الملك محمد السادس يجسد الانتصارات الدبلوماسية .. ويجدد هيكلة شؤون الجالية    انتخاب المغرب بالأغلبية لتولي منصب نائب رئيس منظمة الأنتربول عن القارة الإفريقية    "خطاب المسيرة".. سحب ضمني للثقة من دي ميستورا وعتاب للأمم المتحدة        جدري: القطاعات التصديرية المغربية كلها تحقق قفزة مهمة    جو بايدن يشيد بهاريس رغم الخسارة    سفير أستراليا في واشنطن يحذف منشورات منتقدة لترامب    قانون إسرائيلي يتيح طرد فلسطينيين    نجم منتخب أوروغواي السابق دييغو فورلان يحترف التنس    شخصيات رياضية تكرم محمد سهيل    "جهة طنجة" تتقوى بمشاريع تنموية    كلميم تطلق تشييد "مركب لالة مريم"    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يعلن عن أعضاء لجنة تحكيم دورته ال21    إطلاق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    محكمة تونسية تقضي بالسجن أربع سنوات ونصف على صانعة محتوى بتهمة "التجاهر بالفاحشة"    كيوسك الخميس | القطاع السياحي يواصل تحطيم أرقام قياسية    بعد رفعه لدعوى قضائية.. القضاء يمنح ميندي معظم مستحقاته لدى مانشستر سيتي    أولمبيك مارسيليا يحدد سعر بيع أمين حارث في الميركاتو الشتوي    الموقف العقلاني والعدمي : نموذج كلية الطب للرباط    لأول مرة.. شركة ريانير الإيرلندية تطلق خطوط جوية للصحراء المغربية    إعطاء انطلاقة خدمات مركز جديد لتصفية الدم بالدار البيضاء    مطالب برلمانية بالتحقيق في "الغشّ في إنتاج زيت الزّيتون"    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس        انخفاض عدد المناصب المحدثة للتعليم العالي إلى 1759 منصبا في مالية 2025    التّمويل والصّيانة تحديات تحاصر أجرأة مشاريع برنامج التنمية الحضرية لأكادير    300 ألف تلميذ يغادرون المدرسة سنويا .. والوزارة تقترح هذه الخطة    "الحرمان من الزيادة في الأجور" يشل المستشفيات العمومية ليومين    مزور: المغرب منصة اقتصادية موثوقة وتنافسية ومبتكرة لألمانيا    إحصاء 2024 يكشف عن عدد السكان الحقيقي ويعكس الديناميكيات الديموغرافية في المملكة    الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يبرمج تسهيلات مهمة للمتقاعدين    ماهي انعكاسات عودة ترامب للبيت الأبيض على قضية الصحراء؟    السعودية: ضبط عملية احتيال بنكي بقيمة تتجاوز 131 مليون دولار    اختتام فعاليات جمعية صدى الشمال في النسخة الثانية من مهرجان الطفل    "خطاب الحسم".. الملك يوجه رسائل قوية إلى خصوم الوحدة الترابية للمغرب        الإصابة تبعد تشواميني عن ريال مدريد نحو شهر    العلاقات المغربية الأمريكية بعد عودة ترامب للبيت الأبيض.. نحو عهد ذهبي جديد        الجمهوريون يقتربون من السيطرة على مجلس الشيوخ الأمريكي    شركة "إنيرجين" تتجه لإيقاف أعمال التنقيب عن الغاز بالعرائش    انطلاق مهرجان وجدة الدولي للفيلم المغاربي في نسخته 13    دراسة: أحماض أوميغا 3 و 6 تساهم في الوقاية من السرطان            انطلاق الدورة الثالثة عشرة للمهرجان الدولي لسينما الذاكرة المشتركة بالناظور    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    ابتسام بطمة ترد على شائعات العفو الملكي    برنامج يخلد المسيرة الخضراء بمونتريال    "مهرجان سينما الذاكرة" يناقش الدبلوماسية الموازية في زمن الذكاء الاصطناعي    "فيفا" يلزم الوداد والأندية بالمشاركة بأقوى اللوائح في "موندياليتو 2025"    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة        كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هكذا يواجه "مغاربة العالم" مشكلة الدفن في زمن "جائحة كوفيد-19"
نشر في هسبريس يوم 17 - 04 - 2020

يوم الأربعاء 14 أبريل 2020 كان لي الشرف، وبدعوة من مؤسسة المقابر الإسلامية الخاصة بهولندا (BIBIN)، لأحضر إعطاء إشارة انطلاق أشغال تهييء أكبر مقبرة إسلامية أبدية في غرب أوربا، مقبرة "رياض الجنة". مشروع طموح يتم تحقيقه وسط حالة من القلق والجدل تسود الجالية المغربية بهولندا (وباقي دول أوربا أيضا) في ما يتعلق بدفن من يموت من أفرادها في هذا البلد أوذاك.
