الوزير قيوح يدشن منصة لوجيستيكية من الجيل الجديد بالدار البيضاء    حقائق وشهادات حول قضية توفيق بوعشرين مع البيجيدي: بين تصريحات الصحافي وتوضيحات المحامي عبد المولى المروري    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    الدورة ال 44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالمنامة .. السيد الراشيدي يبرز الخطوط العريضة لورش الدولة الاجتماعية التي يقودها جلالة الملك    حصيلة سنة 2024.. تفكيك 123 شبكة لتنظيم الهجرة غير النظامية والاتجار في البشر    الدكتور هشام البوديحي .. من أحياء مدينة العروي إلى دكتوراه بالعاصمة الرباط في التخصص البيئي الدولي    التجمع الوطني للأحرار يثمن المقاربة الملكية المعتمدة بخصوص إصلاح مدونة الأسرة    فرض غرامات تصل إلى 20 ألف درهم للمتورطين في صيد طائر الحسون بالمغرب    الدفاع الحسني يهزم الرجاء ويعمق جراحه في البطولة الاحترافية    38 قتيلا في تحطم طائرة أذربيجانية في كازاخستان (حصيلة جديدة)    رحيل الشاعر محمد عنيبة أحد رواد القصيدة المغربية وصاحب ديوان "الحب مهزلة القرون" (فيديو)    المهرجان الجهوي للحلاقة والتجميل في دورته الثامنة بمدينة الحسيمة    انقلاب سيارة على الطريق الوطنية رقم 2 بين الحسيمة وشفشاون    المغرب الرياضي الفاسي ينفصل بالتراضي عن مدربه الإيطالي غولييرمو أرينا    رئيس الرجاء يرد على آيت منا ويدعو لرفع مستوى الخطاب الرياضي    الإنتاج الوطني من الطاقة الكهربائية بلغ 42,38 تيراواط ساعة في متم 2023    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    الندوة 12 :"المغرب-البرتغال. تراث مشترك"إحياء الذكرىالعشرون لتصنيف مازغان/الجديدة تراثا عالميا. الإنجازات والانتظارات    حركة حماس: إسرائيل تُعرقل الاتفاق    أخبار الساحة    الخيانة الزوجية تسفر عن اعتقال زوج و خليلته    روسيا: المغرب أبدى اهتمامه للانضمام إلى "بريكس"    عبير العابد تشكو تصرفات زملائها الفنانين: يصفونني بغير المستقرة نفسياً!    السعودية و المغرب .. علاقات راسخة تطورت إلى شراكة شاملة في شتى المجالات خلال 2024    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    الريسوني: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ستضيق على الرجل وقد تدفع المرأة مهرا للرجل كي يقبل الزواج    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن استئناف برنامجه النضالي مع بداية 2025    تأجيل أولى جلسات النظر في قضية "حلّ" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية    جهة مراكش – آسفي .. على إيقاع دينامية اقتصادية قوية و ثابتة    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    مجلس النواب بباراغواي يصادق على قرار جديد يدعم بموجبه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية يسائل تجنب الاصطدامات    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحو مقاربات جديدة لدراسة الأدب الأندلسي
مجموعة البحث في مائدة مستديرة بالدار البيضاء
نشر في العلم يوم 12 - 03 - 2009

نظمت أخيرا مجموعة البحث: «الأدب الأندلسي في اتجاهاته وتجاربه الإنسانية الكبرى» في إطار شراكة بين كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط و مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود بالدار البيضاء مائدة مستديرة في موضوع: «نحو مقاربات جديدة لدراسة الأدب الأندلسي»، بمؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود بالدار البيضاء. وقد شارك في هذا اللقاء العلمي المتميز أساتذة من داخل المغرب وخارجه، وهم من المغرب:
ذ. محمد بنشريفة، عضو أكاديمية المملكة المغربية، والأساتذة: فاطمة طحطح، نعيمة مني وأحمد بوغلا من كلية الآداب بالرباط. و الأستاذة نادية العشيري من جامعة المولى إسماعيل، مكناس.
