بسبب قرار الحجر الصحي الذي اتخذته السلطات العمومية لمواجهة فيروس "كورونا" (كوفيد 19)، برزت قضيتان مترابطتان موضوعهما الأطفال في وضعية تمدرس . الأولى تخص طبيعة التدابير الاحترازية التي من المفروض أن تعتمدها المدرسة لضمان استمرارية وظيفتها البيداغوجية داخل البيوت وتحت رعاية الأسر على اختلاف ظروفها، والثانية تخص نوعية التدخلات التي من المفروض أن تقوم بها الأسرة لاحتضان المدرسة في البيت وضمان حق الأطفال المتمدرسين في الرعاية البيداغوجية إلى جانب حقهم في الرعاية الوالدية. سؤال الرعاية البيداغوجية والرعاية الوالدية يقودنا إلى الحديث عن أشكال مختلفة من المواكبة التربوية التي موضوعها الطفل، ليس فقط في ظل هذا الوضع المستجد والذي هو حتما سينجلي، وإنما بشكل دائم. يعد الطفل/ المتعلم (ة) ، ذاتا إنسانية متعددة الأبعاد، تنمو وتتطور في سياقات طبيعية ونفسية واجتماعية وثقافية واقتصادية تتميز بالتنوع والاختلاف والمفارقات، فهو يتفاعل مع نمط المواكبة التربوية الوالدية في بيئة الحرم المنزلي والأسري وخصوصياتها السوسيو – ثقافية واقتصادية ، ومع نمط المواكبة التربوية المدرسية في بيئة الحرم المدرسي وسياقاتها البيداغوجية والتدبيرية المختلفة، كما يتفاعل مع نمط آخر من المواكبة العرضانية التي يتداخل فيها ما هو كوني بما هو مجتمعي محلي، و تمارسها، بشكل صريح أو ضمني، قوى أخرى ذات بنية مركبة. تتكون عناصرها من فعاليات المجتمع والفضاء العام والبنى الثقافية والاقتصادية المهيمنة على الفضاءات العمومية الواقعية والافتراضية والتي تتوجه إلى الطفل بصفته عنصر استهداف أساس لكونه الفاعل الاستهلاكي الأكثر سرعة في التفاعل والأشد قابلية للإغراء والانفعال والتأثير في محيطه الأسري. بطبيعة الحال، تختلف درجة تأثير هذه الأنماط من المواكبة بحسب مستوى نماء شخصية الطفل، وبحسب درجة تفاعله ، وبحسب حجم التدخلات التي يحظى بها من طرف أسرته أو مدرسته أو مجتمعه، وبحسب مستوى نفاذية كل شكل من أشكال المواكبة ودرجة التحكم التي تتميز بها. عرفت المجتمعات الإنسانية، ومنها المجتمع المغربي، تحولات عميقة في أولوياتها وانشغالاتها، في أنماط وقواعد عيشها وتفكيرها وتدبيرها تبعا لما اعتور بنياتها التحتية الصلبة من تغيرات، أثرت بشكل واضح على كل من المدرسة والأسرة من حيث البنية ومن حيث الوظائف ومن حيث أشكال القيادة والتدبير. فكان من بين نتائجها: 1 - ظهور نموذج المدرسة "المحايدة" المتخلية عن مهمتها التربوية والتأطيرية، المكتفية بمهمتها التدريسية والمعرفية، المرتبطة بحاجات السوق وخوارزمياته غير المعترفة بسلطة العقل الجمعي والمصلحة العامة، في محاولة موجَّهة للحد من تدخلات المدرسة في تشكيل الوعي الجمعي الممانع، وفي خلق نوع من الارتباك في السيولة الاجتماعية بما تحدثه من اختراقات في جدار بنية علاقات الإنتاج وأنماط العلاقات الاجتماعية والسياسية السائدة. وكلنا يعرف ما قام به جيل الأساتذة الرواد في تاريخ المغرب المعاصر من أدوار طلائعية في تشكيل الوعي السياسي والحقوقي لدى تلاميذ التعليم الثانوي والجامعي منذ منتصف الستينات من القرن الماضي (الحركة التلاميذية وأحداث مارس 1965 – الحركة الطلابية وأحداث ماي 1968 - .....)