يعيش العالم اليوم على وقع صدمة جائحة الكورونا التي أودت بحياة عشرات الآلاف من المصابين وما تزال تحصد المزيد؛ ما جعل كل دول العالم تقف مشدوهة أمام هذا الكائن الغامض، حيث ذهب المحللون المختصون في شأنه مذاهب شتى دون أن يتوصلوا إلى حل فاصل. ولقد تسبب هذا الفيروس في عدة أزمات: سياسية، اقتصادية، اجتماعية، صحية وتربوية... كما أدى إلى خلخلة تحالفات واتحادات، نموذجها الصارخ هو ما آل إليه حال الاتحاد الأوروبي من تقوقع أعضائه كل في حدوده؛ حيث تُركت بعض دوله تصارع الجائحة لوحدها. ويعتبر ما حدث لإيطاليا التي ظلت تقاوم الوباء لوحدها أحد أبرز الأمثلة. ولقد أدت جائحة الكورونا إلى أزمات اقتصادية حادة لم يعش العالم مثيلا لها منذ عدة عقود؛ إذ أثرت على اقتصاديات العديد من البلدان المسماة عظمى، كفرنسا التي حذر فيها وزير اقتصادها من انكماش اقتصادي قد يتجاوز أزمة 2008 وحتى أزمة 1945، وذلك بسبب إقفال أغلب المصانع والمعامل الكبرى لأبوابها، وهذا الأمر ينسحب على جميع الدول بدون استثناء؛ مما سيفرز طوابير من العاطلين عن العمل رغم بعض الإعانات التي توفرها لهم الدوائر المعنية. ومن علات فيروس كورونا، انكماش الدول على نفسها وعدم التآزر فيما بينها للتغلب على هذا الوحش اللامرئي. إن عدم رص الصفوف لدى الدوائر المؤثرة في اتخاذ القرارات جعل المجتمع العالمي في حيرة من أمره وسط الكثير من القيل والقال الذي يتصدر نشرات وسائل الإعلام بجميع أنواعها. ومن مضاعفات هذه الجائحة، توقف المؤسسات التربوية في الكثير من دول العالم، بنسب متفاوتة، وأخص بالذكر الدول النامية التي تفتقر إلى الكثير من الوسائل التربوية المعلوماتية لتعويض التعليم في القسم بالتعليم عن بعد، وهو ما يعني فرملة الذهن البشري عن اكتساب أسباب المعرفة، وتركه في تيهان دون مرشد. إن لإقفال المدارس أبوابها أثرا سلبيا حادا على الناشئة على المدى القصير والمتوسط والبعيد. ولكون الجائحة شمولية، فقد امتدت أضرارها إلى قطاع حيوي للغاية، ألا وهو القطاع الصحي الذي توجد حيوات الناس بين أيدي العاملين به؛ فالطبيب(ة) أو الممرض(ة) الذي يسمع عن إصابة أو وفاة زميل له بسبب الكورونا يتوجس كثيرا من القيام بواجبه على الوجه المطلوب، وبالتالي ضياع الكثير من الجهد في سبيل إنقاذ المرضى المصابين. إن ضربة الجائحة لا تقتصر على ما هو مادي، بل تطاله إلى ما هو معنوي ونفسي، وستعاني من ذلك الأجيال التي عايشت المأساة وهي في عز الطفولة. كل الأمل أن تتضافر الجهود الدولية للقضاء على هذه الآفة الخطيرة. *أستاذ متقاعد