فلا حديث هذه الأيام داخل الأسر المغربية أو على مواقع التواصل الاجتماعي، مع جائحة كورونا، إلا حول موضوع الدفن، ومشكل العالقين من مغاربة هولندا داخل المغرب. (وأنا بصدد كتابة هذه السطور وصلت أخبار تفيد بتوصل السلطات البلجيكية إلى اتفاق مع نظيرتها المغربية يقضي بإرجاع مزدوجي الجنسية من المغرب إلى بلجيكا. خبر مفرح أرجو أن يتبعه اتفاق مماثل يهم العالقين من مغاربة هولندا).
أين يكمن المشكل بالضبط في ما يتعلق بموضوع الدفن؟ ولماذا كل هذه الضجة؟ أليست الأرض كلها لله؟ لنفهم الموضوع أكثر يجب أن نبدأ الحكاية من البداية.
تأمين الوفاة
جرت العادة منذ السنوات الأولى للهجرة المغربية إلى أوربا أوائل ستينيات القرن الماضي على إرجاع جثامين من يتوفى من المغاربة إلى أرض الوطن لدفنها في مسقط الرأس. لقد كان كل مهاجر يتوفر على حساب بنكي مع البنك الشعبي (ثم بعد ذلك مع أبناك مغربية أخرى دخلت الساحة الأوربية) يحصل أوتوماتيكيا على تأمين وفاة يتم استخلاص أقساطه مع مطلع كل سنة. وبموجب عقد تأمين الوفاة يتم التكفل بجميع المصاريف المترتبة عن الوفاة من تغسيل وإيداع ونقل ودفن وغيرها من المصاريف، بجانب التكفل بتذكرة طيران لمرافق أو مرافقَين من الأسرة.
مازلت أذكر وأنا ابن 11 سنة أول مغربي مهاجر من قريتنا إكردوحا، جيء به من ألمانيا لدفنه في مقبرة القرية. كان ذلك اليوم من سنة 1972 يوما مشهودا خرج فيه الجميع لحضور مراسيم دفن امحند ن السي محند. مازلت أذكر الخلاف الذي حصل بين كبار القوم حول كيفية وضع الصندوق في اتجاه القبلة بسبب عدم وجود أي علامة تشير إلى موضع الرأس، فتم الاتفاق على فتح الصندوق. وما إن تم إحداث ثقب صغير في أحد جوانب الصندوق المعدني، حتى انطلقت رائحة اضطرت الجميع للابتعاد وسد أنوفهم.
الغالبية العظمى من مغاربة العالم بأوربا يتوفرون على تأمين الوفاة هذا. والجميع كانوا ينطلقون من مسلمة العودة ذات يوم إلى أرض الوطن في رحلة بلا عودة يوارون فيها الثرى في مثواهم الأخير؛ حتى مجيء وباء كورونا.
لقد كان المغرب من البلدان الأولى التي انتبهت مبكرا إلى الخطر الذي يشكله فيروس كورونا على الصحة العامة، فقام باتخاذ مجموعة من التدابير والإجراءات الاحترازية الرامية إلى حماية مواطنيه.. تدابير وإجراءات حظيت بتقدير كبير من طرف المجتمع الدولي. وكان من بين هذه الإجراءات إغلاق جميع مطاراته وموانئه أمام حركة الملاحة الجوية والبحرية الخاصة بالمسافرين منه وإليه.
ما حدث هو أنه نتيجة لهذا الإغلاق لم يعد ممكنا نقل جثامين مغاربة العالم لدفنها في المغرب، سواء من الذين وافتهم المنية بسبب فيروس كورونا أو من الذين ماتوا ميتة طبيعية. مما جعل الجالية المغربية تقف فجأة وجها لوجه أمام واقع جديد لم تكن مستعدة له تمام الاستعداد. واقع الدفن في بلدان الإقامة.
المقابر الإسلامية
تتوفر هولندا على عشرات المقابر الإسلامية، التي في غالبيتها العظمى عبارة عن مربعات مخصصة للمسلمين ضمن مقابر عمومية أو مسيحية. المثير للانتباه هو الإقبال الضعيف جدا من طرف مغاربة هولندا للدفن في هذه المقابر الإسلامية. ويمكن إرجاع هذا العزوف إلى الأسباب التالية:
حرص ذوي الفقيد (ة) على تحقيق رغبته (ها) في الدفن في الوطن الأم: رغبة لم تستطع عقود طويلة من الإقامة والعيش في هذا البلد محوها من وجدان مغاربة هولندا، خاصة عندما يتعلق الأمر بالجيل الأول والثاني، أي الجيلان اللذان ولدا في المغرب. وقد سمعت بأن هناك كثيرا من العائلات المغربية مازالت مصرة على الاحتفاظ بجثامين أقاربها في ثلاجات شركات الدفن أو في مطار أمستردام، على أمل أن يتم – بشكل أو بآخر –نقلها للدفن في المغرب، لتريح بذلك ضميرها بتحقيق آخر أمنية للفقيد بالرقود الأبدي في تراب الوطن الأم.
أشير بالمناسبة إلى أن تركيا، رغم إغلاقها مجالها الجوي أمام الطيران المدني، أبقت على نقل جثامين المتوفين من رعاياها في أوربا لدفنها داخل تركيا؛ وذلك بواسطة طائرات الشحن التجاري دون مرافقين.
