"كيف تشعرين؟ ... الآن أراك"، هكذا تسأل الطبيبة يوديليكيس رودريجز سيدة تقف في شرفة تطل على مجموعة من طلاب الطب الذين يسيرون في شارع بضواحي هافانا. وقد نشرت الحكومة الكوبية أكثر من 28 ألفا من طلاب كلية الطب في أنحاء البلاد. وبالتعاون مع أطباء آخرين، يحاول الطلاب رصد الحالات المصابة بفيروس كورونا مبكرا للتأكد من عدم انتقال العدوى إلى آخرين. وتقول شيلا زالديفار، طالبة في كلية طب الأسنان في السنة الرابعة: "نسألهم بماذا يشعرون ونرى إذا كانت لديهم أي أعراض". وتتلقى شيلا وآخرون في الكليات الطبية ال25 في كوبا التدريب حول أعراض الفيروس وعوامل الخطورة. وكانت كوبا قد سجلت حتى الثاني من يونيو الجاري 2107 حالات إصابة بالفيروس و83 حالة وفاة. ويمكن إرجاع نجاح كوبا في احتواء تفشي الفيروس حتى الآن إلى الرصد المبكر للحالات، ونقل المرضى إلى المستشفيات، ووضع أي شخص مخالط للمصاب في الحجر الصحي بمراكز، إلى جانب توفر قطاع قوي للتكنولوجيا الحيوية. ويقول ميجداليا، الذي يقف في ردهة مسكنه أثناء سؤاله من طرف اثنين من طلاب الطب حول ما إذ كان يعاني من أي حمى أو سعال أو أعراض لفيروس كورونا: "دعوهم يأتون لمنزلك كل يوم. هذه هي الحياة في كوبا". وقد حول وباء كورونا الشوارع إلى قاعات محاضرات للطلاب الذين يتنقلون من منزل إلى أخر لرصد الإصابات. إذا لم يرد أحد، يأتون مجددا ويقرعون الجرس مرة أخرى. وتقول الطبيبة رودريجز بفخر إنها تعلم أن نحو 1200 مواطن في منطقة النهر يخضعون لرعاية المركز الذي يديره طبيبها. وتقع مثل هذه المراكز الصغيرة للرعاية الصحية الأولية في كل حي بالبلاد. وهي من أسباب شعور المواطنين بالفخر بنظام الرعاية الصحية العامة في البلاد، الذي يعالج الجميع مجانا. وتضمن هذه المراكز تقديم الرعاية على مدار الساعة وفي حال وقوع حالات طوارئ، وتقول رودريجز التي تعيش فوق المركز: "فيروس كورونا أضاف لضغوطنا اليومية، ولكننا لا نستطيع أن ندعه يخرج عن سيطرتنا". وقد أمضت رودريجز، 36 عاما، ثلاثة أعوام من مسيرتها المهنية طبيبة في مستشفى بمنطقة فقيرة للغاية في فنزويلا. وكان قد جرى إنشاء المراكز الطبية في كوبا عام 1984، ويمكنها الرصد وتقديم الرعاية لمصابي حمى الضنك والسكرى والحوامل. وخلال فترة تفشي فيروس كورونا، أرسلت كوبا فرق أطباء لمساعدة 23 دولة على التعامل مع الفيروس، تشمل دولا أوروبية مثل إيطاليا. وحتى مع إرسال أطباء إلى الخارج، كان هناك عدد كاف من الأطباء في كوبا للحفاظ على قطاع الرعاية الصحية، الذي يضم أكثر من 90 ألفا من العاملين في المجال الطبي. وقالت الطبيبة رودريجز: "كل يوم، نقوم بتحقيق نشط لجميع المنازل في المنطقة، نطرق كل الأبواب، وإذا لم يكن بالمنزل أحد نعود مجددا، نبحث عن المرضى الذين ظهرت عليهم أعراض". ويعتمد الأسلوب على الإجابة الصادقة من الشخص. ماذا لو كذب وأخفى أن لديه أعراضا؟ تقول رودريجز: "الأمر يعود إلى نية الشخص الجيدة، ولكن معظمهم يعلمون بمدى شراسة الفيروس ويثقون بنا". وأضافت رودريجز، وهي توضح خطتها لليوم، حيث تقرر أي المنازل سوف تزورها هي وطلابها: "الشخص الذي يصاب بالحمى أو يبدو مريضا دائما ما يظهر علامات يمكن للطبيب رصدها، من الصعب الكذب بشأن هذا الأمر". وتعتبر وزارة الصحة الأشخاص الذين يعيشون بمفردهم وكبار السن، أو الذين يعانون من أمراض تنفسية مزمنة، في حاجة إلى رعاية خاصة. ويقول خويسه انجيل اكوينو، طبيب متدرب في السنة النهائية من كلية الطلب: "الصعوبة تكمن في المرضى الذين لا تظهر عليهم أعراض، الذين يصعب رصدهم لأنهم لا تظهر عليهم أعراض". وبمجرد اكتشاف حالة جديدة، يتم إرسال المريض إلى المستشفى، ويتم تعقيم المنزل، ويجرى وضع كل من خالط المريض في الحجر الصحي. وفي المستشفى، يجرى اختبار تفاعل بوليميراز المتسلسل (أو مقايسة الجرعات المناعية الإنزيمية) من أجل رصد جزيئات المادة الجينية للعامل المسبب للمرض. وإذا جاءت نتيجة الاختبار إيجابية، يتم إحضار أي شخص خالط المريض إلى المستشفى، وفي حال جاءت سلبية، تتم مراقبة كل من خالط المريض لمدة 14 يوما. وقالت زالديفار لوكالة الأنباء الألمانية وهي تسير مسرعة: "من الطبيعي أن تقلق الأسرة، ولكنهم يعلمون أيضا أن هذا عملنا، لذلك اخترنا دراسة الطب لمواجهة هذا النوع من المواقف". ورغم أن السحب تتشكل في السماء، منبئة بهطول الأمطار، مازالت زالديفار تريد زيارة مزيد من المنازل. *د.ب.أ