كما شارك من إسبانيا الأساتذة الأجلاء: د. فيديريكو كوريينتي (Federico Corriente) من جامعة سرقسطة، ودة. ماريا أركاس كامبوي (Maria Arcas Campoy) ودة. ماربياس أكيار (Maravillas aguillar) وهما من جامعة لا لغونا، تنيريفي (Tenerife). وشارك من الولايات المتحدة الأمريكية د. أليكس إلينسون (Alex Elinson) من جامعة مدينة نيويورك.
قد انبنى هذا اللقاء على تصور نظري أسس له أ. أحمد بوغلا منسق هذه المائدة المستديرة؛ تصور منطلق من طرح مجموعة من الأسئلة المتعلقة بنشأة الأدب الأندلسي، وبهويته، وبخصائصه؛ أسئلة ممتدة زمانيا ومكانيا، تعكس رؤية كل باحث، وزاوية نظره، بناء على قناعاته العلمية وعدته المنهجية أولا، وانتمائه الجغرافي والثقافي ثانيا. والأمر كذلك؛ فهو يرجع إلى أن الأدب الأندلسي عرف وضعا اعتباريا خاصا، فبعد نهايات الأندلس، أصبحت هذه الأخيرة ملكا مشاعا، وأصبح كل واحد يبكي ليلاه، ويدعي حبه لها دون غيره. من هنا حاول المشاركون في هذه المائدة المستديرة الإجابة على الأسئلة التالية:
* هل يمكن كتابة هوية جديدة للأدب الأندلسي ؟
* كيف نموقع الأدب الأندلسي اليوم ضمن خريطة الآداب العالمية ؟
* ما هي مظاهر تفاعل هذا الأدب مع الآداب العالمية، وما هي امتدادات هذا التفاعل ؟
* ما مدى استفادة الباحث في الأدب الأندلسي مما استجد من مناهج نقدية، وما الذي يمكن أن تحققه القراءة العلمية الواعية لهذا التراث، وما أوجه كفايتها التفسيرية والمعرفية ؟
* كيف نستحضر روح الأدب الأندلسي في تعبيره عن قضايا وتجارب إنسانية كبرى، ونوظف ذلك فيما يخدم الراهن الإنساني ؟
وعليه فقد انتظم هذا اللقاء العلمي في ثلاثة محاور:
المحور الأول: «الأمثال والموشحات الأندلسية: رؤى متعددة»، المحور الثاني: «أجناس أدبية أندلسية: مظاهر التفاعل»، المحور الثالث «مقاربات وتصورات جديدة عن الأندلس».
افتتحت هذا اللقاء الأستاذة فاطمة طحطح رئيسة مجموعة البحث، متقدمة بالشكر الجزيل إلى المشاركين في هذه المائدة المستديرة، وكذا إلى الذين سهروا على تنظيمها، وذكرت على الخصوص السيد نائب عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط د. عبد الرحيم بنحادة الذي لم يأل جهدا لإنجاح هذا اللقاء، كما أعربت عن شكرها الجهة المستضيفة، مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود التي يعرف جل الباحثين المجهودات العلمية الهائلة التي تقوم بها هذه المؤسسة العريقة للمساهمة بشكل فعال في النهوض بمستوى البحث العلمي بالمغرب، سواء عبر خدماتها المكتبية، وما توفره من ذخيرة مرجعية للباحثين في مختلف التخصصات، أو بتنظيمها وتمويلها لأبحاث ولقاءات علمية متميزة.
كما ذكرت رئيسة مجموعة البحث أ. فاطمة طحطح بمحاور اللقاء، وقالت إنها محاور أساسية تجمع، من جهة، بين التصور النظري والتحليل النصي، كما تستلهم من روح هذا اللقاء العلمي السعي نحو طرح مقاربات جديدة عن الأندلس، وهي من جهة أخرى تساير التوجه النظري لمجموعة البحث، التي تجعل من مفردات التفاعل والتداخل الثقافي وحوار الحضارات، مقولات مؤطرة للحقل المفاهيمي الذي تشتغل به، خصوصا أن أبحاثها تركز على الأندلس كفضاء للتقارب والتعايش الإسلامي- المسيحي- اليهودي، كما أنها تنادي بضرورة تفعيل التقارب المغربي الإسباني الذي تحكمه علاقات القرب والصداقة والتاريخ المشترك. وذكرت أخيرا بأهم أهداف فريق البحث والتي تتلخص في تقديم قراءات وتأويلات جديدة للنصوص الأدبية الأندلسية، سعيا نحو كتابة تاريخ أدبي أندلسي يراعي خصوصيات الثقافة الأندلسية، دون التغاضي عن ربط هذا التاريخ بمختلف السياقات الحضارية والمعرفية التي حكمته.
