في الوقت الذي تزداد فيه الحاجة الملحة للديمقراطية و حرية التعبير في البلاد العربية يجتمع وزراء الإعلام العرب لإجهاض هذا الجنين في المهد. و ذلك باجتماعهم أول أمس، بدعوة ملحة من مصر ساندتها فيها السعودية، حيث تبنوا وثيقة من شأنها الحد من حريات الفضائيات العربية. و تنص الوثيقة على عقوبة كل من "يتناول القادة و الرموز الوطنية و الدينية بالتجريح". و إذا كان الأمر طبيعي في تبني مثل هذه الوثيقة بالنسبة لعدد من الدول العربية فإنه يبقى غير كذلك فيما يخص مغرب "العهد الجديد" و المطبوع بحرية تعبير غير سابقة في تاريخنا. خصوصا و أن الوثيقة المذكورة تنص بشكل متميز على عدم تناول القادة العرب ب"التجريح". و أضع الكلمة بين قوسين نظرا لعدم شرح قادتنا لنا مفهوم التجريح عندهم. فبالأمس زج بصحفي في السجن لمجرد أنه تحدث عن صحة رئيس بلاده المتدهورة فكيف سيكون في من سينتقد سياسة قائد البلاد العربية؟ "" إذا كان التجريح هو القذف فنحن ننبذه لكن، للأسف الشديد، ارتكازا على حالات سبقت بالماضي، يظهر أن مصطلح التجريح سيستغله قادتنا في قمع و اضطهاد كل من تسول له نفسه بانتقاد سياساتهم. و من الواضح أيضا أن استراتيجية الوثيقة هي محاولة القضاء على حرية الصحافة و كسر الأقلام الحرة و الشريفة و في هذا المدمار يدخل إعلان القادة العرب الحرب على القناة الفضائية "الجزيرة"، CNN العرب ، نظرا لما تتميز به من انتقاد صريح لعدة حكومات عربية. و من قبلهم حاول الأمريكان كذلك قمع هذه القناة، نتيجة تغطيتها للأوضاع بالعراق، لكن بدون جدوى بفضل دفاع أمير قطر المستميت عنها إذ دائما كان يجيب الأمريكان بأنه لا يمكنه التدخل في شئون قناة حرة و مستقلة. و قد تميز أمير قطر في هذه المرة أيضا برفض بلده توقيع الوثيقة لما عبرت عنه بعدم وضوح معالم الوثيقة لدولة قطر و لذلك لا يمكنها التوقيع عليها و وصف الجانب القطري موقفه بكونه ذو طابع قانوني و ليس سياسي و يجدر الذكر أن قطر البلد الوحيد الذي لم يتبنى الوثيقة. التلميذ النبيه هو الذي يهضم دروس معلمه بسرعة و لا يطبقها في مجاله كما أخذها بل يؤقلمها مع الظروف التي تتوفر له. و هكذا نرى أن القادة العرب خيرة تلامذة إدارة بوش فهم لم يجهضوا حرية التعبير و الديمقراطية الممارسة من خلال الصحافة النزيهة باسم الحرب على الإرهاب كما فعل رئيس أمريكا بل ناهضوها من خلال بند قانوني في ظاهره منطقي و عادل. فمن منا يرضى بالتجريح؟ طبعا لا أحد. لكن الهدف المستهدف هو حرية الصحافة حيث ستقمع الأقلام الحرة و الشريفة و ستغلق جرائد و قنوات استنادا إلى هذا البند الذي سيفسره قضاؤنا غير المستقل حسب توجيهات و تعليمات السلطات المحددة لقراره. ثم إذا تمعنا في سياسة الدولتين الداعيتين لهذه الوثيقة و هي مصر و السعودية فإنه لن يصعب علينا أن نتنبأ في أي مسار ستصب الوثيقة. هل هذه بداية انطلاقة إلى الماضي؟ أرجو أن يجيب على السؤال كل من وزير الإعلام و وزير الداخلية.