رحل فيديريكو كورينتي (79 سنة)، العالم اللغوي والمستعرب الإسباني الشهير، عن الحياة دون رجعة، بحر الأسبوع الحالي، مخلّفا وراءه مساهمات فكرية وثقافية كبيرة، إذ يعد صاحب أشهر قاموس بين اللغتين العربية والإسبانية، وتتلمذت على يديه أجيال متعاقبة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. الحسين بوزينب، تلميذ سابق لفيديريكو كورينتي، أستاذ للسانيات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط منذ ثمانينيات القرن الماضي، قال إن "فيديريكو كورينتي مدّنا بسيل من الأعمال الفقهية اللغوية والمعجمية حول اللغة الأندسلية، يبرز منها في هذا السياق عمله حول أزجال ابن قزمان الذي صحح من خلاله ما كان قد عجز عن إدراكه الدارسون الذين سبقوه إلى معالجة هذا الموضوع". وأشار العضو المراسل للأكاديمية الملكية للغة الاسبانية، في مقال تحت عنوان: "ودعنا فيديريكو كورينتي"، إلى أنه "من بين المعاجم التي درسها ونشرها معجم العربية الأندلسية لبادر دا ألكلا، والمعجم العربي القياسي والمعجم العربي الأندلسي حسب "El Vocabulista In Arabico"، إضافة إلى معجمه للكلمات العربية الأصل، وقواميسه العربية الإسبانية". إليكم المقالة: ودعنا منذ يومين فيديريكو كورينتي، وهو قطب من أولئك الأقطاب الذين يندر ما يطفون على سطوح المجتمعات العلمية، إنه العالم الذي لا يجادل أحد في مدى رسوخه العلمي في المجالات التي خاض فيها طوال حياته، وهو العالم باللغات القديمة والحديثة، والعضو في مجمع اللغة العربية بالقاهرة قبل أن يحظى بنفس الصفة في أكاديمية اللغة الإسبانية، وهو الأستاذ للأدب المقارن في الجامعة المغربية في الستينيات من القرن الماضي، قبل أن يكون كذلك في الجامعات الأمريكية والإسبانية؛ فعلى يده تتلمذ أساتذة مغاربة من خيرة ما أنتجه هذا البلد، وأخص بالذكر أحمد شحلان ومحمد مفتاح وبوشتى العطار ومحمد الخمار الكنوني، وغيرهم من الرعيل الجامعي الأول في الأدب العربي ولغته. وفي ما يتعلق بمساهماته العلمية، وبعد عمله الجامعي حول إشكالية الجموع في اللغة السامية (حالة جمع التكسير)، سيمدنا فيديريكو كورينتي بسيل من الأعمال الفقهية اللغوية والمعجمية حول اللغة الأندسلية، يبرز منها في هذا السياق عمله حول أزجال ابن قزمان الذي صحح من خلاله ما كان قد عجز عن إدراكه الدارسون الذين سبقوه إلى معالجة هذا الموضوع. ويمكن أن نذكر من بين المعاجم التي درسها ونشرها، معجم العربية الأندلسية لبادر دا ألكلا والمعجم العربي القياسي والمعجم العربي الأندلسي حسب "el vocabulista in arabico"، إضافة إلى معجمه للكلمات العربية الأصل، وقواميسه العربية الإسبانية الخ. ما هذه سوى لمحة طفيفة لما أنتجه هذا الرجل الذي بصم البحث في اللغة الأندلسية ببصمة يصعب الإتيان بنظير لها..لقد كان لي الحظ بأن تتلمذت على يد هذا الأستاذ الفذ في مادتي الترجمة من العربية إلى الإسبانية وفقه اللغة العربي الإسباني، في السنة الأولى من مرحلة دراستي الجامعية، وكان ذلك في السنة الجامعية 1967-1968، إذ كان عمره آنذاك لا يتجاوز ستا وعشرين سنة، وكان يزاوج بين التدريس في شعبة الإسبانية وفي السلك الثالث من شعبة اللغة العربية. وفي هذا السياق أتذكر أن سوق الكتاب كانت تفتقر آنذاك للقواميس والمعاجم المزدوجة للغتين العربية والإسبانية، وكنا نضطر إلى استعمال القواميس والمعاجم العربية الفرنسية للترجمة بين الإسبانية والعربية. وسنوات قليلة بعد ذلك سيقوم فيديريكو كورينتي بملء هذا الفراغ بنشره القاموس الإسباني العربي ثم العربي الإسباني. ورغم هجرة كورينتي للعمل في الجامعات الأمريكية، إلا أنه بقي على اتصال بأصدقائه المغاربة، خصوصا منهم الأستاذ المرحوم محمد بن شريفة الذي سبق أن تعرف عليه أثناء وجوده في القاهرة مديرا للمركز الثقافي الإسباني بها، ثم ستستمر علاقتهما بعد تعينهما عضوين في مجمع اللغة العربية بنفس المدينة. وقد ارتبط الرجلان بصداقة كان يذكيها تخصصهما في ميدان الدراسات الأندلسية، وبالخصوص دراسة أمثال العوام في الأندلس. لنتذكر أن محمد بن شريفة قد اشتغل على متن أمثال الزجالي وفدريكو كورينتي (صحبة عبد ربه) على أمثال الموريسكي الغرناطي ألونصو دال كشتيليو. هذه إشارات عابرة قد لا تفي بما يجب قوله في حق هذا الرجل الذي صب في حقل اللغة الأندلسية العامية كل جهده وذكائه حتى تبرز المعالم الحقيقة لهذا الكيان الثقافي.