لأول مرة منذ إحداثه واستقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، حضر محمد بنعبد القادر، وزير العدل، اجتماع المجلس الأعلى للسلطة القضائية، صباح اليوم الثلاثاء بمقر المؤسسة الدستورية بالرباط. ويأتي حضور وزير العدل ضمن أشغال المجلس الأعلى للسلطة القضائية في إطار مقتضيات المادة 54 من القانون التنظيمي رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، التي نصت على إمكانية حضور الوزير المكلف بالعدل لاجتماعات المجلس الأعلى للسلطة القضائية من أجل تقديم بيانات ومعلومات تتعلق بالإدارة القضائية أو أي موضوع يتعلق بسير مرفق العدالة. وأشاد مصطفى فارس، الرئيس الأول لمحكمة النقض الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ب"الجهود الكبرى التي بذلها وزراء العدل السابقون الذين ساهموا معنا جنبا إلى جنب بكل وطنية من أجل تأسيس جسور شراكة حقيقية بين السلطتين في جو من الاحترام والحوار البناء، والانخراط التام من أجل بناء تقاليد وممارسات فضلى ووضع آليات ناجعة تكون حصنا لهذا الاستقلال في مواجهة كل التحديات والإكراهات". وأوضح فارس، في مداخلته بحضور وزير العدل والوكيل العام للملك ورئيس النيابة العامة وأعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية، أن "حالة الطوارئ، التي نعيش تحت وقعها، شكلت فرصة ملائمة لنعبر جميعا كسلط ومؤسسات عن استمرارية انخراطنا في دينامية التعاون من أجل مواجهة كل إكراهات الوضع الصحي الاستثنائي الذي تعرفه الإنسانية بسبب تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد وما نتج عنه من تداعيات على مرفق العدالة". واعتبر المسؤول القضائي أن المنظومة القضائية استطاعت، خلال محطة "كوفيد 19"، أن تتجاوز كثير من العقبات نتيجة وجود أرضية صلبة تستند على "قيم الشراكة والتضامن والمبادرة، والتي خولتنا اتخاذ العديد من القرارات المهمة والتدابير الناجعة غير المسبوقة وأن نحقق حصيلة متميزة على مختلف المستويات". "لقد كنا أمام محطة وامتحان استثنائي صعب، برهانات متعددة، مما ألزمنا كثيرا من التنسيق وتوحيد الجهود والحوار الدائم من أجل ضمان استمرارية أداء مسؤولياتنا وواجباتنا الدستورية والقانونية والحقوقية والإنسانية بموازاة مع ضمان تفعيل كل التدابير الوقائية والاحترازية التي تحفظ صحة وسلامة الجميع"، يورد الرئيس الأول لمحكمة النقض الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية. وأكد فارس أن التحديات المستقبلية للعدالة، سواء وطنيا أو دوليا، "لن نتمكن من مواجهاتها إلا بتقيدنا جميعا بنفس الرؤية والمقاربة الإستراتيجية وبنفس روح الشراكة والتعاون واحترام الأسس والركائز بعيدا عن أي منطق غير المصلحة الفضلى للوطن". من جهته، قال محمد بنعبد القادر، وزير العدل، إنه على "الرغم من قِصَرِ المدة التي مضت على إحداث المجلس الأعلى للسلطة القضائية باعتباره مؤسسة دستورية مكلفة بتطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة، والمساهمة في تدبير قطاع العدل ببلادنا، فإن ما حققه المجلس من نجاحات ومنجزات وما راكمه من تجارب وخبرات مكنه من المساهمة بشكل فعال في تنزيل ميثاق إصلاح منظومة العدالة، وتعزيز مكانة السلطة القضائية ببلادنا وضمان استقلاليتها". ويرى الوزير بنعبد القادر، في كلمته، أن "الجدل الفقهي والسياسي الذي عادة ما يصاحب المراحل الانتقالية في مسار استقلال السلطة القضائية، والذي أحيانا بدل أن يضمن نجاح هذا الانتقال، يزج به في إشكالات مفتعلة عقيمة ومتاهات قانونية لا تنتهي". وأوضح وزير العدل "إذا كان القصد باستقلالية القضاء هو عدم وجود أي تأثير مادي أو معنوي أو تدخل مباشر أو غير مباشر في عمل السلطة القضائية، بالشكل الذي يمكن أن يؤثر في عملها المرتبط بتحقيق العدالة، فإننا نعتبر إشكالية استقلالية السلطة القضائية مسألة محسومة في سياقنا الوطني، لما تتمتع به من ضمانة أساسية يجسدها جلالة الملك أعزه الله، كما أوضح ذلك جلالته في رسالته السامية الموجهة إلى المشاركين في المؤتمر الدولي الأول للعدالة بمراكش سنة 2018". وأشار بنعبد القادر إلى أن حضور وزير العدل بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية لتقديم عرض حول تدبير الإدارة القضائية وتنزيل المخطط التشريعي يعد بادرة هي الأولى من نوعها منذ تنصيب المجلس الأعلى للسلطة القضائية، معتبراً ذلك "تمرينا آخر يغني التجربة المغربية ويؤصل خصوصيتها، ويفتح آفاقا واعدة للتعاون بين وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وينبغي أن نحافظ عليه ونسعى إلى تعزيزه وتكريسه". واستعرض الوزير بنعبد القادر، في عرض قدمه، مختلف التدابير والخطوات التي اتخذها على رأس وزارة العدل منذ توليه المسؤولية قبل نحو تسعة أشهر من الآن وصولاً إلى طريقة تدبير قطاع العدل في ظل جائحة "كورونا". وأكد المسؤول الحكومي ذاته، في ختام كلمته، أن وزارة العدل "تظل دائما عونا وسندا للسلطة القضائية في إطار ما يدخل ضمن صلاحياتها واختصاصاتها ودون المساس باستقلالية القضاء".