"هل قطع الجنس البشري كل هذا الشوط البعيد لمجرد أن يقضي على نفسه؟" الفيزيائي ستيفن هوكنغ أي شكل ستكونون عليه، أنتم مواليد عصر كوفيد 19، الذين جاؤوا أو في طريقهم إلى الميلاد في عالم ينهشه فيروس قاتل انتشر في كل الأمكنة مخلفا وراءه - مثل بوم- رائحة الخراب الذي لم يعد خجولا؟ هل فكرتكم قبل المجيء إلى هذا الكون شديد القسوة الذي لم يعد قادرا حتى على الاحتلام؟ هل ستطلقون صرخة الإعلان عن الحياة، أم ستملأون المستشفيات بالضحك والسخرية من عالم يبكي بلا دموع، يتسيد فيه بطل واحد هو الرعب والموت؟ فالضحك بلسم للشفاء والنسيان.. أنتم يا أبناء الجيل الكوروني الصاعد( G.C) الذين ولدوا في مستشفيات أو مصحات حزينة معزولين بدون دفء عائلي في زمن الحجر الصحي لحركية عالم ينكفئ على مداواة جراحه الغائرة جراء حرب سرية لم تضع أوزارها، أنتم الذين جئتم إلى الدنيا بلا لمّة عائلية ولا رنين للفرح ولا زغاريد تصدح في الأرجاء حيث تبدو البشرية كما لو راكمت كل فوائد قروض الحزن ليوم قدومكم، أنتم يا أبناء غد الغد الذين ولدوا وسط القفازات البلاستيكية والكمامات وأدوات التعقيم المفرطة حد العفن، في عالم أصبح عاريا أمام حقيقته بلا أصباغ ولا أقنعة.. لا ورود ولا زغاريد ولا مباركة للولادة وتزاحم على تسمية المولود السعيد.. قدر لكم أن تكونوا مثل بطل فلم "رائحة" PARFUM، ميلاده كان إيذانا بموت الأم بشكل وحشي واللعنات تطاردها، لن تحسوا أبدا بالدفء والحنان.. لا أحد سيحضنكم، مثل الموت، ولا تسابق للأهل من أجل تحديد لمن تشبهون للأم أم للأب، أم فيكم علامات من العمومة أو الخؤولة التي تقف في الطريق، حتى الآباء والإخوة سيبتعدون عنكم، ولا الجيران سيدقون على أمهاتكم المنزل لوضع "الزرورة" في حضنها، بين أصابع أناملكم الرقيقة، ويرقصن فرحا باعتلائكم منصة الوجود! كيف ستذهبون بعيدا نحو الأفق الأزرق وترمون أسنان الحليب وتتوجهون بأمانيكم إلى السماء التي تبدو كما لو أنها اتخذت حيادها من عالم موبوء؟ كيف ستطلقون أجنحة الخيال عاليا مثل ملائكة لتفرحوا بعالم أحزنكم؟ فتحتم أعينكم لتروا أقرب مقربيكم، يرتدون القفازات والكمامات مثل أقنعة مهرجين في هذا الكورس الجنائزي، كأن العالم كله أمام الخطيئة الأولى لم تعد رئتاه تتنفس هواء الفرح بشكل سليم.. يا مواليد البرج الكوروني، الذين قدر لهم أن يأتوا في صمت إلى هذا الكون، لن تقرع طبول ولن تنشد مزامير ولا تراتيل للابتهاج بقدومكم، لن تسمعوا ضجيجا للفرح ولن تروا أردافا وأثداء تتمايل نشوى وترقص على أنغام الموسيقى والأهازيج بفائض شهوانية، العالم كله منشغل عن طقوس مجيئكم بلملمة جراحه والبحث عن آثار المجرم الذي ما ترك نصل سكينه في جسد الضحية، وأنتم "الشاهد الأخرس وحده يتحمل وزر الجريمة" كما يقول الشاعر زكي بيضون.. أي عالم تركنا لكم، نحن الذين نمارس يوميا التمارين الرياضية لحفظ لياقتنا البدنية ولم نهتم ذرة واحدة بكون مترهل له شكل الفيروس التاجي البشع، السعادة فيه مصابة بداء الكساح، والشمس التي تخترق أشعتها الحارقة ثقب الأوزون لا تزرع الدفء في الأوصال، والمطر الذي ظل ينزل مدرارا كلما ابتهلنا إلى السماء، تعرى من شفقته بلا رحمة، صار يغرقنا بسيله أو يتشبث برحم جلباب أمه الأزرق؟ ماذا سنهديكم: بشرية بلا قلب، تعرت مثل ذئاب البراري الجريحة، عواؤها يخلق الرعشة في قطرة ماء والرعب في حبوب سنبلة يتيمة يمشط شعرها ريح الحقول التي امتلأت بالفزاعات بلا قمح ولا طير؟ وكون تسمم هواؤه وجفت ينابيعه وترهل من فرط السمنة بفائض الأحقاد التي تتدلى من السقوف مثل حبال المشانق، والنرجسيات القاسية والكوابيس المرعبة والرتابة العنيدة التي تتسيد في ساحاتنا؟ أيها الصبايا من الجيل الكوروني، يا المولعون بحرقة المجيء إلى هنا.. يقودكم حلم استكشاف مغامرة وجود ظل مشرعا مثل نافذة مفتوحة على الحب والعدالة والحرية والحلم، رجاء لا تطلقوا صرختكم الأولى الآن، عودوا من حيث أتيتم، ابقوا هناك وسط ينابيع صافية من حنو زائد ورقة لا توصف، كولوا واشربوا هنيئين مريئين.. لم لا تتشبثون بمشيمة رحم أمهاتكم، ما يمثل لنا فردوسا مفقودا.. آه لو تعلمون، لا تبالوا بسؤال الأسبقية إلى الوجود: البيضة أم الدجاجة؟ دعكم هناك في حضن الرحم الدافئ، لا تسابقوا الخطو إلى الأمام، فنحن في زمن الحجر الصحي، لا مشّائين ولا صائدي أنجم بعيدة، والدنيا اليوم من حولنا كحلبة ملاكمة أو ساحة حرب مفتوحة نصارع وسطها من أجل البقاء فقط، الرعود تقصفنا بشتائمها وصراخ ضحايانا يعلو في الأكوان، وموتانا دفنوا بلا طقوس للجنازة ولا شاهدة على قبرهم، لا ظلال زيزفون تسندون عليها أسراركم وترسمون على جذوعها أسماء من ستعشقون، عودوا من حيث أتيتم أيها الجيل الكوروني، والله ليس لكم من مفر، فأفضل أن يكون العدو من أمامكم أو من خلفكم، من أن يكون فيكم.. فلا تتقدموا شبرا نحو ساحة الميلاد، إلى عالم بلا أحلام ولا وهم يوقظ النشوة في الأعين المسبلة.. أنتم يا مواليد البرج الكوروني، أتوسل إليكم لا تطلقوا صرختكم الأولى في مدن أشبه بصحاري تسكنها الأشباح والكوابيس، تشبثوا برغم نضج الأوان بمشيمة الأرحام، تجولوا هناك بين الحدائق وأفنان الرياض، انعموا بمساءاتكم الدائمة بلا أثر ذنب ولا حزن يتعقب خطواتكم.. ولا عدوى من فيروس قاتل يحصد الأرواح والطمأنينة من قلب الأحياء هنا المتلفعين بالحسرة والرعب الذي لا يوصف، لا نجوم تتلألأ في سمائنا، ونحن في عز الربيع لا وردة تبهج النفوس نحن المحتجزون وسط جدران عنيدة.. ولا تتجسسوا فلا حلم يقودنا سوى النجاة من أن يصيبنا فيروس كورونا الحقير بالعطب وتتوقف رئتنا عن ضخ الهواء المنتشي بالتحليق عاليا في شرايين جسدنا.. رجاء لا تأتوا الآن، فنحن ممنوعون حتى من الحق في إعداد ولائم للحداد، وغدونا بلا ظل مثل أشباح مسجونة في قمقم بيوتنا ننصت لأخبار الموتى يتساقطون كل دقيقة، حتى غدت الأخبار مثل نشرة جوية لا تحمل رائعة الغمام لحقل يابس، ثم نعود لكوابسنا وننتحب في صمت بدموع العجزة التي لا بارقة جمال فيها.