تروج في وسائل التواصل الاجتماعي في هذه الأيام الدواهي والناس كلهم أمل أن يرتفع هذا الوباء والبلاء عن البشرية ويبقى الإنسان متطلعا متفائلا لأي شيء يزيل بلواه: أعلل النفس بالآمال أرقبها..ما أضيق الحجر لولا فسحة الأمل..أسئلة هنا وهناك: متى وهل سينحصر "فيروس كوفيد19" بطلوع نجم الثريا؟ ومتى هذا وكيف ذلك؟ وهل ما ورد من الأحاديث يصح الاستدلال به كما يكتب وينشر...؟. نذكر هذا مع ما يجب على الأمة من البحث عن الدواء واللقاح لهذا الفيروس الفتاك، فما أنزل الله داء إلا وأنزل له دواء، والخير في أبناء وطننا ولا نشك في قدراتهم متى أتيحت لهم الفرصة، فهم أمة العلم والطب، وفي هذا تذكير للأمة الإسلامية والعربية لتهتم بالعلم والعلماء والبحوث العلمية لتستعيد أمجادها: نتذكر أول شهادة طبية تمنح من جامع القرويين كما هو مدون تاريخيا، نتذكر الأطباء المغاربة الأندلسيين وخَلَفهم، إنجازاتهم، إجازاتهم، اختراعاتهم.. فتحية إجلال وتقدير لكل الأطباء، إذا ما الأمر في ما يروج...؟. النجم المقصود بالطلوع هو الثريا، وهي عنقود نجمي1 من منازل القمر الثمانية والعشرين الأكثر شهرة وذكرا، وصورتها الظاهرة ست أنجم متقاربة حتى كادت تتلاصق، وتسمى الشقيقات السبع، وهي منزل شامي2 يقع إلى الشمال من خط الاستواء السماوي ببرج الثور "Taurus" وسميت الثريا في الأنواء لأن مطرها عنه تكون الثروة والزيادة في المحصول، وهي تصغير ثروى، ولم ينطق بها إلا مصغرة. أما ما ورد من روايات الحديث في مسألة وقت طلوعها وذهاب العاهات: 1. في الجامع الكبير للسيوطي بتحقيق ونشر مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف برقم 2168 عن أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم: "إِذَا طَلعت الثُريِّا أمِنَ الزَّرْعُ مِنَ العاهَةِ"3. 2. وفي الجامع الكبير برقم 2166 عن أبي هريرة أيضا: "إذا طلعَ النّجْمُ ارتفعتْ العاهةُ عن كلِّ بلدٍ". 3. وفي رواية أبي داود عن أبي هريرة مرفوعًا: "إذا طلع النجم صباحًا رفعت العاهة عن كل بلد"، وفي رواية "رفعت العاهة عن الثمار"5. 4. وبرقم 18945 في الجامع الكبير: "مَا طَلَعَ النَّجْمُ صَبَاحًا قَطُّ وَبِقَوْمٍ عَاهَةٌ إلا وَرُفِعَتْ عَنْهُمْ أَوْ خَفت"6. 5. وفي مسند أحمد بتحقيق شعيب الأرناؤوط عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَا طَلَعَ النَّجْمُ صَبَاحًا قَطُّ، وَتَقُومُ عَاهَةٌ، إِلَّا رُفِعَتْ عَنْهُمْ أَوْ خَفَّتْ"7. 6. وفي المعجم الأوسط للطبراني برقم 1305 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا طَلَعَ النَّجْمُ صَبَاحًا قَطُّ، وَبِقَوْمٍ عَاهَةٌ إِلَّا رُفِعَتْ عَنْهُمْ».8 7. وفي مسند أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلمْ: "إذا طلع النجم ذا صباح رفعت العاهة") 9. والخلاصة: أن الحديث ضعفه السيوطي وأحمد شاكر والألباني وحسنه بمجموع طرقه وشواهده العلامة شعيب الأرناؤوط، وسكت عنه ابن حجر في فتح الباري. أما شرح ذلك فقد ذهب أكثر العلماء إلى أن المراد بالحديث عاهة الثمار، وذهب جمع منهم إلى أن العاهة في الحديث عامة وتشمل عاهات بني آدم ومنها الأوبئة، وقال بعضهم قد أجرى الله العادة منذ جاهلية العرب أن الأوبئة إن فشت في الناس فإنها ترتفع مع وقت طلوع الثريا صباحا. قال المناوي في التيسير بشرح الجامع الصغير: ما طلع النّجم (يعني الثريا) عند الصّبح وبقوم عاهة في أنفسهم من نحو مرض ووباء أو في مالهم من نحو ثمر وزرع إلا رفعت عنهم بالكلّيّة أو خفت أي أخذت في النّقص. اه. قال بعضهم: وبعد تتبعي لأخبار الأوبئة والطواعين في كتب التاريخ والتراجم ترجح لدي أن الحديث عام ويشمل كذلك الطواعين والأوبئة، فإنها إن أصابت الناس ووافق انتشارها بينهم طلوع الثريا في العشر الأواسط من شهر مايو أيار، فإنها غالبا ما تخف وتنقص أو ترتفع بالكلية وذلك بما أجراه الله من العادة، والله أعلم. قال ابن حجر العسقلاني10: النجم هو الثريا، وطلوعها صباحا يقع في أول فصل الصيف...