انطلق المحور الأول صباح يوم الجمعة 06 فبراير، ساهم في إثرائه الأستاذان الجليلان: د. محمد بنشريفة بمساهمة علمية تحت عنوان: «تاريخ الأمثال والأزجال في الأندلس». ود. فيديريكو كوريينتي (Federico Corriente) بموضوع: «الأمثال والأزجال الأندلسية بعد ابن قزمان».
وقد كانت مداخلة الأستاذ محمد بنشريفة غنية بالفوائد والفرائد عن موضوع الأمثال والأزجال في الأندلس، ذاكرا في بداية المساهمة أن «محور الأمثال والأزجال يصنف في إطار التراث العامي أو الشعبي، وهو مهم للغاية؛ إذ يقدم لنا الوجه الثاني للتراث الأندلسي»، كما أضاف: «وما أظن أن هذا الإسم يحمل دلالة قدحية». مذكرا بالمواقف السلبية التي كانت لبعض الأندلسيين منه، ومنهم ابن بسام والمراكشي الذي يقول إن هذا الفن مما يجب أن تصان عنه التآليف والمخلدات.
كما كانت مساهمته العلمية ذات بعد تأريخي كذلك، عندما تحدث عن تاريخ نشوء هذا الفن الأصيل بالأندلس والمغرب والمشرق، ساردا حكاية اشتغاله بهذا الموضوع منذ أن كان فكرة إلى أن صار سفرا متكونا من خمسة أجزاء (قامت بطبعه مؤخرا وزارة الثقافة بالرباط) جمع مادته من مختلف المصادر، واشتغل على سلسلة متواصلة الحلقات تمتد إلى عشرة قرون، تبدأ في الأندلس مع ابن هشام اللخمي وبعده الزجالي والرندي وغيرهم، وتنتهي في المغرب مع ما دونه اليوسي في «زهر الأكم»، وهي كلها تحكي فورة الثقافة الشعبية الأندلسية، وتعبيرها عن آمال وآلام الأندلسي.
المساهمة العلمية الثانية كانت للأستاذ الجليل فيديريكو كوريينتي (Federico Corriente) بموضوع: «الأمثال والأزجال الأندلسية بعد ابن قزمان» تصدى فيه لفصل المقال في التوشيح والزجل اللذين كثر النقاش فيهما بدون أدلة قاطعة، ولا إثبات حقيقتهما أحيانا، فتحدث أولا عن نشوء الفنين في الأندلس، وانتشارهما في المغرب والمشرق؛ وذلك أن أقدم الموشحات المحفوظة لنا راجعة إلى عصر الطوائف، وذكر كذلك أن بواكير الموشحات وضعت في القرن الثالث الهجري؛ نتيجة تقليد المسمطات المشرقية، وتزويدها بعنصر جديد وهي الخرجة غير الفصيحة المقتبسة من زجل شعبي بدائي، أي عبارة عن دوبيت، وأن نظرية رجوعهما إلى أصل عجمي أضحت مفندة تفنيدا نهائيا.
وعرج الأستاذ فيديريكو على أسباب تغير الميول الجمالية وبواعثها النفسانية أو الاجتماعية في دراسة هذين الفنين متسائلا: «فلماذا اختلفت درجات الإقبال عليهما لدى الأدباء العرب على مر العصور من الإهمال إلى الإعجاب، ثم إلى الخمول ثانيا؟»
مجيبا بأن هذه التحولات تخضع لشروط منهجية وإيديولوجية أحيانا، مذكرا أن إعادة العناية بالفنين لدى المستشرقين، على الأقل، في أواخر القرن التاسع عشر مصدره فيما كان شاع في أوربا من التطلع إلى معرفة شاملة للكون وللإنسان حتى أدنى تفاصيلهما.
