دقّ المكتب التنفيذي للكونفدرالية المغربية للهيئات الفنية والثقافية الاحترافية "ناقوس الخطر" حول "الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتردي للعاملين في الحقل الثقافي والفني بالبلاد، من موسيقيين وسينمائيين ومسرحيّين وتقنيّين وإداريّين ووكلاء ومسيّرين للوكالة الفنية والخدماتية، وما ارتبط بهذه المهن من يد عاملة"، مضيفا أنّ جائحة "كورونا" قد ساهمت في "تعميق أزمته البنيويّة". ويتابع المكتب التنفيذي للكونفدرالية المغربية للهيئات الفنية والثقافية الاحترافية ب"قلق شديد"، وفق مذكّرة صدرت بمناسبة اليوم العالَمي للشّغل، "الأوضاع الحالية التي تعيشها الساحة الثقافية والفنية"، باستحضار "الأوضاع الهيكلية الاقتصادية والاجتماعية، المتسمة بالهشاشة وعدم الاستقرار، والظروف الصعبة التي تعيشها شغيلة القطاع منذ عقود، في غياب الحوار الحكومي الجاد، وسيادة سياسة التهميش والإقصاء من الدعم العمومي، المتمَركِز في أيدي سماسرة ولوبيات، في غياب الإجراءات التحفيزية، والفراغ التشريعي الذي يساهم في انتعاش هذه السيطرة واستمرارها". ونبَّهَت الكونفدرالية الحكومة المغربية والرأي العام الوطني والمنظمات الحقوقية إلى ما يمكن أن ينتج عن "سياسات التجاهل والاختزال والتعتيم التي تنهجها الدولة في التعامل مع هذه المهن ومنظّماتها المهنية التي تمثل المشتغلين بها"، مذكّرة بما نتج عن المماطلة في تنزيل النصوص التشريعية والتنظيمية، من إسهام في "طغيان الممارسات اللاقانونية، والسلوكات الإدارية المجحفة المتمثلة في تأخير صرف الدعم العمومي للمسرح، والمهرجانات السينمائية، ومستحقَّات المقاولين الذاتيّين، ومؤسسات الإنتاج الدرامي والموسيقي والغنائي والسينمائي، وحجب الحقوق المجاورة، مما نتج عنه حرمان جزء غير يسير من فناني الأداء من مستحقاتهم المادية، خاصة في هذه الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد". وتضاف هذه "المماطلة"، حَسَبَ المصدر نفسه، إلى "غياب الاهتمام بالرواد (أي الفنانين الروّاد)، ورعايتهم الاجتماعية والصحية، وتهميش الطاقات الإبداعية الشابة من خريجي المعاهد الفنية، وتعريضها للهشاشة والبطالة، مع التخلي التدريجي والمقصود للحكومة المغربية عن دورها التأطيري والتنظيمي المساند للإبداع والمبدعين". ومع الحديث عن "الآثار الوخيمة التي خلفتها الجائحة على شِغِّيلة المِهَن الفنية والثقافية"، حمّلت الكونفدرالية مسؤولية هشاشة قطاع الثقافة والاتصال ل"الأحداث والظروف والملابسات التي عاشتها وزارة الثقافة في السنوات الأخيرة، جراء عدم استقرار الوزراء بها، وغياب برامج واضحة، وقطع حبل الحوار الاجتماعي مع التمثيليات المهنية". وربطت الكونفدرالية المغربية للهيئات الفنية والثقافية الاحترافية هشاشة الثقافة والاتصال بما نتج عن عدم استقرار وزراء القطاع من "غياب التخصص، وسوء التقدير والتدبير، وبطء وتيرة العمل، وغياب أية سياسات تشخيصية وإصلاحية، وارتجالية الدعم العمومي في المجالات الفنية والثقافية"، ممّا عمّق من حجم البطالة في القطاع، وهضْم حقوق مهمة وأخرى مجاورة، ونتج عنه "وضع اجتماعي حرج ومقلق تظهر أعراضه خلال المرض والعجز الذي يقود أصحابه إلى استعطاف صاحب الجلالة -ملك البلاد- (...) واستعطاف بعض المؤسسات والهيئات والشخصيات الوطنية، في غياب نظام حقيقي للتغطية الصحية وغياب نظام للرعاية الاجتماعية والمهنية". الكونفدرالية، التي اعتبرَتها المذكّرة "أهم إنجاز تنظيمي تحقق في قطاعنا؛ بوصفها ائتلافا لمختلف القوى الحية التي تمثل سائر المشتغلين في المجال الثقافي والفني، وهيئة مدنية تروم الترافع والدفاع عن حقوق وكرامة الفاعلين في مجالات عملنا الحيوية"، ذكرت أنّ اليوم العالمي للشّغل قد احتُفِلَ به هذه السنة "في سياق دولي ووطني، يتسم بالحجر الصحي والرّكود الاقتصادي، بسبب جائحة كورونا التي ساهمت في تعميق الأزمة البنيوية للإنتاج الفكري بكل فروعه وروافده"، وفي ظلّ "ظروف صعبة انعكست بكثير من الضرر والنّكوص على ممارستنا لمهن هي في المبدأ مهن غير مهيكَلَة، وتحتاج تغييرات جذرية، وإصلاحات هيكلية، على المستويين التشريعي والسياسي". وسجّلت الكونفدرالية استمرار نظر الحكومة المغربية للفنون "نظرة اختزالية، تعتبرها وسيلة للترفيه والتّسلية