وكانت الطواعين الماضية تقع في فصل الربيع بعد انقضاء الشتاء، وترتفع في أول الصيف. اه. قال ابن قتيبة في الانواء: إذا طلع النجم لم يبق في الأرض شيء من العاهة إلا رفع، فإنه يراد بذلك عاهة الثمار لأنها تطلع بالحجاز وقد أينع البسر وأمنت عليه العاهة. وللاجدابي: لمعرفة طلوع الثريا فاعرف منزلة الشمس فالسابعة والعشرون هي الطالعة بالغداة مع طلوع الفجر ونظيرها هي الساقطة حينئذ وهي الثالثة عشرة من منزلة الشمس، ونظيرها بالغرب يسمى الرقيب: كما قيل أحقا عباد الله أن لست ملاقيا ** بثينة أو يلقى الثريا رقيبها الخلاصة من الأحاديث وشرحها : • أن الحديث مختلف فيه ومن ضعفه أكثر ممن صححه، ولو سلكنا مذهب من صححه في أمر رفع العاهة، وهي علامة جعلها الله على الأغلب بما أجراه من العادة. وقد لا يكون زوال الأوبئة عند طلوع الثريا في كل وباء يحصل بل هي علامة غالبة وليست دائمة، ولكن الأصح والواضح أن الوقت معين يخص الثمار وجنيها، وهذا معروف في الأمور الفلاحية عند العرب وقبلهم، فالأنواء إنما يؤقتون بها والشرع نهى ربط الغيث وغير ذلك بها.. "فأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب". الحديث.. ولكن لا بأس أن تجعل أعلاما للأمطار وغيرها مما أجرى الله به العادة في ملكوته كما هو معلوم من الشهور، فمنها شهور الشتاء ومنها شهور القيظ ومنها ما هو وقت للاعتدال كما قال أهل العلم. • أن طلوعها في الحديث يكون صباحا مع طلوع الفجر. • أن وقت طلوعها فجرا الآن تغير وقد انتقل بالحساب الرصدي إلى أواخر الشهر "مايو" وليس وسطه كما كان قديما ومدون في كتب الأنواء. • لعل ارتفاع الوباء هنا-والله أعلم- مرتبط بارتفاع الحرارة لما يروى عند بعض أهل الطب أن الحرارة تكون من أسباب زوال أو نقصان الفيروسات. وإن لم يتأكد الأمر بعد بشأن فيروس كوفيد19 فمازالت الأبحاث متواصلة لمعرفة المزيد، وإن غدا لناظره لقريب. وطلوعها بالفجر منصف آيار-مايو- على حساب المتقدمين وعلى حساب المغاربة والفلاحين السابع والعشرون من بشنس والشمس في عاشر درجة من الجوزاء11 وهو أول الصيف12. قال ساجع العرب: "إذا طلع النجم غديَّة ابتغى الراعي شكيَّة"، والشكية تصغير شكوة وهي قربة صغيرة، ويريد ألا يستغنى عن الماء لشدة الحر. قال: إذا طلع النجم فالحر في حدم والعشب في حطم والعاهات في كدم. حواش: [1] تعرف أيضا بالنجم وتسمى m45 وهو المعروف الآن في خريطة السماء المبرمجة على التلسكوبات والمتعارف عليها. [2] ولعمر بن أبي ربيعة. أَيُّها المُنْكِحُ الثُّرَيا سُهَيْلاً ** عَمْركَ اللَّه، كَيْفَ يَلْتَقِيانِ هِيَ شامِيَّةٌ إِذا ما اِستَقَلَّت ** وَسُهيلٌ إِذا اِستَقَلَّ يَمانِ [3] وعزاه للطبراني في الصغير وقال إن السيوطي رمز له بالضعف في الجامع الصغير برقم 744 وفي نسخ طلع على إرادة النجم، أي ظهرت للناظرين عند طلوع الفجر؛ وذلك في العشر الأوسط من مايو، وأراد أن العاهة تنقطع والصلاح يبدو غالبا في الزرع والثمار، وإنما نيط بها للغالب فإن عاهة الحب والثمر تومن بأرض الحجاز عنده، وانظر الحديث برقم 2141. [4] وعزاه