إن المتتبع للمشهد السياسي المغربي خلال الآونة الأخيرة، لا يمكن أن ينكر الحضور الفعلي لحركة 20 فبراير، كحركة ساهمت بشكل كبير في نقل المشهد السياسي من جموده الذي دام لسنوات، والذي اتسم بإعادة نفسه في صيغ وأشكال تختلف باختلاف السياقات التاريخية التي تنتجها وتساهم في التحكم فيه. فمنذ الاستقلال والمشهد السياسي المغربي يحاكي نفسه ويعيد إنتاج الاستبداد والاستغلال والتهميش والإقصاء، ومركزية السلطة لدى فئة معينة، رغم بروز بعض المحطات المضيئة في تاريخ المغرب والتي تميزت بالواقعية في مشاريعها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية؛ كمحطة حكومة عبد الله إبراهيم، وحكومة التناوب مع عبد الرحمان اليوسفي إلا أنها كلها باءت بالفشل وأجهضت التحول الديمقراطي الذي كان آمال العديد من المغاربة أنداك، إننا لا نريد الوقوف في هذه الورقة على هذه اللحظات التاريخية في تاريخ المغرب، بقدر ما نريد الوقوف على المشروع الديمقراطي الذي حملته حركة 20 فبراير كخيار استراتجي لتغيير الواقع السياسي بالمغرب، وما هي أهم سيناريوهات المحتملة في المستقبل؟ لقد أعادت حركة 20 فبراير مياه جديدا إلى المناخ السياسي وإلى اللعبة الديمقراطية في المغرب، وذلك عن طريق مساءلة كل من ساهم في تكريس الفساد والاستغلال والتهميش وزرع ثقافة الإقصاء لدى المغاربة من إعلام ومؤسسات حزبية ولوبيات مخزنية، كما أنه لأول مرة يتم مناقشة الدستور والمطالبة بتغيره والعمل على فصل السلط وإقرار ملكية برلمانية. جاء خطاب 9 مارس كرد فعل على الاحتجاجات التي عرفها المغرب بقيادة الحركة والذي اعتبرته الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني خطابا تاريخيا يرقي إلا مستوى تطلعات المغاربة، والذي حمل تغيرات وأدخل بعض الإصلاحات على الدستور، وجاء بعد الخطاب الاستفتاء على الدستور، ومباشرة بعد الدستور تم الدخول إلي الانتخابات التشريعية والتي أفرزت صعود حزب العدالة والتنمية الإسلامي. إن كل هذا الذي حدث بسرعة مفاجئة ومباغتة يجعلنا نطرح سؤال جوهري هل بالفعل دخلنا عصر الديمقراطية أم أن كل الذي حدث هو إعادة إنتاج الفساد والاستغلال بشكل من الأشكال، وهل بالفعل إن الحكومة الجديدة يمكن أن تحمل مشروعا مجتمعيا يرقى إلى تطلعات المغاربة؟ تم ما موقف الحركة من كل هذا الذي حدث، هل يفرض عليها التراجع على المكاسب التي حققتها جراء نضالها في الشراع ؟ أم يرغمها على مواصلة نضالها بشكل استراتجي وعقلاني بعيدا عن الحسابات الضيقة خصوصا بعد خروج جماعة العدل والإحسان؟ أم أن الأحداث الأخيرة التي عرفتها بعض المدن المغربية كتازة والحسيمة وبني ملال ،من تصادم واحتقان اجتماعي وحرق المعطل عبد الوهاب زيدون لبدنه وموته مباشرة هي بادرة تزرع الأمل على رجوع الحركة من جديد بقوة خصوصا أن موعد تأسيس الحركة بلع عاما من انطلاقها؟ أن هذه التساؤلات لا تحتاج إلي أجوبة جاهزة يقدمها الباحث أو السوسيولوجي أو السياسي أو المؤرخ أو الفيلسوف، أو حتى الحركة نفسها بقدر ما هي أجوبة تخضع للزمان وللتحولات المجتمعية والسياسية، فالمجتمع المغربي بقدر ما يريد التغير والديمقراطية والمساواة والحرية والعدالة الاجتماعية، بقدر ما توجد فيه عناصر هي نفسها تجعله يخضع للاستبداد والتهميش والإقصاء، كمشكل الأمية والجهل الذي اعتبره كنه المشكل، والفقر والزبونية والمحسوبية، ناهيك عن مشكل التعليم والثقافة الذي يعتبر في بعض بلدان العالم المتقدم معيار للتقدم والنماء. إن مشكل الديمقراطية في المغرب هو أعقد مما يتم الترويج له في وسائل الإعلام، واعقد على الحركة نفسها التي تحكمها نية جامحة في التغيير، هو مشكل بنيوي يتداخل فيه الذاتي بالموضوعي والسياسي بالديني والاجتماعي بالعقائدي، إنه مشكل تاريخي بالأساس تراكم مع الزمان وأصبح يشكل منظومة يصعب حلها، ولا خير مثال على ذلك أنه رغم نضالات الحركة في التغيير ماذا أنتج لنا المشهد السياسي في الأخير دستور تغير على مستوى الشكل ولم يلامس المضمون ولم يفصل بين السلط بشكل حقيقي. وحكومة ملتحية جاءت على اثر ذلك الذي حدث ولا ترقى إلى تطلعات المغاربة وإلى مخاضات الديمقراطية فهي حكومة تدعي أنها منسجمة ولكن العقل والمنطق لا يصدق ذلك فكيف يمكن أن يتوافق الإسلامي مع اليساري مع المعتدل. إن الخاسر الأكبر في كل هذا هي الديمقراطية نفسها وإرادة الشعب في التغيير نحو مغرب ديمقراطي، مغرب ينتفي فيه الاستبداد والفساد والإقصاء والمعاناة التي يعانيها مجموعة من المغاربة نتيجة الحرمان من أبسط شروط الحياة الكريمة كالشغل والصحة والتعليم والعدالة الاجتماعية والحرية والمساواة. * باحث في التاريخ والفلسفة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك [email protected]