يحاول المغرب بكل مسؤولية مواجهة الآثار القائمة والمحتملة لجائحة كورونا الطارئة، كما يناضل باستماتة لتجنب موجات التأثير العاتية على حياة المؤسسات والمقاولات والأفراد، والمخاطر المحدقة بوجودهم. وبفضل حكمة جلالة الملك، وبتوجيه منه، اتخذت بلادنا مبادرات وإجراءات وقرارات شجاعة مكنت من التصدي بأقل الأضرار لجملة من المخاطر التي تورطت كبريات الدول فيها، كان الإنسان أكبر ضحاياها بالمئات إلى جانب حالة الاستعصاء والعسر والتراجع الاقتصادي والرجة الاجتماعية والنفسية التي طالت حكومات وشعوبا. وباعتبارها اختبارا حقيقيا، فقد أبانت جائحة كورونا عن أشكال جديدة من العصبيات، والذاتية والنرجسية، وتراجع القيم الإنسانية الكونية إلى الوراء، وتبين بالملموس أن القوة الذاتية للأمم والدول والشعوب هي وحدها القادرة على إخراج سفينة البلاد من عتو وجبروت وفجائية جائحة كورونا المدمرة. كما تبين لأقوى المشككين أن الدولة القوية هي وحدها القادرة على سرعة الاستيعاب والتخطيط والتنفيذ، وحماية مواطناتها ومواطنيها. مثلما لها القدرة على خلق شروط النهوض والتعبئة الجماعية لاستيعاب اللحظة وتحدياتها، ومواجهة الذهنية الاتكالية وعقلية التواكل والخرافة، وبث ثقافة التضامن والمساواة، وتجاوز النزوع الفرداني والسوداوية نحو الفكر العلمي، والعيش الجماعي المشترك، والسعي للتكامل والقطع مع التفرقة والتقليد. ومن الموضوعية الاعتراف أن كل المجهودات الجبارة التي تبذل بحماس وحس وطني عال لتجنب بعض الآثار والتقليص من حدة أخرى من خلال القرارات والمبادرات الشجاعة وغير المسبوقة تتم في حرص شديد على احترام القيم الدستورية والحقوقية، وفي ظل عمل مؤسساتي مشهود يجعل الإنسان صلب اهتمام الدولة وأولوياتها الكبرى. والواقع أن كل ما تقدم يعكس الحاجة الملحة لإعادة تحديد دور الدولة، والحرص على جعله رياديا في التخطيط والتأطير والتتبع والتقييم، ومسؤوليتها الكاملة في النهوض بالمجتمع وضمان حقه في حياة كريمة تضمن ضروريات العيش الكريم من مسكن ورعاية صحية وأمن وتعليم وغداء ووسائل راحة وترفيه. إن الحالة التي تمر منها الإنسانية، ومنها بلادنا، أبانت أن التحدي الأكبر الذي يواجهنا هو تفاقم هشاشة بنيات الوساطة والتأطير مقابل تنامي حملات التبخيس، وبروز الفكر الخرافي والنزوع نحو الاستعراض، والفردانية والتضليل، والفئوية وظاهرة التربح، والبحث عن التميز، ومحاولة الابتزاز السياسي وغيره. وهي ملاحظات وعناصر تجعل من الممارسة السياسية وأداء بعض الأحزاب ببلادنا موضوع اختبار حقيقي فرضته جائحة كورونا بغتة... فقد انهارت أهم الخطط والاستراتيجيات والبرامج التي اعتمدتها تلك الأحزاب قبل الوباء مثلما سارعت أحزاب أخرى الى الانغلاق على ذاتها أو ادعاء مبادرات أو الإعلان عن أخرى بنفس علوم المستقبليات وملحقاته. ولقد كشفت هذه الوضعية عن قوة الصدمة التي تعرضت لها الأحزاب، وعن قصور رؤيتها لوضع شبيه بحالة وباء كورونا المدمر. ويجعل من سباقها المزعوم نحو التفرد في هذا الظرف الاستثنائي التي تحتاج منه البلاد الى التعبئة الشاملة والالتفاف الوطني، بحثا عن شرعية وهمية وريادة موهومة. إن حالة الاستثناء التي تعيشها بلادنا كشفت محدودية الاعتقاد بأن آليات السوق كفيلة بإيجاد حلول ملائمة للوضعية الحالية وآثارها المدمرة، وأوضحت الحاجة لتفكير جديد يعزز الإيمان بأهمية اختيار الرعاية الاجتماعية، ومركزية دور الدولة لترجمتها على أرض الواقع. ومما لا شك فيه أن أي تفكير في المستقبل لابد أن يأخذ في الاعتبار موضوع الحماية الاجتماعية، وأهمية المعرفة في بناء الإنسان واعتماد مرتكزات واضحة عناوينها: - القطع مع إقصاء المثقف والمبدع، والاستهزاء بالمعلم والاستخفاف بالعلم. - الحاجة للتضامن، وبناء النموذج والقدوة، وإشاعة القيم التي تحتفي بالإنسان. إن الحاجة لدولة الرعاية الاجتماعية هي أكبر دروس كورونا، كما أن من أهم وظائف الدولة حماية المواطن وتمكينه من الاستمرار في العيش بشكل لائق. ومن ثمة، فإن المشكل لا يكمن في خلق الثروة ولكن في توزيعها.