تحدث العلمُ، وتدخل الطبُّ، وحذر رجلُ الاقتصاد، وحار السياسيُّ، واحتبستْ أنفاسُ الإعلاميِّ، وحَسَمَ الأمرَ أهلُ الحَلِّ والعَقْدِ، فانتهى الأمرُ إلى الحجر الصحيِّ، كإجراء وقائي، وكحل أسمى وأنجع لمواجهة انتشار وباء فيروس كورونا اللعين. لكن، ما حكم الدين فيما يجري اليوم ويقع لكوكب الأرض، المفتقر إلى رحمة الله التي وسعت كل شيء، من جراء آثار هذا الكائن الغريب العجيب، الذي لم يستثن الشباب والشيب، والذي حير العقولَ، وأقضَّ المضاجعَ، وأظهر عجز الإنسان وضعفه، مع ما أوتيه من علم وحكمة وخبرة واسعة في مختلف المجالات والتخصصات ؟ ليس بالعلم التجريبي وحده يحيى الإنسان، بل هناك شيء أسمى وأعمق، يتجاوز طب الأبدان، يحتاجه بنو الإنسان، في كل زمان ومكان، إنه نور الإيمان، والثقة بالله ذي الجبروت والسلطان، ﴿الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ﴾. وفي ظل هذه الظروف الاستثنائية العصيبة، يستحسن بنا التذكير بالضوابط الشرعية للوقاية من آثار هذا الوباء الوخيم، وما ينبغي فعله والتقيد به في كل وقت وحين، حفاظا على الدين والنفس والعقل والمال والعرض، بوصفها مقاصد شرعية لابد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، والتي نجملها في ثماني نقط: أولا: أمر الشارع الحكيم بالتداوي من جميع الأمراض والعلل إلا الموت. قال رسول صلى الله عليه وسلم: "ما أنزل الله داء إلاَّ أنزل له شفاءً". وقال أيضا:" تداووا فإن الذي أنزل الداء أنزل الدواء". ثانيا: أن مَنْ يتولى العلاج هم الأطباء وحدهم، ولا يجوز لغيرهم فعل ذلك، حتى قال علماؤنا: من تطبَّبَ ولم يكن من أهل الطب فتسبب في هلاك نفس فهو آثم ضامن. ثالثا: وجوب الامتثالِ للحجر الصحيِّ، كإجراء وقائي وفعال، لقوله صلى الله عليه وسلم:" إذا كان الوباء بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه، وإذا سمعتم به في أرض فلا تقدموا عليها." وفي هذا الهدي النبوي الشريف فائدة عظيمة، وهي التحذير من نشر الوباء، ونقله إلى الأصحاء، فتعظم البلية. وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أيضا، أنه إذا أرمدتْ عينُ إحدى نسائه لم يأتها حتى تبرأ عينُها. رابعا: الإيمان بالقضاء والقدر سلاح المؤمن، وهو لا ينافي الأخذ بالأسباب، لأنَّ الأخذَ بالأسباب من جملة الإيمان بالقضاء والقدر. "الفرار من قدر الله إلى قدر الله" كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه. خامسا: كل محنة إلى زوال مهما اشتدت، ذلك أن جميع المقدرات في علم الله عز وجل لها أوقات معلومة، وآثار محدودة، وآجال مقدرة. سادسا: حسن الظن بالله عز وجل، والصبر على البلاء، والرضا بالقضاء، والتسلح بالدعاء، والالتجاء إلى خالق الأرض والسماء، وتلاوة القرآن، وذكر الله عز وجل، في هذا الظرف العصيب، هو ما يجب أن يقوم به كل مسلم ومسلمة. سابعا: وجوب التعاون والتضامن الاجتماعي مع الفقراء والمساكين والمحتاجين، والانخراط في جميع المبادرات الرامية إلى التخفيف من آثار هذا الوباء اللعين. ثامنا: الحفاظ على العبادات، ولاسيما الصلاة، التي من شأنها أن تجعل المسلم مصدر خير لأمته ووطنه، وهي أيضا تهذيب للنفوس، وجعلها تسهم في توثيق العلاقات الاجتماعية الفاضلة، وحفظ كليات الدين. فقد كتب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عماله:" إن أهم أمركم عندي الصلاة، فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواه أضيع". وفي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء ؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس؛ يمحو الله بهن الخطايا". والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات، والصلاة والسلام على سيدنا محمد منبع النفع والكمالات، وعلى آله وصحبه ذوي الفضل والكرامات. *أستاذ العقيدة والفكر الإسلامي في جامعة محمد الأول بوجدة.