وقعت وزارة العدل والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، صباح الأربعاء، اتفاقية تعاون لإدماج اللغة الأمازيغية في منظومة العدالة، وذلك تفعيلا لمقتضيات دستور المملكة، والقانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية. واعتبر محمد بنعبد القادر، وزير العدل، وأحمد بوكوس، عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، أن هذه المبادرة تكرّس السعي إلى إنصاف فئات من المواطنين المغاربة الذين لا يتحدثون العربية، إذ سيكون بمقدورهم أن يتخاطبوا بها داخل المحاكم أو الإدارة. وفي هذا الإطار قال وزير العدل، في تصريحات صحافية على هامش توقيع الاتفاقية في مقر الوزارة بالرباط: "هذا العمل فيه نوع من الإنصاف للمواطنات والمواطنين المغاربة من أجل تمكينهم من الولوج إلى العدالة باللغة التي يفهمونها ويتقنونها". وأعلن وزير العدل أن الوزارة أعدّت مخطط العمل المتعلق بتفعيل المادة 32 من القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، تنفيذا لمقتضيات منشور رئيس الحكومة الموجه إلى القطاعات الحكومية شهر دجنبر الماضي. ويتضمّن مخطط العمل الذي أعدته وزارة العدل جملة من الإجراءات المنهجية لإدماج اللغة الأمازيغية في منظومة العدالة، ستبتدئ بتغيير وحدات التشوير داخل الوزارة والمحاكم ومراكز قضاء القرب والمديريات الإقليمية ومراكز الحفظ، لتتضمّن اللغة الأمازيغية. وتمّ تدشين هذه العملية اليوم الأربعاء، إذ تمّ تغيير اللوحة التشويرية لبوابة وزارة العدل، وأصبحت تضمّ اللغتين العربية والأمازيغية معا. وستلي هذه الخطوةَ إجراءات ومبادرات عملية أخرى، منها إعداد معجم بالمصطلحات القانونية والقضائية، واعتماد متحدثين بالأمازيغية في مراكز الاستقبال ومكاتبة الواجهة بالوزارة والمحاكم. كما التزمت الوزارة، وفق ما أعلنه محمد بنعبد القادر، بإعداد الوصلات الإخبارية والتواصلية التي تنجزها باللغة الأمازيغية إلى جانب اللغتين العربية والفرنسية، وإعداد دليل مرجعي استرشادي للتدريب في مجال الأمازيغية، وتعزيز التكوين الأساسي فيه داخل المعهد العالي للقضاء. ومن الإجراءات الأخرى التي ستتخذها وزارة العدل ضمن مخطط عملها لإدماج اللغة الأمازيغية في منظومة العدالة، والذي سيتم بمواكبة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، برمجة حصص للتكوين المستمر في مجال الأمازيغية لفائدة القضاة وهيئة كتابة الضبط، والموظفين، والمهن القضائية. موازاة مع ذلك، التزمت الوزارة بضمان الترجمة من وإلى الأمازيغية داخل المحاكم والإدارة، وتضمين القانون التنظيمي المتعلق بالتنظيم القضائي مادة تنص على تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في مجال القضاء، طبقا لمقتضيات الدستور. وأوضح وزير العدل أن هذا الإجراء من شأنه تعديل قانون التعريب لسنة 1965، الخاص بتوحيد القضاء ومغربته وتعريبه، مع تحيين المراسيم والمناشير الخاصة باعتماد اللغة العربية كلغة للتقاضي بإضافة اللغة الأمازيغية إلى جانبها. ويتعلق الإجراء الأخير ضمن سلسلة الإجراءات التي التزمت وزارة العدل باتخاذها لإدماج الأمازيغية في منظومة العدالة، باعتماد الأمازيغية كلغة للتقاضي، بما يشمل الترجمة خلال إجراءات التحقيق والترافع وتقديم الشهادات وإجراءات التبليغ وإمكانية النطق بالأحكام باللغة الأمازيغية. وسيتم تنزيل الالتزامات المذكورة تدريجيا، إذ أوضح وزير العدل أن هذه العملية تحتاج إلى سنوات للتنفيذ تصل إل عشر سنوات، "باعتبارها التزامات كبرى يحتاج تنزيلها إلى جهود خاصة وإلى تعاون مستمر عبر سنوات". ومن الإجراءات التي يتطلب تنزيلها هذا الأمد الزمني، ذكر بنعبد القادر ثلاثة إجراءات، وهي ضمان استعمال اللغة الأمازيغية داخل المحكمة بناء على طلب المعني أو الترافع أو تقديم الشهادة أو مباشرة مختلف إجراءات التبليغ. أما الإجراء الثاني فيتعلق بضمان تأمين استعمال الترجمة من وإلى اللغة الأمازيغية دون مصاريف بالنسبة للمتقاضين. ويتعلق الإجراء الثالث بضمان الحق في سماع النطق بالأحكام باللغة الأمازيغية. وعزا وزير العدل سبب ارتهان تنزيل هذه الإجراءات باعتماد منطق التدرج إلى ضرورة الاستعداد القبلي من خلال تأهيل القضاة وموظفي المحاكم المعنيين باستعمال اللغة الأمازيغية، مع ما يتطلبه ذلك من أدوات بيداغوجية وتوفير العنصر البشري المؤهل لتأهيل القضاة والموظفين وتكوينهم داخل المعهد العالي للقضاء وداخل مختلف مؤسسات التكوين ذات الصلة بمنظومة العدالة. ورغم ذلك فإن وزير العدل شدد على أن "السقف العالي للرهان لم يحُل دون الشروع في التنفيذ الفعلي لهذه الخطوات"، لافتا إلى أن المعهد العالي للقضاء شرع منذ أكثر من سنة في تكوين الملحقين القضائيين في مجال الأمازيغية، إضافة إلى أن الوزارة أعدّت هذه السنة مخطط عملها لإدماج اللغة الأمازيغية في منظومة العدالة. من جانبه قال أحمد بوكوس، عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، إن الاتفاقية المبرمة بين المعهد ووزارة العدل تأتي في سياق تفعيل مقتضيات الدستور، وخاصة الفصل الخامس منه، القاضي باعتماد اللغة الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية، والقانون التنظيمي 26.16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل وإدماج الأمازيغية في مجال التعليم والحياة العامة. وأكد بوكوس أن ولوج اللغة الأمازيغية إلى منظومة العدالة يعد من الأولويات، وأن هذه الخطوة تشكل "إنصافا لجميع المتقاضين، لأن هناك مواطنين لا يتحدثون العربية وهذا إنصاف لهم". وأشار عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية إلى أن المعهد سيواكب وزارة العدل في تنزيل مخططها لإدماج الأمازيغية في منظومة العدالة، إذ سيواكب عملية انتقاء وتكوين الأطر المؤهلة في مجال الترجمة الفورية والكتابية وترجمة النصوص الإدارية والقانونية إلى الأمازيغية، وكذا كتابة علامات التشوير بالأمازيغية، وكذلك في مجال التكوين، حيث سينظم المعهد دورات تكوينية لفائدة أطر الوزارة، والملحقين القضائيين والموظفين وغيرهم من منتسبي الجسم القضائي.