؛ 2 - اختفاء نموذج الأسرة " الراعية" بسبب ارتفاع درجة حرارة النزعة الاستهلاكية في جسم المجتمع وانتشار وباء الفردانية وهيمنة سلطة الموضة، حيث تخلت هذه الأسرة عن دورها الرعائي الكامل، وأصبحت في مقصرة في قيامها بوظيفتها المعرفية والتوجيهية، واكتفت بمهمتها البيولوجية، معتمدة أشكالا جديدة للتعويض والتدبير المفوض لكثير من مهامها التي كانت تعدّ من أهم دوافع الوجود الأسري، في حد ذاته. تدبير مفوض لم تسلم منه حتى مهمة الاحتضان البيولوجي. فأصبحت غير قادرة على التوفيق بين متطلبات العمل المهني المأجور والعمل الأسري "غير المأجور" وعاجزة عن خلق التوازن المطلوب وتعويض النقص الحاصل في الحصانة المناعية للأطفال ضد مختلف أشكال الاستيلاب والاستقطاب الذي تمارسه السوق الثقافية والاقتصادية المهيمنة. بفعل هذا الانسياق الجامح اختلّ التوازن في الأدوار والوظائف فكان من بين أهم تجليات الوضعية الراهنة: 1 - انتشار سلوكات منحرفة في الوسط المدرسي (العنف بمختلف أنواعه – الغش بكل أنواعه ومستوياته – الاستغلال بكل أنواعه – غياب القدوة والنموذج - تسليع المعرفة -– طغيان البعد الإشهادي والاقتصادي للمعرفة مقابل بعدها الإنساني والاجتماعي – ....)؛ 2 - اختلال في العلاقة بين نسب ومعدلات النجاح المحصلة والمستوى الفعلي للتحصيل والاكتساب وجودة التعلمات، وصعود نجم مهندسي الإعداد المركّز للامتحانات الإشهادية وللمباريات وامتحانات الولوج إلى مؤسسات التعليم العالي ذا الاستقطاب المحدود والمميز في سماء الخبرة والمردودية والنجاعة؛ وانتشار سوق كسب النقط عن طريق الساعات الإضافية متخذة من مقرات بعض الهيئات والمؤسسات والشقق الخاصة فضاء أسود لأنشطتها، على حساب رصيد الثقة المجتمعية في المدرسة العمومية وعلى حساب القدرة الشرائية لشرائح اجتماعية معبرة دون أن تستفيد منها خزينة الدولة شيئا يُذكر. 3 - إغراق في تجزيئ التخصصات الدراسية إلى درجة التذرية أدت إلى تقلص زاوية الرؤية وانحصارها بشكل جعلت كثير من الباحثين المتخصصين لا يهتمون حتى بالمبادئ العامة ذات الصلة بتخصصات أخرى مجاورة. مما ساهم في فصل أبعاد المعرفة عن بعضها البعض وربطها بالسوق فكان من بعض تجلياتها هيمنة مفهوم المهنة (العمل مقابل أجر مغرٍ مهما كانت طبيعته) مقابل خفوت مفهوم الحرفة (العمل من أجل الحياة). لا شك أن وضعية الحجر الصحي، اليوم، والتوقف الاضطراري للمدارس عن تقديم خدماتها الحضورية في التربية والتعليم والتكوين كان لهما دور في إثارة سؤال الرعاية البيداغوجية والرعاية الوالدية لضمان حد أدنى من الاستقرار في علاقة المدرسة بالأسرة. وهو سؤال، في سياق الوضعية المستجدة، انشقّ إلى سؤالين أساسيين أولهما: أكانت المدرسة مستعدة وجاهزة لمواجهة مثل هذه الوضعية والانتقال إلى البيت عبر ممارسات تؤدي من خلالها وظيفتها البيداغوجية؟ وثانيهما: أكانت الأسرة بدورها جاهزة كي تتفاعل بإيجابية مع هذه الوضعية فتحتضن أبنائها في البيت أسريا وبيداغوجيا طيلة مدة الحجر الصحي؟ بطبيعة الحال لا يمكن لملاحظ أن ينكر الدرس الذي استفادته الحكومات والجهات المعنية بقطاع التربية والتكوين بسبب هذه الوضعية، على الأقل في التعاطي مستقبلا مع مسألة تكافؤ الفرص بين المتعلمات والمتعلمين والإنصاف البيداغوجي ، وعلى مستوى ما ستضخّه من ميزانيات في سبيل تسريع عجلة رقمنة الحياة التربوية والإدارية والنهوض بالبحث العلمي ، وفي مجال التكوين الأساس والمستمر للأطر الإدارية والتربوية، وفي موضوع البنيات التحتية الهيكلية الأساسية لتحقيق العدالة والإنصاف في الولوج إلى المعرفة والمشاركة في تقاسمها، وما إلى ذلك. لكن، ماذا عن الأسرة؟ ألم تجد نفسها في ورطة غير مسبوقة وعليها القيام بهذا الدور المزدوج دون سابق إشعار؟ من قلب هذه الورطة ارتأينا أن نعالج، هاهنا، سؤال الكيف، ونعايش الاستمرارية البيداغوجية للمدرسة داخل البيت الأسري لننتهي إلى بسط حزمة اقتراحات تساعد في إرساء مقاربة مندمجة للمواكبة التربوية الوالدية. فما المقصود بالمواكبة التربوية الوالدية؟ يقصد بالتربية الوالدية في الأدبيات التربوية " البرامج التي تسعى إلى تكوين الوالدين والأسرة على أساليب وتقنيات العناية السليمة بالأطفال وطرق تربيتهم وتحصينهم النفسي"(د. محمد الدرج (2016) . كما هي "ممارسة تحكمها جملة من المبادئ والأسس، وتوجهها سلسلة من الأهداف والغايات، وتؤطرها مجموعة من العوامل والمحددات، وتتحقق عبر فئة من الأساليب والآليات (د. الغالي أحرشاو 2009). أما المواكبة التربوية الوالدية فنقصد بها مجموع الممارسات والتدخلات الأسرية الرعائية التي تستهدف الطفل من خلال توفير البيئة الآمنة والملائمة و مساعدته على استكمال نموه المتوازن و تلبية حاجاته الأساسية و توجيهه بشكل جيد من أجل تنمية مهاراته المعرفية والحياتية الشخصية والاجتماعية بمضامين أكثر فعالية وإيجابية. ومن ثمة، فهي تقوم على أربعة أبعاد أساسية هي: بعد المسؤولية وبعد الرعاية وبعد المساعدة على التعلم وبعد التوجيه والإرشاد ". بطبيعة الحال، " لا يصح أن يكون عمل الأسرة مقتصرا على إطفاء الحرائق على نحو مستمر، وإنما المطلوب دائما توفير بيئة تساعد الصغار على أن يكونوا أصحاء نفسيا وجسديا، وأعتقد أن تعميق الثقافة التربوية لدى الآباء والأمهات سوف يولد مع الأيام أوضاعا أسرية جيدة ومريحة للجميع" (عبد الكريم بكار (2011) . تقوم التربية الوالدية في مجتمعاتنا العربية، يقول د. الغالي أحرشاو، في غالب الأحيان، على تناقض حاد بين المقومات النظرية والأطر المرجعية المعتمدة والمستعملة كشعارات قابلة للاستهلاك في سوق التربية والقيم، وبين خصائصها العملية وممارساتها الميدانية. كما أنها تفتقر إلى بيداغوجيا تربوية، وأنها مجرد مواقف مزاجية متذبذبة وسلوكات عشوائية متأرجحة ومعاملات متطرفة ومتناقضة تتأرجح بين التسلط والتساهل وبين النبذ والحماية المفرطة، كما تفتقر إلى مرجعية سلوكية علمية وإلى استراتيجية تربوية. فما الممارسات الداعمة للمواكبة التربوية الوالدية ؟ استنادا إلى ما تضمنته بعض الدراسات والبحوث ذات الصلة بالموضوع، نقترح بعض الممارسات الداعمة للمواكبة التربوية الوالدية التي تجعلها تبتعد أكثر عن حالة التذبذب والتناقض والعشوائية وتميل أكثر نحو الأصالة والفعالية والجودة والغائية. ومنها: 1 – ضرورة تحلي الوالدين بقدر كاف من النضج والاتزان النفسي في مواجهة مختلف المواقف من أجل منح الطفل مساحة أكبر من الحب والرعاية والتوجيه والنمذجة الاجتماعية السوية. مع الحرص على إبراز السعادة الوجدانية والصمود أمام مختلف الضغوطات وخصوصا في الظروف العصيبة. 2 - دعم مقومات الأمن العلائقي في أوصال الأسرة مما يجعل أعضاءها قادرين على إنتاج الدفء الأسري والإحساس بالطمأنينة والسكينة والتفاعل الخصب والمنتج للحميمية بين مختلف عناصر الأسرة والقدرة على امتصاص ضغوطات المحيط الخارجي ومقاومة الأشعة الضارة للهيمنة الثقافية الاستهلاكية الزاحفة التي يغديها نظام التفاهة ( La médiocratie ( على حد تعبير الباحث الكندي ألان دونو Alain Deneault. 