رهانات الأحزاب للمحطة الانتخابية لسنة 2020 (الجزء الأول) ينتظر أن تعرف الساحة السياسية المغربية بعد حوالي سنة من الآن، أطوار الانتخابات التشريعية والجماعية، والتي على أساسها ستتحدد الخارطة السياسية، وستفرز التحالف الحكومي الذي سيقود البلاد لخمس سنوات أخرى، وهو ما يعني أن الأحزاب السياسية المغربية، بدأت تدخل مرحلة الاستعداد للحملة الانتخابية، وستعمل على تجنيد كافة إمكانياتها التنظيمية والسياسية واللوجيستيكية استعداد لهاتين المحطتين البالغتي الأهمية، خاصة وأن تزامن الانتخابات التشريعية والجماعية، سيفرض على الأحزاب السياسية بدل مجهودات استثنائية حتى تتمكن من تغطيت جميع الدوائر الانتخابية وإدارة الحملتين بالطريقة المناسبة التي تمكنها من ضمان موقع متقدم في المشهد السياسي المغربي. وإذا ما تجاوزنا الانتخابات الجماعية على اعتبار أنها تعتمد على مفهوم ديمقراطية القرب، والتي تفرض على المتقدم إليها التواجد بشكل دائم ومستمر إلى جانب المواطنين والعمل على الاستجابة لمتطلباتهم الشبه يومية، وهو ما يمكننا من القول أن العامل الحاسم في هذا النوع من الانتخابات هو العامل الشخصي، أي أن سمعت المرشح وقدرته التواصلية وتواجده اليومي مع المواطنين وامتداده الاجتماعي وحتى الأسري، تعتبر عوامل مؤثرة جدا، إن لم أقل هي المحدد الرئيسي في حسم الانتخابات الجماعية. على عكس الانتخابات التشريعية، فهذه الأخيرة وإن كانت لا تلغي العامل الشخصي، إلا أن نتائجها تتحدد بشكل كبير بما هو سياسي، بمعنى أن التوجه السياسي للحزب، وحضوره على الساحة السياسية ومشروعه المجتمعي، وبرنامجه السياسي والانتخابي... كلها عوامل مؤثرة من شأنها تحديد نتيجة الانتخابات التشريعية. من المؤكد أنه منذ الآن ستتجه الأنظار إلى الأحزاب الكبرى، باعتبارها القوى السياسية الأكثر تأثيرا في المشهد السياسي، وكذلك القادرة على أن تتنافس بشراسة على المراتب الأولى، وخاصة حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، باعتبارهما صاحبا المرتبة الأولى والثانية في الانتخابات التشريعية لسنة 2016، والمرشحين بقوة لحسم المرتبة الأولى، إضافة إلى طبيعة العلاقة التي انتظمت بينهما منذ بروز حزب الأصالة والمعاصرة سنة 2008 إلى يومنا هذا والتي اتسمت بالصراع الضاري، فضلا عن مخرجات المؤتمر الوطني الرابع لحزب الأصالة والمعاصرة وطموحات قيادته الجديدة، والتي طبعا لن ترضى إلا بتحقيق نتائج إيجابية خلال المحطة الانتخابية القادمة. لذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه بحدة في وقتنا الراهن، هو كيف سيدخل كل من العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة غمار الانتخابات القادمة؟ وأي الحزبين مؤهل تنظيميا وسياسيا لقيادة المرحلة القادمة؟ وما مدى واقعية طموحات الأحزاب الأخرى؟ إن المتتبع لشأن السياسي المغربي، سيلاحظ لا محالة أن الأغلبية الحكومية الحالية خلال تدبيرها للشأن العام عانت الأمرين، ووجدت نفسها أمام إشكاليات كبيرة وعميقة، حتمت عليها اتخاذ قرارات مصيرية وصعبة، كانت في أغلب الحالات تراعي التوازنات الماكرو-اقتصادية للبلاد ومصالح كبريات الشركات الوطنية والدولية، على حساب المواطن المغربي، الذي تأثر بشكل كبير بقرارات الحكومة التي ضربت في العمق مصالحه وأثقلت كاهله وأضرت بقدرته الشرائية، من قبيل تحرير الأسعار وإلغاء الدعم على