وقد ختم الأستاذ حديثه بأن البحث في هذا الفن المتميز متسع أمام الباحثين في الأدب الشعبي المغربي والأندلسي، ليقوموا بدراسات أعمق وأوسع في تراث الفنين، سواء منه النصيب المعروف منهما سابقا معرفة سطحية، أو النصوص المجهولة إلى اليوم النائمة في مخطوطات في خزائن المكتبات.
وقد تخللت المساهمتين مناقشات علمية هادئة قبل الانتقال مساء إلى المحور الثاني: «أجناس أدبية أندلسية: مظاهر التفاعل» والذي ساهم فيه الأساتذة: فاطمة طحطح بعرض عنوانه: «القصائد الثغرية والتواصل الثقافي في الأندلس»، والأستاذة ماريا أركاس كامبوي(Maria Arcas Campoy) بعنوان «الأدب الفقهي الأندلسي، رؤية آنية مع منظور مستقبلي»، والأستاذة نعيمة مني: «أدب المحاضرات في الأندلس».
البداية كانت مع الأستاذة فاطمة طحطح التي تجلت أهمية مساهمتها في الأهمية التي تكتسيها الثقافة الشعبية كرافد مهم في إغناء مجالنا الثقافي والإجتماعي، فجاءت مساهمتها عن القصائد الشعبية الثغرية بالأندلس المعروفة ب: Romances Fronterizos منصبة على على المحاور التالية:
أولا: التعريف بالقصائد الشعبية الثغرية، وأهميتها من خلال مضمونها وقيمها الفنية والرمزية.
ثانيا: مظاهر التفاعل بين هذه القصائد والشعر الزجلي العربي بالأندلس والمغرب.
أ?- - من خلال عرض آراء الباحثين المتخصصين.
ب?- من خلال مقارنة بين قصيدة الكفيف الزرهوني وقصيدة ألفونسو XI Poema de Alfonso.
ج?- تقديم خلاصات عامة.
كان انطلاق الحديث بالإشارة إلى أن المجتمع الأندلسي شكل، كما هو معروف، نموذجا فريدا لتعدد العناصر والأعراق والثقافات، عرب وبربر وصقالبة ومستعربون، يهود ومسيحيون ومسلمون ومدجنون فيما بعد، كلها أجناس تعايشت، وثقافات تفاعلت فيما بينها وامتزجت إلى درجة يصعب فصل الخيوط وإرجاع الروافد الثقافية إلى أصولها الأحادية، لدقة التقاطعات البشرية والمكانية والنصية، ويعتبر الشعر الشعبي الثغري في الأندلس هو الخلاصة الفنية والرمزية لهذا المزيج المركب في المجتمع الأندلسي.
المساهمة العلمية الثانية كانت للأستاذة ماريا أركاس وهي مستعربة من جامعة لا لغونا، لها تحقيق كتاب «الواضحة» لعبد الملك بن حبيب. وقد كانت مساهمتها تحت عنوان: «الأدب الفقهي الأندلسي، رؤية آنية مع منظور مستقبلي»، ذكرت فيها أن كتب الفقه الإسلامي يمكن أن تدرس كجنس أدبي انطلاقا من تبني مفهوم عام للأب العربي بشكل عام، والأدب الأندلسي بشكل خاص. وأن هذه الكتب تشكل موضوعا جد مهم للدراسة لسببين:
1- انطلاقا من المعرفة الخالصة التي يقدمها محتواها؛ أي المادة القانونية المعالجة.
