من أجل إعادة الفهم سوف لن أتحدث عن أية فلسفة، لا فلسفة الروح عند هيجل و لا فلسفة العمل عند هنري أورفون و لا فلسفة العقل عند دونالد دافسن ولا فلسفة الأخلاق عند فريديريك نيتشه و لا فلسفة الاختلاف عند جيل دولوز و لا عن غيرها من الفلسفات، ولكن سوف أتحدث عن فلسفة التوظيف بالمغرب و ما تثيره في هذه اللحظة المفصلية من تاريخ المغرب من إشكاليات و ما يترتب عليها من تأويلات متعددة و متضاربة بحسب اختلاف الآراء و تعارضها، وإذا فما معنى أن نفلسف آراءنا وتصوراتنا ونقاشاتنا حول إشكالية التوظيف! ألا يعني هذا أننا نؤسس لحوار مجتمعي حقيقي نستحضر فيه العقل كما نستحضر الواقع لحلحلة المشكلة من جذورها، وعليه فإن تغييب الفلسفة من هذا النقاش الراهن هو تغييب مقصود للعقلانية و إمكانياتها اللامتناهية من أجل الفهم و التفسير و التعليل و بالتالي البحث عن السبل الكفيلة للعلاج و الحل. و من هذا المنطلق كم تحتاج حكومة السيد عبد الإله بنكيران الموقرة من الوقت لكي تغير التصورات و تبدل القناعات و تطرح المقاربات الممكنة لدى حاملي الشهادات العليا لإقناعهم بأن هناك بدائل أخرى ممكنة غير التوظيف أو الإدماج المباشر! وما هي الضمانات الحقيقية التي ستطرحها السياسة الجديدة لحكومة عبد الاله بنكيران بالنسبة لجميع حاملي الشهادات ودون استثناء بالشكل الذي لا يثير حساسية وحفيظة أي طرف على طرف آخر و أعني بذلك هل ستستمر حكومة السيد عبد الاله بنكيران في نهج نفس سياسات الحكومة السابقة التي مارست تمييزا عنصريا مفضوحا في مسألة التوظيف بالمغرب من خلال مرسومها الوزاري المشهور الذي قضى بإدماج حاملي الشهادات العليا فقط و استثناء باقي الخريجين! ومن هذا المنطلق ما هي الفلسفة التي ستتبناها حكومة بنكيران لاحتواء تداعيات عليها هذا المرسوم الذي ابتكرته الحكومة الموقرة السابقة لحل بطالة الأطر العليا! وهل هناك في العالم بجميع أقطاره مراسيم وزارية شبيهة بهذا المرسوم تقر بمسؤولية الدولة المباشرة في إدماج جميع حاملي الشهادات العليا في أسلاك الدولة إدماجا مباشرا! ثم ألم يشعل هذا المرسوم حفيظة جميع خريجي الجامعات للمطالبة بالإدماج المباشر أسوة بباقي الأطر التي استفادت من هذا المرسوم! إننا نطرح هذه الأسئلة لوعينا بالمأزق الخطير الذي أفضى إليه هذا المرسوم الأسود و حجم التداعيات التي أشعلها بين جميع خريجي الجامعات المغربية الذين عقدوا العزم على النضال و الصمود في إطار مجموعات و تنسيقيات للدفاع عن حقهم في التوظيف المباشر و بالتالي الاستفادة من نفس تجارب المجموعات التي حصدت ثمار هذا المرسوم في التوظيف المباشر من خلال اقتحام الوزارات و القيام بكل الأشكال التصعيدية من اعتصامات و إنزالات للضغط على الدوائر الرسمية للاستجابة لمطالبها و إنزالها حيز التنفيذ، و أيضا عقدوا العزم على إسقاط كل أشكال التمييز الذي رافقت هذا المرسوم و الذي قضي بتوظيف حاملي الماستر والدكتوراه و استثناء باقي الخريجين، انطلاقا من قناعتهم على أنه لا توجد هناك فوارق جوهرية ملموسة بين مختلف خريجي الجامعات و خاصة بين حاملي الإجازة بالنظام القديم و مايسمى بشهادة الماستر أو الدكتوراه الوطنية ففي ظل جامعة مغربية غير مصنفة و لا تتمتع بأية مصداقية علمية وفي ظل استشراء الزبونية و المحسوبية في تسجيل بعض الطلبة دون غيرهم إما لارتباط عائلي أو مصلحي ضيق أو نزواتي، وأيضا في ظل نظام امتحانات سهل سمح للغث و السمين بالحصول على ما يسمى الإجازة المهنية و غيرها من الشهادات العليا بالمقارنة مع نظام الامتحانات القديم الذي كان يحدد بدقة مستوى الطالب الحقيقي و أهليته العلمية و بالتالي استحقاقه لشهادة الإجازة، ولعل الخطة الجهنمية التي كانت تسعى الدوائر الرسمية من خلالها لضرب نظام الإجازة القديم إنما كان يهدف بالدرجة الأولى إلى تفريغ الجامعة المغربية من مضامينها العلمية الحقيقة و أيضا من إرثها النضالي المشهود، إنها سياسة مقصودة و تضليلية كان الهدف منها اللعب على الكم أكثر من الكيف لايهام الرأي العام أن الجامعة المغربية أصبحت أفضل لكن العكس هو الحقيقة. إننا نطرح هذه الأسئلة في ظل هذا الحراك المطلبي المشروع الكبير و الضخم الذي يقوم به خريجو الجامعات المغربية لنؤكد على أن تكرار نفس الحلول الطبقية التي طبقتها الحكومات المغربية السابقة من لدن الحكومة الحالية سوف لن يزيد إلا في تفاقم الوضع و بالتالي فقدان الثقة في المستقبل... [email protected]