لأحمد وفي رواية أبي داوود مرفوعا "إذا طلع النجم صباحا رفعت العاهة عن كل بلد" وفي رواية رفعت العاهة عن الثمار وانظر حديث رقم 1143. [5] وأورد الألباني هذه الرواية في سلسلة الأحاديث الضعيفة برقم 397 وقال: "أخرجه الإمام محمد بن الحسن في " كتاب الآثار" ص159 وكذا الطبراني في "المعجم الصغير" وفي "الأوسط" وعنه أبو نعيم في أخبار أصفهان، وقال النجم الثريا وحكم عليه بالضعف، وقال الألباني: وهذا إسناد رجاله ثقات إلا أن أبا حنيفة رحمه الله على جلالته في الفقه قد ضعفه، من جهة حفظه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن عدي، وغيرهم من أئمة الحديث؛ لذلك لم يزد الحافظ ابن حجر في التقريب على قوله فقيه مشهور نعم قد تابعه عسل بن سفيان عن عطاء لكنه ضعيف أيضا وخالفه في لفظه فقال: إذا طلع النجم ذا صباح، رفعت العاهة، أخرجه أحمد والطحاوي في "المشكل" والطبراني في "الأوسط" أيضا، والعقيلي في "الضعفاء" وقال: عِسل بن سفيان في حديثه وهم.. قال البخاري: "فيه نظر، ولا يخفى وجه الاختلاف بين اللفظين، فالأول أطلق الطلوع وقيد الرفع ب عن كل بلد، وهذا عكسه فإنه قيد الطلوع ب ذا صباح، وأطلق الرفع فلم يقيده بالقيد المذكور، وهذا الاختلاف مع ضعف المختلفين يمنع من تقوية الحديث كما لا يخفى على الماهر بهذا العلم الشريف". سلسلة الأحاديث الضعيفة1/572-573-اه [6] رواه أحمد عن أَبي هريرة وضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير برقم 5096.ص:736 الضعيفة 397. [7] برقم 9039 مجلد 15: وعلق شعيب الأرناؤوط عليه قائلا: "حديث حسن، عسل بن سفيان -وإن كان ضعيفاً- قد توبع. وهيب: هو ابن خالد بن عجلان الباهلي مولاهم وأخرجه الطحاوي في مشكل الآثار من طريق عفان بن مسلم بهذا الإسناد. [8] تقد قول الألباني في الضعيفة برقم 397 [9] برقم 8476 وعلق عليه العلامة أحمد شاكر قائلا: "إسناده ضعيف، لضعف عسل بن سفيان"، وروى السيوطي في الجامع الصغير: "إذا طلعت الثريا أمن الزرع من العاهة" رواه الطبراني في الصغير عن أبي هريرة، وأشار السيوطي إلى أنه حديث ضعيف". [10] في بذل الماعون في فضل الطاعون357 [11] ويكون ذلك في آخر يوم من مايه [12] حاشية الخرشي على مختصر خليل 2/410، يقول صاحب المقنع: ويوم يز(17) للمصيف تثبته. لكن منازله الآن تغيرت بحساب الرصاد، وهذا الأمر قد سأل عنه المزولي المؤرخ الاكراري السوسي رحمه الله عند خروجه -في رمضان1912- مع المجاهد أحمد الهيبة لمراكش فاغتنم الفرصة وكان له لقاء بالفلكي سيدي محمد الفلكي فسأله فقال رحمه: سيدي أردت من فضل الله أن تزيل إشكالا وهو أنا إذا قلنا مثلا الشمس في برج كذا فغابت الشمس فجن الظلام والبرج الذي فيه الشمس مازال مرئيا، فأجاب فقال: لا بد أن تزيد لغروبه حركة الإقبال، فبمجرد أن قال ذلك أزال الإشكال فقبلت يده فعلمت صحة ما يقال: العلم من أفواه الرجال لا من بطون الدفاتر، من يأخذ العلم من شيخ مشافهة...يكن من الزيغ والتصحيف من حُرَم/ ومن يكن آخذا للعلم من صحف.. فعلمه عند أهل العلم من عدم، قاله الشمني المغربي، فهذه الفائدة في هذا السفر فيها كفاية (روضة الافنان 95-96)، وهو ما قال به العلامة سيدي صالح الالغي رحمه الله في المنقع: من استخرج في هذا العصر بالرصد منزلة الشمس وجدها تخالف ما ذكره المصنف بنحو خمسة أيام. إنما حركة الإقبال زادت فزال موجب الإشكال. (110) .اه لكن الأمر هو أكثر من ذلك فمنزلة الثريا الآن لا تطلع إلا في أواخر الشهر والأمور تدرك بالحساب الرصدي ولا إشكال والله أعلم.