2- لأنها منبع ثر للمعرفة، نستطيع منه تجميع معلومات ضرورية كفيلة بتقديم إضاءات تاريخية واجتماعية لمختلف المظاهر التي عرف بها العالم الإسلامي في كليته، والأندلس بشكل أخص. ثم تحدثت بعد ذلك عن الكتب الفقهية الأندلسية، وقالت إن ما وصلنا منها متميز وكثير ومتنوع، ومن واجبنا كباحثين أن نقدر ما تقدمه لنا في ميادين علمية مختلفة. كما ذكرت الأستاذة ماريا أركاس اهتمام المستعربين الإسبان بهذا الحقل من المعرفة، ومنهم على الخصوص خوليان روبيرا ولوبيز أورتيز إضافة إلى خاسنتو فيلا. وقامت الأستاذة بعد ذلك بتقسيم كتب الفقه الأندلسية من نوازل وشروط وفقه مقارن وكتب الفتاوى، كلها تقدم تصورا عن مجالات الحياة في الأندلس، الدينية أولا، والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلمية ثانيا، مدللة على ذلك باستشهادات من كتب فقهية أندلسية مختلفة.
المساهمة العلمية الثالثة كانت للأستاذة نعيمة مني تحت عنوان: «أدب المحاضرات في الأندلس» ذكرت فيه أن المكتبة العربية تزخر بنوع من المؤلفات، تختلف في أسمائها وطريقة عرضها وتبويبها، ولكنها تكاد تتفق في موضوعها العام، ويطلق عليها اسم «المحاضرات»، وهي مؤلفات جامعة تتسم بسمة الشمولية والموسوعية في المعارف، وتزخر بالعديد من العلوم والفنون والآداب والمعارف.
وقد عرف هذا النوع من التأليف في المشرق، كما انتشر في الأندلس؛ حيث يعد كتاب ابن عبد ربه « العقد الفريد» أول كتاب في هذا الباب، لم يغادر فيه شيئا مما يهم الباحث في «علم العرب» إلا عرض له، وهو يمثل الامتداد الطبيعي للثقافة العربية. كما ذكرت الأستاذة أن هناك تآليف أخرى مثل «بهجة المجالس» لابن عبد البر القرطبي، و»حدائق الأزاهر» لابن عاصم. وقد اختارت الأستاذة المتدخلة كتابي «العقد الفريد» و»حدائق الأزاهر» نموذجين للتمثيل للثقافة الأندلسية في تفاعلها وامتدادها مع الثقافة المشرقية، مبرزة الخصوصية الأندلسية في هذه الكتب، المنبنية أساسا على ظروف الزمان، وإكراهات الجغرافيا البعيدة عن المشرق، وهما عاملان تحكما في وعي الكتابة، وحس التجميع والتركيب.
مساهمات صباح يوم السبت 07 فبراير تركزت على محور جد مهم عنوانه: «مقاربات وتصورات جديدة عن الأندلس»، ساهم في إثرائه الأستاذة ماربياس اكيلار (Maravillas aguillar) من جامعة لا لغونا والأستاذ أليكس إلينسون (Alex Elinson) من جامعة مدينة نيويورك، والأستاذة نادية العشيري من جامعة المولى إسماعيل بمكناس.
المساهمة الأولى حملت عنوان:»مقاربة وتقييم للنصوص العربية حول التوقيت في سياق الأدب العلمي في العصر الوسيط»، تعرضت من خلالها المستعربة الإسبانية إلى اهتمام الفلكيين المسلمين بقضايا لم تكن تهم الأوروبيين في العصر الوسيط، وكان من بينها علم التوقيت لأهميته في الصلوات التي تعد كتابا موقوتا على المؤمنين، كما تظهر أهميتها في تنظيم الحياة اليومية للمسلمين، وقد كان في الفكر العلمي الإسلامي عامة والأندلسي خاصة سعي حثيث نحو تطوير النظريات العلمية لفهم الكون، وتيسير سبل العيش، وقد ظهرت عدة آلات فلكية عبر العصور كالأسطرلاب والصفيحة الزرقالية والربع المجيب.