3 - تقبل الفروقات الفردية للأطفال بما يتطلبه الأمر من مرونة ومن تفريق" بيداغوجي" دون اعتماد منطق المقارنة والتصنيف والترتيب والتمييز فيما بين الأبناء أو بين الذكور والإناث مع الحرص على توفير البيئة الآمنة لم كان منهم " أكثر خطأ" و " أقل ذكاء" و"الأكثر شغبا" بدل الاهتمام بالأقل خطأ والأقل ذكاء والأقل شغبا والأكثر طاعة. فالذي لا يخطأ لا يتعلم، والأقل ذكاء هنا أكثر ذكاء هناك، والأكثر شغبا يمكن أن يكون أكثر إنتاجا. 4 - تفويض القيام ببعض المهام للطفل ودعم الثقة في قدراته ووضعه في مواقف تحمل المسؤولية والتعامل معه على أساس كونه عنصرا من عناصر الأسرة في الانتاج والاستهلاك. فالأطفال بطبيعتهم منتجون دائما، منتجون لمعنى البراءة، منتجون لمعنى الفرح، منتجون لمعنى الحب، منتجون لمعنى المسؤولية المشتركة داخل الأسرة، ومن ثمة، فهم منتجون لزينة الحياة ومتعتها، لكن في الوقت ذاته، قد يصبحوا منتجين للفتنة إذا ضاقت بهم السبل أو بسطت لهم الأيادي والنفوس بسخاء وبلا اعتدال. 5 - الحرص على تقدير عطاء الحب والتشجيع على التعبير عنه. فالطفل الذي يعيش في بيئة انفعالية ملائمة تتوفر على عطاءات نفسية داعمة وعلى رأسها عطاء الحب، وخصوصا في سنوات الطفولة المبكرة، يكون لها أثر إيجابي في جعل الطفل متملكا لرصيد كاف من الحب وقادرا على منحه للآخرين من حوله. إن المواقف التي تقاس فيها نسب تدفق صبيب عطاء الحب هي المواقف الصعبة والاستثنائية. فالطفل، على سبيل المثال، يحتاج إلى حضن أمه عند عودتها من العمل وليس بعد ساعات من عودتها، وفي حاجة إلى اللعب مع الأب عند دخوله البيت وليس عند ما لا يجد الأب ما يفعله. 6- المشاركة وتقاسم الاهتمامات والمشاعر والأفكار ومنح الطفل فرصا نوعية للحديث والحرص على الاستماع إليه والإنصات إلى حديثه واحترام رأيه وإشراكه في كل ما يخص المشترك الأسري بما في ذلك الممارسات التطوعية والتضامنية العينية أو المادية أو المعنوية. إن قيمة التضامن ومختلف المهارات العاطفية والاجتماعية لا تكتسب بالقول بقدر ما تكتسب بالقدوة والنموذج والإشراك. 7 - اعتبار اللعب حرفة الطفل الأولى قبل أن يكون تلميذا. لأن اللعب سياق زمكاني منتج لمعنى الطفولة كما هو منتج للنمو والتعلم وتنمية المهارات الذاتية الفردية والجماعية، كما هو منتج لمعنى الأمان والطمأنينة. مما يقتضي دعم علاقات الطفل بأقرانه وتعزيزها وتوفير الشروط اللازمة للعب مع الأقران والتواصل معهم ، وجعل البيت فضاء ومسرحا لإنتاج المعنى العميق للبيئة الأسرية السليمة والآمنة. 8 - تعرف حاجات الطفل الدراسية الحقيقية ومستلزماتها من أجل مساعدته على تجاوز تعثراته ومواكبته لتحسين جودة تعلماته، دون اللجوء إلى تدخلات خارجية من الغير، إلا إذا اقتضت الضرورة ذلك، لسبب من الأسباب(التعثر في الفهم – ضعف القدرة على الاستيعاب- ...). حتى يتعود الطفل/ المتعلم(ة) الاعتماد على نفسه وعلى تفعيل قدراته واستثمار إمكانياته الذاتية وتنشيط ذكاءاته وحل مشكلاته. لأن اعتماده على الغير في تحصيل المعرفة دون الاجتهاد في بنائها تعطيل لقدراته وتحييد لذكاءاته وتضعيف لحافزيته ودوافعه. لذا يستوجب الأمر توجيهه وتشجيعه ومنحه ما يكفي من الفرص للمحاولة والخطأ والتفاوض مع نفسه بدل أن يصبح مجرد حامل للمعارف وناقل