دعما للفنّ والفنانين خلال أزمة جائحة "كورونا"، أعلنت المؤسسة الوطنية للمتاحف تخصيص 6 ملايين درهم لدعم فنّانين تشكيليين تحدّدهم لجنة خاصة. وتتكوّن هذه اللجنة من الفنانين فؤاد بلامين، ومحمد الباز، ومحمد المليحي، ومريم السبتي، مديرة نشر المجلة الفنية "Diptyk"، والشاعر المترجم محمد بنيس، وعبد العزيز الإدريسي، مدير متحف محمد السادس للفنّ الحديث والمعاصر بالرباط. وقال المهدي قطبي، رئيس المؤسسة الوطنية للمتاحف (FNM)، إنّ "هذه اللجنة تتكوّن من ثلاثة أجيال من الفنانين الذين لا جدال حول فنهم، دورها هو اختيار المعنيين بهذا الدّعم". وأضاف: "بعد ذلك، هناك لجنة معيّنَة بشراكة مع وزارة المالية ستتصرّف في إتمام عمليات اقتناء الأعمال الفنية لهؤلاء دعما لهم". وفي تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، وضّح المهدي قطبي أنّ ميزانية المؤسسة الوطنية للمتاحف تتضمن شقّا مخصّصا لاقتناء الأعمال الفنية، منه أخذت الملايين الستة التي ستخصص لدعم هؤلاء الفنانين "خلال هذه الفترة المعقَّدَة". وتابع المتحدّث بأن ذلك "من صلاحيات المؤسسة لإغناء مجموعات المتحف، ومن أجل هذا المقصد، سيتمّ كلّ شيء في احترام للقانون، ومن خلال لجنة للاقتراح". وفي سياق متّصل، توصّل رئيس المؤسسة الوطنية للمتاحف برسالة من رئيس معهد العالم العربي في باريس يدعو فيها إلى "صفقة ثقافية جديدة"، يشارك فيها المغرب وفرنسا، من أجل صياغة نموذج ثقافي جديد يستثمر الأزمة الراهنة، وتُرى ثماره في عالم الغد. وقال المهدي قطبي إنّ مضمون هذه الرسالة "نشاركه مع جاك لانغ"، علما أنّ المبادرة التي أُعلِنَ عنها اليوم تمّ التخطيط لها مسبقا، وهي نابعة "من منطق ندافع عنه". وتطرّقت رسالة جاك لانغ، رئيس معهد العالَم العربي بباريس، للشّأن الثقافي، بعدما خيَّمَت الأزمة الرّاهنة على الحياة الثقافية في المغرب وفرنسا، الأمر الذي "لا يجب الاستسلام أمامه، بل العكس تماما، يجب المجاهَدة لمواجهته". وذكر لانغ في رسالته، توصّلت هسبريس بنسخة منها، أن إيمانويل ماكرون، رئيس الجمهورية الفرنسية، قد أعلن عن مجموعة من التدابير لصالح المبدِعين، موردا أن حلمه "أن نذهب إلى ما هو أبعد". واستحضر في تفصيله بخصوص أمله في "صفقة ثقافية جديدة"، ال"نيو ديل" الأمريكي الذي جاء بعد الكساد الكبير لإنعاش المتضرّرين ومنع الأزمة من الحدوث مجدّدا. ووضّح لانغ، الذي حمل حقيبتي وزارتَي الثقافة والتعليم الفرنسيّتَين في فترات متعدّدة، "أنّنا نعيش فرصة تاريخية حقيقية لتحقيق صفقة ثقافية جديدة حقيقية"؛ وهو ما توصل إليه وهو يعيد قراءة مؤلّفات حول ثورة الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت "تتحدّث عن البرنامج الذي أُسِّسَ بثقة في أنّ الفنون يمكن أن تكون رافعة في فترات الأزمة، لا في خلق فرص الشغل فقط، بل في إعادة خلق أمل الشعب الأمريكي أيضا". هذا البرنامج، يضيف لانغ في رسالته، "أدمج خلال شهور عشرات الآلاف من الفنانين، منهم سبعة آلاف كاتب، ومئات الرسامين والنحّاتين، وستّة عشر ألف موسيقي، وخلق العديد من المؤسسات، من بينها خمسة مسارح جهوية شغَّلَت ما يقرب من 13 ألف ممثّل". وأبرز لانغ أن "هذه الإجراءات النابعة من قلب الأزمة، أنتجت أكبر الفنانين في التاريخ المعاصر للولايات المتحدةالأمريكية، من كتاب، ورسامين، وموسيقيّين، وسينمائيّين، ومسرحيّين، إضافة إلى ما نتج عنها من اعتراف ثقافي بالعديد من الفنّانين السود". ويرى رئيس معهد العالم العربي بباريس، في رسالته إلى رئيس المؤسسة الوطنية للمتاحف بالمغرب، أنّ هذه السابقة التاريخية يجب التأمُّل فيها اليوم، متسائلا: "أليس هذا وقت إبداع نموذج ثقافي جديد؟ ما رأيك؟". وقال لانغ إنّ الملك محمدا السادس منذ اعتلائه العرش قد أظهر ارتباطه بالفنّ والثّقافة، وأضاف أن "المغرب أخذ مكانا ضخما في الحياة الثقافية والفنية العالَمية، خاصّة متحف محمد السادس بالرباط الذي يوفّر معارض من الدرجة الأولى لجميع المغاربة والزوار من العالَم أجمع". ولم تتطرّق الرسالة فقط للشّأن الثقافي بالمملكة، بل أثنت أيضا على سياستها في مواجهة الجائحة، حيث كتب لانغ يقول: "في فرنسا نحن معجبون بالتحرّك المشهود الذي قامت به السلطات المغربية، ودفعَةِ الملك محمد السادس لمواجهة الجائحة"؛ ومن أمثلة ذلك حرص المغرب على التّصنيع الهائل للأقنعة الواقية التي سمّم نقاشها منذ مدة طويلة الحياة السياسية الفرنسية. ويرى جاك لانغ في رسالته أنّ المغرب يمكنه شقّ طريق رؤية جديدة في المجال الثقافي، وعبر عن أمله "أن تستطيع فرنسا والمغرب العمل بشكل وثيق في هذا المشروع الجميل، يدا في يد".