انتقلت الكلمة بعد ذلك إلى الأستاذ أليكس إلينسون الذي فضل الحديث عن جنس أدبي متميز في الثقافة العربية وهو المقامة، وكان عنوان مساهمته: « أسواق على الهوامش والتبادل الأدبي في مقامة العيد لابن مرابع الأزدي» الذي توفيَ سنة 750، والذي كان أديبا قادرا على الكتابة بمستوى عالٍ ولكنه اختار أسلوبا أدنى لأسباب شخصية وجمالية وأدبية، كتابة فيها تقاطع بين الثقافة العالية العالمة والثقافة الدنيا الشعبية، فكانت النتيجة هي مقامةٌ ذات جوانب تقليدية وجديدة في محاكاة ساخرة (parodie). وقد ركز الأستاذ حديثه على جانبين:1- تفاعل المستوى اللغوي العالم والعامّي، ودور هذا التفاعل في خلق قيم جمالية وذوقية، ومستويات تعبير متناقضة أحيانا. 2- الدور الغامض لزوجة الراوي، وكيف سيطر ت على سياق ومغزى المقامة، بشكل جعلنا نضحك من الراوي ومشاكله، ونضحك كذلك من أنفسنا، كما يقول الأستاذ إلينسون، فكلنا عشنا نوعا من هذه التجارب في وقت عيد ما. كما رصد المتدخل أهمية السخرية في المقامة، وكيف أنها تلعب دورا ناقدا في النص.
المساهمة الأخيرة كانت للأستاذة نادية العشيري: «مقاربة النوع الاجتماعي في تحليل النصوص الأدبية الأندلسية» توخت من خلالها تحليل نص « طوق الحمامة» لابن حزم الأندلسي؛ للكشف عن أصناف النساء الأندلسيات، والأدوار التي كن يضطلعن بها، و طبيعة العلاقات التي كانت تربطهن بالرجال آنذاك. تتوخى من ذلك الكشف عن مواقف ابن حزم من المرأة مع تفسيرها. وقد توسلت الأستاذة في التحليل بمنهج كريماس في تقسيم المعجم المتعلق بالمرأة إلى أسماء وأفعال ونعوت وأحوال، مما جعلها تستخلص قدرا كبيرا من المعلومات التي يمكن استغلالها لاحقا في عدة حقول معرفية: علم اللغة، التاريخ، علم الاجتماع، التحليل النفسي.
تخللت هذه المداخلات مناقشات علمية رصينة بين الأساتذة المشاركين، أثراها العالمان الجليلان فيديريكو كوريينتي ومحمد بنشريفة. كما قدم الأستاذ أحمد بوغلا منسق ومقرر مجموعة البحث خلاصات عن هذا اللقاء كانت من أهمها:
1- أنه جمع نخبة من الباحثين المتميزين، عرفوا بأبحاثهم المتميزة في الأدب الأندلسي؛ باحثين من إسبانيا والولايات المتحدة والمغرب، ومن شأن هذا التعدد والاختلاف الحضاري أن يغني حوارنا ونقاشنا اليوم وغدا حول الأندلس التي شكلت لب التعدد والاختلاف والتعايش. كما أن هذا اللقاء يكرس مقولة التفاعل والتواصل الحضاري التي تسعى مجموعة البحث»الأدب الأندلسي في اتجاهاته وتجاربه الإنسانية الكبرى» إلى تكريسها في مختلف اللقاءات والتوجهات العلمية.
3- أهمية محاور هذا اللقاء التي كرست، من جهة، مشروع انفتاح الأدب على حقول معرفية أخرى كالفلك والفقه والدراسات النسائية، وجمعت في محاورها، من جهة أخرى، بين الثقافتين العالمة والشعبية، ملتفتة إلى هذه الأخيرة، وإلى ضرورة مراجعة الموقف منها، بالنظر إلى ما تحمله من قيم إنسانية، وباعتبارها رافدا مهما من روافد الأدب الأندلسي، وذاك ما يدفعنا إلى ضرورة إعادة التفكير في هذا الأدب، وتجديد آليات البحث فيه، ولم لا تشييد تصورات جديدة عنه تتجاوز ما قيل، وتكتب تاريخا جديدا له.
وقد ختمت رئيسة مجموعة البحث الأستاذة فاطمة طحطح هذا اللقاء المتميز، معتبرة إياه حلقة علمية أخرى من حلقات عمل مجموعة البحث. وجددت شكرها للأساتذة المشاركين، ولكلية الآداب بالرباط، ولمؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود بالدار البيضاء على حفاوة استقبالها للأساتذة المشاركين.
إعداد: أحمد بوغلا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.