لم يكد ينتهي السجال الذي أعقب تمتيع مواطن كويتي اغتصب طفلة في مدينة مراكش، قبل ثلاثة شهور، وتمكّنه من مغادرة المغرب صوب بلاده، حتى تفجرت قضية اغتصاب الطفلة إكرام في طاطا، حيث تكرر السيناريو نفسه، تقريبا، حين متّع القضاء مغتصبها بالسراح، قبل أن يعاد اعتقاله. وخلّف تمتيع مغتصب الطفلة إكرام، ذات الستّ سنوات، موجة غضب في صفوف أهل المنطقة التي تسكن فيها أسرتها، حيث خاضوا مسيرة احتجاجٍ ضد إطلاق سراح المغتصب، وساد الغضب نفسه مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تُدوول على نطاق واسع هاشتاغ (#كلنا_إكرام)؛ ما دفع النيابة إلى متابعة الجاني في حالة اعتقال. وتعرضت الطفلة إكرام، التي تقطن في منطقة فم الحصن بطاطا، لنزيف حاد في جهازها التناسلي جراء اغتصابها يوم 4 يونيو الجاري، وتم اعتقال مغتصبها بعد ذلك، ووُضع في الحراسة النظرية، حيث اعترف بالمنسوب إليه أمام قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بأكادير؛ لكن تم تمتيعه بالسراح المؤقت، بعد أدائه كفالة مالية. وبالرغم من أن النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف بأكادير طعنت في قرار تمتيع مغتصب الطفلة إكرام بالسراح المؤقت، وقامت بعد ذلك الغرفة الجنحية بالمحكمة المذكورة بإصدار أمر بإعادة اعتقال الجاني، فإن تمتيعه بالسراح في المرة الأولى يثير إشكالا يتعلق بمدى وجود حماية قضائية للأطفال ضحايا الاغتصاب في المغرب. يعزو رشيد آيت العربي، المحامي بهيئة القنيطرة، سبب تمتيع بعض قضاة التحقيق لمغتصبي الأطفال بالسراح المؤقت إلى كون هذا الإجراء القضائي "يُتخذ بمزاجية" وبحسب منظور كل قاض إلى الملف، إذ يمكن أن يمنح قاضٍ السراح المؤقت لمتهم في ملف معين، وإذا عُرض الملف نفسه على قاض آخر لا يمنح السراح المؤقت للمتهم. وعموما، فإن ملفات اغتصاب الأطفال، يضيف المحامي آيت العربي، الذي اشتغل على ملفات كثيرة من هذا النوع، يجب أن يتمّ التعاطي معها بأقصى درجات الصرامة والحزم، قائلا: "حينما يكون الملف مستجمعا لكل أركان إثبات الجريمة، خاصة اعتراف المتهم، فمن العار أن يُطلَق سراح المغتصب". ونبّه المتحدث ذاته إلى أن تمتيع مغتصبي الأطفال بالسراح، بعد ثبوت التهمة في حقهم، سيؤدي إلى التطبيع مع هذه الظاهرة، مشددا على أن القضاء عليه أن يحمي القاصرين ضحايا الاغتصاب، باعتباره الجهة المُناط إليها حماية الحقوق، وليس أسَر الضحايا. وشهد المغرب عددا من حالات اغتصاب الأطفال، دفعت إلى إنشاء جمعيات للدفاع عن الأطفال المغتصبين، ومع انشتار الشبكات الاجتماعية واهتمام وسائل الإعلام بدأ "التابو" الذي كان يغلف هذه القضايا ينكسر؛ ما شجّع آباء وأمهات الأطفال المغتصبين على البوح بما يتعرض له أطفالهم. وموازاة مع ذلك، لا تزال الحماية القانونية للأطفال المغتصبين هشّة، فبالرغم من تشدّد بعض القضاة في إنزال أقصى العقوبات بالمغتصبين، فإن عوامل أخرى، من قبيل الهشاشة الاجتماعية للأسر وتدخّل أفراد محيطها للتنازل للجناة، يحُول دون إنزال العقاب على هؤلاء. في هذا الإطار، قال المحامي آيت العربي إن على القاضي الذي يُعرض أمامه ملف اغتصاب طفل أن ينهض بمسؤولية حماية الضحية، وألا يصفح عن الجاني حتى وإن كان هناك تنازل من طرف والديه؛ "لأن الجريمة هنا تمس فئة هشة قد يغريها المال للتنازل للمتهم، وهناك أسَر تتاجر بأطفالها ولا همّ لها سوى المال". عامل آخر يساهم في عدم متابعة مغتصبي الأطفال يتعلق بتدخلات أقارب ومعارف المغتصِب لدى أسرة الطفل أو الطفلة المغتصبة، للصفح عنه، خاصة إذا كان الجاني ذا نفوذ. وفي هذا الصدد، يشير المحامي آيت العربي إلى أن "على القاضي أن يأخذ هذه الأمور بعين الاعتبار؛ لأن عددا من العائلات، خاصة الفقيرة، لا تستطيع مقاومة الإغراءات المالية، وعلى القضاء أن يراعي مصلحة المجتمع". وختم المتحدث ذاته بالقول: "يجب أن تكون هناك صرامة في تطبيق القانون، فلا يمكن وضع مصير طفلة صغيرة في يد أسرتها الفقيرة التي يمكن إغراؤها بالمال. هذه أفعال جنائية مشينة يجب محاربتها بكل حزم وصرامة".