تُرافق إعلان شرطة طنجة أن من يقف وراء تدنيس النُصب الحامل لاسم الفقيد عبد الرحمن اليوسفي، سيدة تعاني من مشاكل عقلية وتعيش حالة التشرّد؛ (ترافقه) أسئلة حول مصير الاتهامات التي كِيلَت لبعض المكوّنات السياسية والجمعوية المغربية، خاصة بعض الفاعلين السياسيين والثقافيين. وفي حين اكتفى فاعلون ثقافيون بتعليق عامّ يتّهم اللاوعي الجَمعي للمغاربة، قبل اتّضاح تفاصيل الحادث الذي لقي استنكارا مجتمعيا واسعا؛ حمّل فاعلون سياسيون ومدنيّون مسؤولية "التّدنيس" لتصريح للسياسي والجامعيّ عبد العالي حامي الدين، وتدوينة للباحث إدريس الكنبوري، لما يحملانه مِن "تحريض واضح على الكراهية، بات حملة ممنهجة منذ ترَؤُّس أحد تيارات الإسلام السياسي الأغلبية الحكومية ضد كل من يخالف هذا التيار الرأي". ويُذكَر أنّ إدريس الكنبوري، الباحث والروائي، حمّلته المجموعة المسمّاة ب"الجبهة الوطنية لمناهضة الإرهاب والتطرّف"، جزءا من المسؤولية المعنوية لتدنيس النّصب، عقِبَ تدوينة دعا فيها إلى عدم تقديس ذكرى الراحل اليوسفي، معدّدا مجموعة من المحطّات التي يراها سلبية في مسار تدبيره السياسي لحكومة التناوب التي كان وزيرَها الأوّل، قبل تبيّنِ أن المسؤول عن التدنيس سيدة تعيش حالة التشرّد. ويقول إدريس الكنبوري، في هذا السياق، إنّ اعتذار المجموعة التي أصدرت البيان إلى الرأي العامّ "واجب"، لأنّ "بيانها كان موجّها إلى الرأي العامّ، وبالتالي فبعد تبيّن الحقيقة، من الواجب الرّجوع إلى الرأي العام لتردّ له الحقيقة، إذا كان احترامك فعلا للرّأي العامّ، وإذا كان لك فعلا رأي عامّ". واتّهم الكنبوري، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، هؤلاء الفاعلين ب"ممارسة التّدليس والتّلبيس"، وزاد: "الاعتراف واجب، وهذه تقاليد معروفة، خصوصًا وأنّ القصّة صارت كبيرة جدا، وتمّ تكبير حجمها بشكل هائل". ويضيف الباحث: "هؤلاء الناس يسمّون أنفسهم "ناشطين" دون أن تبقى هذه الكلمة مفهومة -مع كثرة استعمالها لوصف فاعلين مجتمعيّين-، وعلى الإنسان أن يتحمّل المسؤولية، وإذا كان البعض ناشطا حقوقيا كما يقول، فيجب عليه التريّث، كما يجب أن يناهض تكميم الأفواه". ويزيد الكنبوري: "دائما ما يظهر انتهازيّون، وهذا الحدث لم يكن يستدعي أصلا كلّ هذا الضجيج الذي أثير، فهذا التدنيس يحصل ونعرفه، والنّصب التذكاري حائط، وطنجة مدينة كبيرة فيها مشرّدون، وفيها سكارى، وغيرهم، ولا يمكن أن نشرع في اتهام جزء كبير من المغاربة، ودين كلّه، وهوية ضخمة هي هوية الدولة، وهوية المؤسسة الملكية، عندما يطرأ شيء". ثم أجمل المتحدّث معلّقا على من وضع بعد الحادث "الثقافة الإسلامية" في قفص الاتهام: "هل هذا كلام؟ أنتّهم الثقافة الإسلامية والفقهاء لأن حجرا مسّه شخص بشيء ما؟ وإذا تمّ اتّهام الثقافة الإسلامية التي عمرها خمسة عشر قرنا، ماذا سأقول أنا؟ سأحمّل مسؤولية كلامك للثقافة العنصرية". بدوره، يقول خالد البكاري، جامعيّ وناشط حقوقي، إنّ "أقلّ ما يمكن أن يتمّ هو اعتذار المُتَّهِمين للأشخاص الذين تهجّموا عليهم، أو للتّنظيمات التي تمّ تحميلها مسؤولية حادث لم يكن لهم أيّ دخل فيه". ويضيف البكاري: "بالنسبة إلي، يجب توضيح أمر، وهو أن الجميع يتحدّث عن نصب تذكاري لعبد الرحمن اليوسفي، في حين أنّ هذا النُّصب، فقط، إشارة إلى أنّ الملك دشّن شارعا، مثل باقي الأماكن والشوارع والبنايات والملاعب التي دشّنها، وهناك، أيضا، مثل هذه النُّصب داخل بعض المساجد المدشّنة، دون أن تحمل اسم أيّ شخص، وبالتالي فإنّ هناك نوعا من المبالغة في الحديث عن أن هناك نصبا تذكاريا، بل هو شاهد يدلّ على أنّ الملك دشّن ذلك الشارع". ويعود الناشط الحقوقي للتعّليق على تفاصيل الاتهامات التي كيلت سابقا لفاعلين عقب الحادث قائلا: "يجب الانتباه إلى أنّ هذا السلوك ليس محصورا على اتّجاه معيَّن، فليس فقط الاتجاه الحداثي هو الذي يقوم بهذا الاستثمار السياسويّ ضدّ الاتجاه المحافِظ، بل الاتجاهات المحافظة تقوم أيضا بهذا الاستثمار". ويسترسل البكاري مفسّرا سبب الاستثمارات السياسوية لبعض تصريحات المخالِفين في التوجّه: "لم نتربَّ بعد على ثقافة تحرّي صحّة الخبر أوّلا، وانتظار رؤية مسار الأبحاث، قبل إصدار موقف مُعَيَّن، بل ينتظر كلّ واحد الآخر عند حالة الاشتباه فقط ليشنّ عليه هجوما، بل وتجد أحيانا هجوما على أشخاص من عنوان الكتاب". وختم الحقوقيّ خالد البكاري تصريحه بذِكر أنّ هذه "السّلوكات الموجودة عند الجميع، فيها نَقْصٌ في الثّقافة الديمقراطية، ونقص في الثقافة الحقوقية، ونقص في أخلاقيات تدبير الخلاف والصّراع".