المحروقات ومجموعة من المواد الغذائية، وإصلاح صندوق التقاعد والرفع من الضرائب واعتماد التوظيف بالتعاقد .... وغيرها من القرارات التي وصفت مقبل المغاربة بالقرارات اللاشعبية. صحيح أن أغلب تلك القرارات المؤثرة، اتخذت خلال الولاية الأولى بقيادة عبد الإله بنكيران، ورغم أثارها العميقة على المغاربة، إلا أنها لم تأثر بشكل كبير على نتيجة الإنتخابات الموالية التي تصدرها حزب العدالة والتنمية للمرة الثانية على التوالي، وذلك راجع بالأساس القاعدة الانتخابية الثابتة للحزب، وإلى القدرة التواصلية الهائلة للأمين العام السابق للعدالة والتنمية السيد عبد الإله بنكيران، والذي كان دائما ما يسارع إلى التواصل مع المغاربة حول جميع القرار المتخذة من قبل حكومته، ويحاول جاهدا إقناعهم بضرورتها وأهميتها وبكونها الحل الوحيد المتاح للحكومة، غير أن استمرار حكومة سعد الدين العثماني في نفس النهج، وعدم اهتمامها بالقطاعات الاجتماعية بالشكل المطلوب، سيزيد من تقليص شعبية العدالة والتنمية، خصوصا في ظل الضعف التواصلي الكبير الذي سجلنه لدى سعد الدين العثماني، وجنوحه إلى الصمت ومحاولة التهرب كلما ارتفعت وثيرة احتجاج المغاربة على قرارات الحكومة. أما من الناحية التنظيمية، فحزب العدالة والتنمية، وإن كان ظاهريا يعيش نوعا من الاستقرار التنظيمي بقيادة سعد الدين العثماني، إلا أنه في حقيقة الأمر، يعيش على وقع هدوء تنظيمي مريب، خاصة بعدما اختار عبد الإله بنكيران الجنوح إلى الصمت في الشهور الأخيرة، وابتعد نوعا ما عن المشهد السياسي ولم يعد يبدي رأيه بخصوص القرارات الحكومية والمواقف السياسية لحزب، لكن هذا الهدوء قد يعقبه انفجار لصراعات تنظيمية لن يقوى حزب العدالة والتنمية على تحمل تداعياتها، إذا ما فكر بنكيران في العودة إلى العمل السياسي خلال الانتخابات القادمة، لن يختلف معي أحد إن قلت أن مجرد خروج بنكيران من تقاعده السياسي وتعبيره عن رغبته في العودة إلى الحياة السياسية، سيحدث رجة سياسية وتنظيمية داخل الحزب من الصعب على أي كان أن يتوقع نتائجها، والتي من الممكن أن تعود بالنفع على الحزب لكون بنكيران أحد القيادات ذات كريزما مهمة وله امتداد تنظيمي وكذا سياسي داخل الحزب وداخل المجتمع المغربي، أو أن تأثر سلبا على الحزب لكونها ستحيي الصراع السابق الذي دار بين ما عرف بتيار بنكيران وتيار الاستوزار. استنادا لذلك ولاعتبارات أخرى لا يتسع المجال لتفصيلها في هذا المقال، يتضح أن عملية تدبير الشأن العام خلال الولايتين السابقتين أنهكت حزب العدالة والتنمية، وجعلته يفقد جزء ليس باليسير من شعبيته ومصداقيته لدى المغاربة، وبات من الصعب جدا عليه أن يخوض غمار الانتخابات التشريعية القادمة بنفس القوة والثقة في النفس التي دخل بهما الانتخابات السابقة، والتي دفعت زعمهم عبد الإله بنكيران إلى التصريح في أحد لقاءاته الصحفية، أنهم قادرين على حسم الانتخابات حتى بدون إجراء الحملة الانتخابية. إذا كان وضعية حزب العدالة والتنمية على هذا النحو، ويستعد لخوض غمار الإنتخابات القادمة مثقلا بجروح سوء تدبيره للولايتين السابقتين، فهل بإمكان خصوهم السياسيين وخاصة القوة الانتخابية الثانية في المشهد السياسية حزب الأصالة والمعاصرة أن يستغل الوضع، ويرفع وثيرة المنافسة على الرتبة الأولى خلال الاستحقاقات القادمة ؟ خاصة في ظل تولي القيادة الجديدة مقود الجرار ... يتبع