء المغربي بعدم تلبية الدعوة.و يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم. 2- سيناريو خروج محتشم في عدد من المناطق التي قد لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، و طبعا المهم المشاركة " و امْرِيضْنَا مَا عَنْدُو بَاسْ! 3- سينايور الخروج و الثورة العارمة أو بدايتها. 4- سيناريو ما بين المنزلتين. وهكذا تحقق السيناريو الأخير، فقد خرج المغاربة في أزيد من 40 مدينة و من دون سابق إنذار أو تنسيق ، علما أن التعبئة لهذا اليوم كانت متفاوتة! لأن حتى الهيآت التي خرجت لم تكن تعرف ماذا سيحدث أو حجم الاستجابة؟ و استمر الخروج على الرغم من القمع كما حدث في شهر ماي الأحمر الذي سالت فيه الدماء. بيد أن هذا الخروج لم يكن كافيا لأن الغالبية من المغاربة بقيت متفرجة منتظرة!فقلوبها مع 20 فبراير، و أرجلها فوق الرصيف و أعينها تراقب من بعيد و لسان حالها :"الله ينصر من اصبح" !و لكن إذا كانت هذه الملايين لم تخرج في المسيرات الداعية إلى التغيير، فإنها في المقابل لم تلزم صمتها المعتاد، بل أضحت تجهر بصوتها و مطالبها الفردية و الفئوية بأصوات مرتفعة و من دون مقدمات او تحفظات،بل وتحرق أجسادها في الشوارع العامة و تنادي بالإنصاف و العدالة و رد الحقوق و المظالم. وهذا ما جعل الحالة المغربية جد معقدة و صعبة الفهم!فالمواطن مستاء و متذمر بشكل غير مسبوق، و لكن سعيه للتغيير هو سعي فردي و ليس جماعي! حالة لا توجد إلا في المغرب! مشهد محتقن و معقد إلى أبعد الحدود! و مؤشر دال على انتقال الحراك في المغرب من حراك بجبهة موحدة كانت هي جبهة 20 فبراير، إلى حراك يومي فردي بمطالب اجتماعية بالأساس و لكن ظلالها لا تبتعد عن السياسة كثيرا. 35 مليون قضية؟ وعوض أن يكون للمغاربة قضية واحدة يتفقون عليها أصبح لهم 35 مليون قضية! لكل مغربي قضيته الخاصة!قد يقول قائل بأن هذا ما سعى له المخزن منذ زمن بعيد متبنيا سياسة فرق تسد! هذا صحيح إلى حد ما!و لكن في الماضي كانت مناطق التوتر محدودة، و كان من الممكن استيعاب أو تلبية مطالب الفئات المحتجة أو قمعها و لو أدى ذلك إلى سقوط أرواح كما حدث في سنوات الرصاص. لكن الواقع غير الواقع، فمن الصعب قمع منطقة من المناطق و فيها هاتف نقال واحد مجهز بكاميرا!ثم إن المناطق تكاد تكون متشابهة، لأن حالة الهشاشة الاجتماعية و الاقتصادية و البطالة هي اللغة السائدة في المغرب!زد على ذلك، فالخرق قد اتسع كثيرا و من الصعب استيعاب هذه المطالب الاجتماعية إلا بسياسة حقيقية تبدأ أولا بمحاسبة المفسدين و ناهبي المال العام و استرجاع الأموال المنهوبة. و إعادة الأمل للمغاربة والشيء البعيد المنال! و ليس من الصدفة أن يكون عنوان المرحلة هو مدرب الفريق الوطني غيريتس الذي مجرد ذكر راتبه الفخم الخيالي القاروني يعد سرا من أسرار الدولة؟ فكيف بمحاسبة من أتى به و دبج ذلك العقد الفريد أو البليد الذي جعل مؤخر الطلاق " يَتْقَامْ على المغاربة بَغْسِيلْ الفَنْدَقْ!في تناقض تام مع ثقافة المغاربة القائلة بأن دخول الحمام ماشي بحال خروجه،و لكن يبدو أن فخامة غيريتس قد كسر هذه القاعدة و أصبح الدخول مثل الخروج! إن الذي اعتبر وصول حزب إخوان بي جي دي ثورة! فأكيد أنه كان يقصد ثورة لهم و ليس للمغاربة. و إلا فكيف تعجز هذه الثورة بجلالة قدرها على مجرد الكشف عن عورة راتب المدرب الوطني!