وملء أوقات الفراغ"، وعدم استِئثارها بشكل خاصّ، والثقافة بشكل عامّ، بالاهتمام الحكومي الذي "ظلَّ عاجزا عن وضع سياسات عموميّة حقيقية لتطوير، ومأسسة، وتنظيم هذ القطاعات وإدماجها في صلب السياسات العمومية كاقتصاد قائم بذاته"، موردة أن "الثقافة والفنّ ما زالا مهمَّشَين في الحوارات الاجتماعية الاستراتيجية التنموية لبلادنا". ودعت "كونفدراليةُ الهيئات الفنية والثقافية الاحترافية" إلى العمل "على مراجعة شاملة لقانون الفنان والمهن الفنية، بتنسيق مع وزارة الشغل والإدماج المهني، لتجاوز العراقيل والإكراهات القانونية التي حالت دون تنزيل النصوص التنظيمية الخاصة بهذا القانون في صيغته الحالية"، و"ضمان استقلالية المركز السينمائي بما يضمن له العمل بكامل الحرية بعيدا عن نفوذ القطاعات الوصية، باعتباره مؤسسة للإنتاج الفني لا مؤسسة إدارية"، مع "تمكينه من اعتماداته المالية ضمن ميزانيته الخاصة، خارج صندوق النهوض بالفضاء السمعي البصري الوطني، والتّعجيل بإخراج قوانينه العالقة كقانون الصناعة السينمائية، وقانونه الأساسي". وفي ظلّ تجدّد النّقاش في شهر رمضان حول جودة الإنتاجات التلفزيونية المعروضة في القنوات العمومية، طالبت الكونفدرالية المغربية للهيئات الفنية والثقافية الاحترافية بمراجعة دفتري التحمّلات الخاصين ب"الشّركة الوطنية للإذاعة والتلفزة"، و"شركة صورياد – القناة الثانية" من أجل "ضمان حكامة حقيقية، وتبني صيغ وشروط أكثر ضمانا للمنافسة الشريفة، تروم تكافؤ الفرص، وجودة الإنتاجات التلفزيونية، وتفادي الاحتكار، والانفتاح على الطاقات والمواهب والكفاءات الفنية المؤهلة، بما يضمن الشغل لكل الشركات المستحقة وكل الفنانين بدل التركيز على نفس الشركات والأسماء". ودعت الكونفدرالية إلى تنظيم قطاع تزويد المعدات السمعية البصرية من طرف المركز السينمائي المغربي والمؤسسات المعنية بما يضمن شفافيته وتكافؤ الفرص بين الفاعلين فيه، ومراجعة وتوحيد وملاءمة الدعم العمومي المخصص للإبداعات الموسيقية والمسرحية والسينمائية والتشكيلية، ومختلف أصناف فنون العرض، مع مراجعة النظام الضريبي للشّركات المشتغلة في الميدان الفني، والتّعجيل بصرف "مستحقات الحقوق المجاورة"، و"مستحقات الإنتاج الوطني والمهرجانات السينمائية"، و"وضع دراسات تمهيدية لخلق مؤسسة التدبير الجماعي للمكتب المغربي لحقوق المؤلف، كما هو معمول به دوليا". ونادت الكونفدرالية بالعمل على التبني السريع لأنظمة خاصة بالحماية الاجتماعية، تضمّ آليات عملية للرعاية الاجتماعية في انتظار مراجعة قانون الفنان والمهن الفنية، مع إعادة هيكلة التعاضدية الوطنية للفنانين في انتظار إقرار نظام للتغطية الصحية يساير النظام المعمول به في المهن الحرة، ومراجعة القرارات المشتركة الخاصة بالدعم، قصدَ رفع سقفه ومراعاة الجانب الاعتباري والاجتماعي للفنانين الرواد. ومع ثنائها على "المبادرات الاستباقية التي اتخذها المسؤولون المغاربة لمواجهة وباء كورونا المستجد، تنفيذا للتوجيهات الملكية"، حمّلت الكونفدراليةُ الحكومةَ المغربية "مسؤولية الاحتقان الاجتماعي الحالي، ومسؤوليّة ما ستؤول إليه وضعية القطاع على المدى القصير بعد جائحة كورونا، وعلى المديَين المتوسط والطويل"، داعية إلى "استراتيجية جريئة وواضحة المعالم تمكن القطاع من الاستقلال الذاتي في إطار مجلس وطني للفنون". وعبّرت الهيئة ذاتها عن رفضها الشّديد ل"تمرير مشروع القانون 22.20 الذي صادقت عليه الحكومة"، المتعلّق بتقنين استعمال وسائل التواصل الاجتماعي وشبكات البثّ المفتوح، ل"إجهازه على ثوابت الحريات والحقوق التي يتمتع بها المغاربة تحت حماية الدستور المغربي". كما نبّهت مذكّرة "كونفدرالية الهيئات الفنية والثقافية الاحترافية" الحكومةَ المغربية إلى "ضرورة التعامل الإيجابي مع الثقافة والفن، واعتبارهما رافعة للتنمية والعمل على إدماجهما في صلب الاقتصاد الوطني، واتخاذ كل الإجراءات والتدابير الكفيلة بإعادة الروح لدور العرض الفني، وقاعات السينما، واستوديوهاتِ الإنتاج التلفزيوني، وبلاتوهاتِ الإنتاج السينمائي الدولي، والمهرجانات السينمائية"، مع "السّعي لإدماج التربية الفنية في البرامج التعليمية والتربوية للمؤسسات التابعة لوزارتي التربية الوطنية والشباب والرياضة".