لها بين المدرسة والبيت ومحلات الساعات الإضافية، مثله مثل الذي يحمل أسفارا، لا يعرف معنى للتعلم ولا يعيش متعته ويكتفي بترصيد العلامات والنقط التي يساعده الغير في تحصيلها عن طريق ما يوفره له من عطاءات معرفية وحلول للتمارين وإجابات سريعة وجاهزة عن الأسئلة والإشكالات المعرفية كتلك التي توفرها له محلات الوجبات الغذائية السريعة. إن التعلم بناء ذاتي متدرج يحتاج إلى بيئة أسرية ومدرسية ملائمة ومشجعة، وإلى طاقة داخلية دافعة وداعمة للدافعية المحفزة على التعلم والاجتهاد والانتصار لمتعة التعلم. لذلك فإن "رغبة الأطفال في التفوق الدراسي ومواصلة التعليم، تصنع صناعة من قبل الأسر المهتمة والحريصة على مستقبل أبنائها، ولهذا فإن إعراض الأطفال عن التحصيل هو ثمرة للبيئة المريضة والسيئة التي نشأوا فيها أو ثمرة للمدارس الضعيفة والمتهالكة التي ينتسبون إليها(عبد الكريم بكار 2011) . 9- تخصيص أحياز زمنية مناسبة للقراءة في البيت كممارسة فردية ماتعة، وطقس أسري جماعي منتظم، إن القراءة ليست فعلا منتجا للتعلم وحسب، ولكنها فعل منتج للمعنى، وفعل منتج للمتعة، وفعل منتج للذات، وفعل منتج للأسئلة وحرقتها اكثر من كونه فعلا منتجا للأجوبة اليقينية الكابحة لنمو العقل وانفجاراته المبدعة. 10 - تنظيم جلسات للحوار المفتوح المنتج للمعاني حول مواضيع محددة، يتم اختيارها تبعا لحاجات يومية تعطى فيها الفرصة للطفل للتعبير وممارسة الخطابة والتفاوض، تنتهي إلى خلاصات أو توصيات أو تعاقدات. 11 – تشجيع الطفل على تنظيم وقته تنظيما وظيفيا، وترتيب أغراضه وسريره، وتدبير مواعيده وعلاقاته ، وترتيب أولوياته، وتشجيعه على ممارسة هواياته الخاصة في أوقات محددة وبمواعيد مضبوطة وإعطائه الفرص اللازمة والكافية لإبراز هذه الهوايات والاهتمامات مع حرص الوالدين أنفسهم على ممارسة هواياتهم واهتماماتهم بمعية أبنائهم. 12 - مواكبة الطفل في علاقته بأجهزته الإلكترونية (الهاتف – الحاسوب - ...) قصد مساعدته على بناء تعاقداته مع ذاته حول كيفية استعمالها ومتى وفي ماذا ومن أجل ماذا. إن الطفل، في ظل الهيمنة الرقمية وجاذبيتها وقدرتها على التحكم في الذوق ومعاني المتعة والحياة، في حاجة ماسة إلى حضور قوي لوالديه أو من يقوم مقامهما لمساعدته على ضبط وتعديل مسارات تعاقداته مع ذاته من خلال تقديم النموذج والقدوة. 13 - تشجيع الطفل على احترام مدرسته وأساتذته ومجتمعه ودولته ومقدساتهما الثابتة كما يشجع على احترام أسرته ووالديه مع التركيز على الممارسات الجيدة والنماذج الناجحة والقيادات الرمزية والنجاحات الحقيقية والمجالات المؤثرة؛ مع تشجيعه على التواصل مع عائلته وصلة الرحم مع أفرادها، و الحرص على تنشيط فعالية التواصل "البيداغوجي" بينه وبين زميلاته وزملائه في شؤون الدراسة والاهتمامات المشتركة. الخلاصة: تتعد أشكال المواكبة وتتعد اختياراتها، لكن نجاح الأطفال في تعزيز قدراتهم وبناء شخصيتهم المستقلة وتنمية خبراتهم في الحياة والعيش المشترك، و في قيادة مسارهم الدراسي وتطوير مشاريعهم الشخصية نحو الأفضل الضامن للاندماج الاجتماعي والمهني الإيجابيين، يبقى رهين التفعيل المشترك الواعي والمسؤول للمواكبة التربوية الوالدية والمواكبة التربوية المدرسية والمجتمعية مادامت الغاية الفضلى بناء مجتمع تسوده قيم الاعتراف والتضامن والتعاطف والكرامة والعدالة الاجتماعية والمدنية الحقة.