على غرار العديد من القطاعات الإنتاجية المتضررة من جائحة فيروس "كورونا" المستجد بالمغرب، لم يسلم قطاع العقار، باعتباره أحد ركائز التنمية المحلية في عدد من أقاليم المملكة، من الآثار السلبية للجائحة، التي أدت إلى توقف جل الأنشطة الاقتصادية. ويعد قطاع العقار بجهة مراكش، أحد القطاعات الإنتاجية المساهمة في تنمية الاقتصاد، إذ تتميز مجالات تدخله، على اختلاف أنواعها، بالتعدد والشمولية، لتشمل مجالات البناء والتشييد، وتسويق السكن الاجتماعي والمتوسط والراقي والفنادق وغيرها. وعلى الرغم من الوضعية التي فرضتها الجائحة، يأمل المنعشون العقاريون، ومقاولات بيع مواد البناء والتشييد بالجهة، أن تتحقق انطلاقة قوية وجديدة بعد رفع الحجر الصحي، وتجاوز المخلفات الاقتصادية والاجتماعية للجائحة، لتحقيق التنمية المستدامة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، ومحاربة البطالة والفقر. فما هو حجم خسائر قطاع العقار بسبب وباء "كوفيد-19"؟ وكيف يمكن إنقاذه؟ وبأي معنى يمكن الحديث عن ممكنات الإقلاع من جديد؟ وهل ستنخفض أثمان الشقق بعد رفع الطوارئ الصحية؟ وإلى أي حد ستبقى أسعار العقار ومواد البناء مستقرة خلال العام الحالي؟ وما هي إجراءات الحكومة لتشجيع المواطنين على اقتناء سكن لائق؟ في هذا الصدد، قالت أمينة بن الرايس، الباحثة في الاقتصاد بجامعة القاضي عياض، "هناك قول مأثور مضمونه أنه إذا ذهب البناء ذهب كل شيء"، مضيفة: "هذا المعنى تم تأكيده حاليا إلى حد كبير خلال حالة الطوارئ التي نعيشها بسبب الجائحة". وفي تصريح لهسبريس، أوضحت المتحدثة نفسها "أن قطاع العقار توقف عن الحركة، بعدما تلقى ضربة قاتلة جعلته يعيش حالة فوضى، إذ مست إيراداته التي تعيش حالة جمود، بسبب توقف كلي أو شبه كلي لأوراش البناء، ومشكل تمويل أشغال المقاولات، ومشاكل اللوجستيك، ومغادرة اليد العاملة بسبب الجائحة". وتابعت بن الرايس قائلة: "هذا الوضع الذي يعيشه قطاع العقار، انعكس سلبا على حجم المعاملات المالية، ف60 في المائة من الشركات العقارية أفلست، حسب إحصائيات الفيدرالية الوطنية للبناء"، ثم أضافت: "نحن حاليا بصدد أزمة حقيقية، سواء تعلق الأمر بالعرض أو الطلب، والسؤال هو كيف يمكن الخروج من هذا الوضع؟". وللنهوض بالقطاع، توصي الخبيرة عينها "باعتماد ركيزتين لتدبير مرحلة أزمة الجائحة، ومساعدة قطاع العقار على استعادة عافيته؛ الأولى تتمثل في أخذ احتياطات حالة الطوارئ الصحية بعين الاعتبار، وتمكين المقاولات من الاستفادة من نوع من المرونة على مستوى آجال التسليم، واعتبار التأخير بسبب الجائحة ناتجا عن قوة قاهرة لا تستحق المحاسبة، وتوفير رخص التنقل بين المدن لعمال البناء للالتحاق بأوراش البناء". كما تقترح المتحدثة عينها "اعتماد خطط خاصة لما بعد أزمة "كورونا"، من قبيل مصاحبة المقاولات العقارية، سواء على مستوى العرض أو الطلب، بفتح الصفقات العمومية في وجه الشركات التي كانت مستبعدة قبل حالة الطوارئ الصحية، لتتمكن من إنقاذ ماليتها من الإفلاس". وواصلت: "وإعطاء الأولوية للشركات الوطنية في منح العقود، وتشجيع الأبناك على مرافقة هذه المؤسسات الاقتصادية، عبر تعزيز خطوط الائتمان الخاصة بها، وإنشاء خلايا استشارية على مستوى المصاريف لتمويل الأنشطة العقارية، وتمكين المقاولات من المادة الخام، واعتماد توريد مشترك لتخفيض تكاليف الإنتاج". أما على مستوى الطلب، فبن الرايس "تقترح السماح للمواطنين بامتلاك العقارات الاجتماعية والمتوسطة، بتحفيزات على مستوى سعر الفائدة، ومرونة إجراءات منح الائتمان، والترويج للسكن الثانوي في بلدان مغاربة العالم والأجانب، من خلال تنظيم معارض تجارية واجتماعات مع المروجين، وإنشاء هيئات مراقبة الجودة للمنتوجات العقارية، وأخرى للمراقبة القانونية لتجنب السقوط في يد المتلاعبين بالقروض البنكية". وعن الوضعية التي يعيشها هذا المجال الاقتصادي، قال عادل بوحاجة، رئيس جمعية المنعشين العقاريين بجهة مراكش أسفي، "قطاع العقار الذي يرتبط بالعديد من المهن، كالبناء والتشييد والتسويق، كارثي، لأن كل الأوراش توقفت بشكل نهائي (98%)، ما يعني أننا أصبنا بخسارة كبيرة على كل المستويات". "ولعودة الإنتاج بهذا القطاع بشكل طبيعي، فالمنعشون العقاريون، الذين ساهموا بقوة لمواجهة وباء "كوفيد-19"، في حاجة إلى وقت سيكون طويلا، سواء تعلق الأمر بالإنتاج أو التسويق، لذا على الجهات المختصة أن تتدخل لتبسيط المساطير، أمام حوالي 450 ملفا ستدر عشرات ملايير الدراهم على الخزينة العامة"، يورد المتحدث عينه. وتابع مؤكدا "على أهمية أن تتسلح الدولة بجرأة خاصة بعد رفع حالة الطوارئ الصحية، بتخصيص كل تدخلاتها لصالح المواطنين، للمحافظة على قدرتهم الشرائية، حتى يتمكنوا من الحصول على سكن لائق وبثمن معقول، ولذلك وجب عليها ضبط أسعار مواد البناء والتشييد". وشدد بوحاجة على "أن تتدخل الحكومة بقوة على المستوى الجهوي، لتبسيط المساطر الإدارية، والتقليل من الوثائق والمتدخلين، للحصول على رخص المشاريع التي تحتاج إلى أكثر من 90 توقيعا، و409 أيام كمعدل، ما يجعلنا بعيدين عن تسريع وتيرة الإنتاج، لأن المشروع في حاجة إلى شهر على أكثر تقدير، ما سيعطي للاستثمار دفعة قوية".