الطابع المؤقت للمقابر الإسلامية: الغالبية العظمى من مربعات الدفن المخصصة للمسلمين في هولندا هي عبارة عن مقابر يتم استئجارها لمدة معينة. تتراوح هذه المدة –وذلك باختلاف أنظمة المقابر– بين عشر سنوات إلى 30 سنة. ويمكن لأقارب الفقيد عند انتهاء المدة تمديدها بأداء تكلفة إيجار جديدة. السلطات المغربية عبرت عن عزمها على مرافقة الراغبين في نقل رفات أقربائهم لاحقا لدفنها في المغرب. فقط يجب التنبيه إلى كون هذا النقل له، بجانب الإجراءات القانونية، تكلفته المالية أيضا.
ارتفاع تكلفة الدفن بهولندا مقارنة بالدفن في المغرب: إذ إن معدل ثمن القبر بأحد المربعات المخصصة للمسلمين يقدر ب 8.000 أورو ويمكن أن يصل حتى 1.200 أورو في بعض البلديات.هذا في وقت لا يتعدى المبلغ الذي تؤديه الأبناك المغربية عن كل حالة وفاة 3.500 أورو؛ ما يعني أن على الأسر المكلومة في أحد أفرادها أداء الفارق من جيبها، أمر ليس في مستطاع الجميع. وأعرف حالتين على الأقل توفي الأب والأم كلاها في أسبوع واحد، ودفنا في مقبرة إسلامية بالقرب من أمستردام يقدر ثمن القبر الواحد فيها ب 8.500 أورو.
أنا أرى – رأي يشاطرني فيه كثيرون – أن الأبناك المغربية الناشطة في أوربا قصرت كثيرا في هذا الجانب؛ فقد كان عليها أن تتحمل جميع مصاريف الدفن لمن وافته المنية في أوربا خلال هذه الفترة العصيبة، وتعتبر ذلك خدمة إضافية تقدمها لإحدى أهم شريحة من زبائنها: مغاربة العالم.
لقد رأينا تدخل السلطات المغربية، مشكورة، من أجل استيعاب تداعيات إغلاق المملكة لحدودها من خلال مبادرتها بالتكفل بنفقات دفن جثامين المغاربة المتوفين المعوزين والذين لا يتوفرون على تأمين بمقابر أو مربعات إسلامية بدول الاستقبال. ألم يكن حريا بهذه الأبناك أن تحذو حذوها وتتخلى –مؤقتا– عن منطق الربح والخسارة وتنصهر في ملحمة التضامن المجتمعي الفريدة التي أطلقها عاهل البلاد، من خلال إنشاء صندوق تدبير جائحة كورونا، وتعبر بدورها عن روح التعاضد والتآزر والوقوف بجانب مغاربة العالم خلال هذه المحنة غير المسبوقة؟.
مقبرة رياض الجنة
انطلقت مؤسسة المقابر الإسلامية الخاصة بهولندا BIBIN قبل حوالي ثلاث سنوات في مشروع إنشاء مقبرة إسلامية أبدية بهولندا؛ وذلك لملء الفراغ الكبير في هذا المجال. وتشاء الأقدار الإلهية أن يتم أداء آخر مستحقات عقد شراء الأرض التي ستصبح مقبرة إسلامية في عز جائحة كورونا.
المقبرة أطلق عليها اسم "رياض الجنة"، وهي تقع ضواحي قرية صغيرة تدعى Zuidlaren أقصى الشمال. يقول محمد الطلحاوي، الناطق الرسمي باسم المؤسسة: "لقد أتممنا بحمد الله جميع الإجراءات الإدارية والهندسية، ونحن الآن بصدد إنشاء وتهييء الدفعة الأولى من القبور، التي ستكون جاهزة للدفن انطلاقا من فاتح رمضان المقبل بحول الله". وحول الطاقة الاستيعابية للمقبرة يضيف الطلحاوي: "تقدر المساحة الإجمالية للمقبرة ب 5.500 متر مربع، وتتسع ل1.700 قبر؛ وهي بذلك تعتبر أكبر مقبرة إسلامية للدفن الأبدي في أوربا الغربية".
خاتمة
في طريق العودة من مقبرة "رياض الجنة" قررت المرور عبر الطريق السيار الذي تم تشييده على طول "السد الغالق" (Afsluitdijk).. سد يربط إقليم شمال هولندا وإقليم فريسلاند على مسافة 32 كلم في البحر.
هذا السد الرملي الذي يعلو 7 أمتار استغرق إنجازه خمس سنوات ما بين 1927 و1932 ليحمي هولندا من طغيان محتمل لبحر الشمال. كنت دائما أفكر في زيارة هذا السد الذي يمكن اعتباره بدون مبالغة إحدى معجزات الإنسان الهولندي، ولكن لم تتح لي الفرصة إلا اليوم.
في الحقيقة ذهلت وأنا أسير على هذا السد/المعجزة. حينها فقط، أدركت مغزى المثل الفرنسي الذي يقول: "إذا كان الله قد خلق العالم، فإن الهولنديين خلقوا هولندا". إنه بحق شعب عظيم يستحق كل التقدير والاحترام...مع باقي المرادفات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.