المساء» هي الجريدة الأوسع انتشارا في المغرب. جريدة فتية خرجت إلى السوق منذ أكثر من سنة ولكنها شككت الكثيرين في قيمة الجرائد الأخرى القديمة التي كانت تحتل قائمة المبيعات في البلاد. لنقولها بكل صراحة، لقد أخذت منهم عشرات الآلاف من القراء. وكلما زادت نسبة مبيعات «المساء» ارتفاعا في السماء، زاد انخفاض نسبة مبيعات المطبوعات الأخرى. فعلى سبيل المثال تباع 140 ألف نسخة من العدد المزدوج لجريدة «المساء» الذي يصدر نهاية كل أسبوع، وهو رقم عالي بالنسبة للمغرب، الذي حسب أرقام الموزعين يقل عن 300 ألف قارئ، حتى وإن عددنا جميع أنواع الإصدارات (الصحف والمجلات الأسبوعية والشهرية، باللغتين الفرنسية والعربية). "" فرشيد نيني مدير جريدة «المساء» هو من يمكن أن تطلق عليه اسم ظاهرة الصحافة. رشيد ليس طالبا سابقا في أية مدرسة كبيرة. لقد كان مهاجرا سريا في إسبانيا، وعمل في حقول البرتقال بمدينة فلنسية الإسبانية، وكان عاملا في عدد من أوراش البناء، وباع البيتزا وانتهى الأمر نادلا من الدرجة الثانية في إحدى الحانات من الدرجة الثالثة قبل أن يقرر العودة إلى المغرب ليبدأ في الاشتغال ككاتب عمود خاص حوله إلى قلم مخيف يستنكر ويسخر من كل ما تعيشه الدولة من ظلم ونفاق. شخصيا، أعتبر أن «المساء»، مثل الجريدة الإسبانية «أ.ب.س» أو الفرنسية «لوفيغارو»، إنها يومية تتمسك بالقيم الخاصة للدولة أينما وجدت. وفي هذه الحالة فهي ليست قيما غربية. لهذا السبب وعندما انفجرت فضيحة ما سمي ب«عرس الشواذ» في مدينة القصر الكبير، التي انتهت بتظاهرات الاشمئزاز من المواطنين ومحاولة قتل ستة مثليين جنسيا في قلب هذه المدينة، لم تقم جريدة «المساء» سوى بنفس ما قام به جميع زملائها. نشرت خبرا عن الحادث، وأبدت امتعاضها من إقامة «عرس للشواذ» (في الواقع كان حفلة)، ولكن الجريدة لم تدع إلى التمثيل بالمثليين جنسيا في الشارع العام، كما فعلت بعض الجمعيات المحلية وبعض الإسلاميين، وبعض ما يسمى بالمجتمع المدني، وأخرى، وهذا هو الملفت للنظر، جمعية لحقوق الإنسان. خلال الأزمة، تابعت كأي شخص في العالم هذه الأحداث المؤسفة. شخصيا، لم يرقني ما كتب حينها في الصحافة المغربية، بما في ذلك «المساء». مهنيا، لا يمكنك مؤاخذتها على نشرها مقالا ضد المثليين لأن القانون المغربي بنفسه يدينهم، ولكن دائما هناك طرق لتلتوي ضد القانون عندما يكون هذا الأخير غير عادل. ولكن ما بدا لي خطيرا هو ما قامت به جريدة أخرى، نشرت صورا للمثليين جنسيا كما لو كانت تبديها إلى الشارع الغاضب، وهو أمر لم تقم به «المساء». وأسبوعية «الوطن الآن» أيضا قامت بنفس الشيء. بل الأخطر من كل ذلك كانت كلمات وزير الداخلية داخل البرلمان، حيث وصف المثليين الستة ب«المنحرفين جنسيا». ولهذا فعندما قامت مجموعة من مديري بعض الإصدارات الرئيسية في المغرب واستفادت من هذه الأزمة لإطلاق «دعوة للدفاع عن الحريات الفردية» اعتقدت أننا في النهاية سنفتح نقاشا حول «تابوهات» المجتمع المغربي. ولكن الأمر لم يكن كذلك. بل استغلت هذه الحفنة من «الغاضبين» تلك الأحداث المروعة، ليس للمطالبة بوضع حد للنبذ القانوني للشذوذ الجنسي، بل لإدانة جريدة «المساء» وحدها، والمثير في هذا هو وجود من بين محرري وموقعي «البيان»، الذين يصفون أنفسهم ب«الليبراليين» و«الديمقراطيون»، عدد كبير من المتعصبين والداعين إلى إقامة محاكم التفتيش. أحد المدافعين المفترضين عن «الحريات الشخصية»، سبق له أن دعا علانية وفي مناسبات عديدة إلى إطلاق النار على الذين يدافعون عن حق الصحراويين في تقرير المصير. وآخر دعا في مقال له إلى «جمع ثلاثة صحفيين مستقلين داخل خيمة واغتصابهم»، وهم ثلاثة صحفيين كشفوا أن رئيس حزبه شارك في مؤامرة لاغتيال الملك الراحل الحسن الثاني. والأخير، الذي يدعو إلى الضحك أكثر، أن هذا الشخص لا يتردد في نعت زملائه في الصحافة المستقلة «بالشواذ الجنسيين» كلما سمحت له الفرصة بذلك. هؤلاء هم الذين يسعون للدفاع عن الحريات لدينا. في الواقع، لا ينبغي أن نغير الموضوع، فحقوق المثليين جنسيا هي مجرد قناع. والشواذ جنسيا المغاربة هم مجرد إضافات. الأمر في حد ذاته يتعلق بتصفية الحسابات بين الصحف. هذا هو سبب نجاح جريدة «المساء»، الذي خط تحريرها، شئنا أم كرهنا، لا يختلف كثيرا عن غالبية الجرائد المغربية. وبالإضافة إلى ذلك، إذا كان يتم التنديد بتجريم ممارسة الشذوذ الجنسي، كما يدعي «المستاؤون» فيجب أن تكون لديهم الشجاعة ليطالبوا الدولة بإلغاء الفصل 489 من القانون الجنائي الذي يدين ممارسة الشذوذ الجنسي ويعاقب عليها بأحكام تتراوح بين ستة أشهر وثلاث سنوات، وهو أمر لم يتجرأ أحد على القيام به إلى غاية اليوم. يوم الأحد الماضي، تعرض رشيد نيني في حوالي الثامنة مساء لهجوم وحشي من قبل ثلاثة رجال مدججين بأسلحة بيضاء أمام محطة القطار بالرباط. هاجموه سرقوا حاسوبه الشخصي المحمول وهاتفين. محطة القطار التي توجد في قلب العاصمة لم تكن أبدا منطقة غير آمنة. عن جريدة المساء