أما ثورة التغيير و الإصلاح الحقيقية فلا بد و أن تبدأ بسؤال مهم و جوهري، فقبل الإصلاح لا بد من الحديث عن الإفساد!فمن أفسد ؟ و ما حجم ما أفسد؟ ووو إنها خطوات بديهية من أجل الولوج إلى الإصلاح. لقد تفننت الآلة المخزنية مدعومة بثورة الصندوق للترويج لهذا الحدث التاريخي! و فعلوا كما فعل في سنة 1998 بوصول حكومة اليوسفي التي قيل يومها أنها دواء المغرب من السكتة القلبية، ليتضح بعد ذلك أنها مجرد مرحلة انتقالية تنشيطية لا غير،من دون حتى علم اليوسفي نفسه الذي أحس بالإهانة مقررا العودة إلى المنفى الاختياري. و الغريب أنه حتى الآلة المخزنية أصبحت تقفز على ذكر هذه المرحلة بما فيهم إخوان لايت الذين يبدوا أنهم يرون بأن التاريخ في المغرب يبدأ من يوم 25 نومبر! إن الترويج لصورة وزير و هو يشرب البِيصَارَة و آخر يركب مصعدا مع العمال. ليست ثورة في شيء، و الله يجعل ما ايْجِي كَاعْ حَفْيَانْ للوزارة المغاربة وَاشْ غَادِي يطلع ليهم مَنْ هَاذْ الشِي! الثورة الحقيقية هي أن يرى المغاربة ناهبي المال العام خلف القضبان من دون استثناء، و قبلها يرون أموالهم المنهوبة تعاد إليهم. و يرون حقهم في التطبيب رأي العين، و يرون و يلمسون حقوقهم بأيديهم.بل أضعف الإيمان أن يفتح تحقيق حول مهزلة صاحب الفخامة غيريتس و من المسؤول عن ذلك العقد الطلاسيمي؟ و من المسؤول عن تبذير أموال الشعب؟ و بالمناسبة إذا كان ممكنا فالمرجو أن نعرف كم يكلفنا "كلب" غيريتس كذلك؟و هل هناك بند كَلْبِيُُّ في العقد الفريد، أم إيواؤه في تلك الفيلا الفخمة فيها ريثما يعود فخامة غريتس سريعا و معه الكأس بعد نزهة مَارَابْيَا أو نزهة مَارُوخَا! كان مجرد كرم حاتمي؟من أصحاب القلوب الرحيمة على الحيوان القاسية على الإنسان؟ ركاب لا يعرفون وجهتهم؟ والخلاصة أننا أضعنا لحظة تاريخية للتغيير الهادئ و الحقيقي، لحظة لا أظن أنها ستتاح لنا مرة أخرى، لحظة أكيدا أن من فوتها سيندم عليها كثيرا. لقد كان من الممكن أن نحدث ثورة تغيرية هادئة من دون إراقة دماء و لا إحداث فتنة و لا إهدار كرامة أحد. و لكن جزى الله من كان سببا حتى فاتنا القطار، بل منهم من تبجح حقيقة بفوات القطار،مرددا و كاتبا و معلقا: فاتكم القطار! فعلا فاتنا جميعا ركوب قطار التاريخ، و في المقابل كتب علينا أن نتقاسم قطارا يتحرك بسرعة تختلف من أحد إلى آخر، و لكن لا أحد من راكبي القطار و بما فيهم الطاقم التقني يعرفون الوجهة؟ و الركاب ال 35 مليونا متخاصمون مشتتون! و كل راكب يجعل من مصلحته وحده معيارا لقياس مصلحة الوطن! و استقراره المادي و الاجتماعي معيارا لقياس استقرار الوطن! فطالما هو مستقر فالوطن كذلك مستقر!أكثر من ذلك يخيل لعدد من راكبي الدرجة الممتازة المكيفة تكييفا بأنهم خارج القطار و لا علاقة لهم به!و هذا عين الوهم.على العكس من راكبي الدرجة "المُكَرْسَفَة" الذين يرون أنهم ليس لديهم ما يخسرون طالما هم "امْكَرْفْسِيْن امْكَرْفْسِيْن ". * المقال كتب بمناسبة سنة على 20 فبراير2011 [email protected]