منذ إغلاق المغرب لحدوده الجوية والبرية، في إطار التدابير المتخذة لمحاصرة فيروس "كورونا" المستجد، انصبّ الحديث على المغاربة العالقين في دول أجنبية؛ لكن في الاتجاه المعاكس هناك عشرات من أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج عالقون في المغرب، ويطالبون بتمكينهم من العودة إلى بلدان إقامتهم، خاصة إسبانيا. ويوجد في المغرب حاليا عشرات المغاربة من أفراد الجالية المغربية المقيمين بإسبانيا، دخلوا إلى المملكة لدواع شخصية ليجدوا أنفسهم عالقين هنا، بعد إغلاق الحدود البرية عبر معبري سبتة ومليلية، على الرغم من أن السلطات سمحت للمواطنين الإسبان بمغادرة المغرب، ولم تسمح للمغاربة بالمغادرة، على الرغم من أنّ منهم من يحمل الجنسية الإسبانية. إلى حد الآن، لا يزال العلمي السوسي، رئيس جمعية أصدقاء الشعب المغرب "إثران" بإسبانيا، يستغرب من عدم السماح لأفراد الجالية المغربية المقيمين بالديار الإسبانية بمغادرة بلدهم، بعد إغلاق الحدود، قائلا: "المشكل هو أنهم ملي سدّوا الديوانة (يقصد المعبر الحدودي)، خلّاو الأجانب يخرجو، والمغاربة قالولهم ممنوع تخرجو". ويضيف المتحدث، في تصريح لهسبريس، بلكنة شمالية ممزوجة بكلمات إسبانية: "كاينين مغاربة عندهم جنسية إسبانية، بغاو يرجعو لإسبانيا، ولكن السلطات المغربية ما خلاتهمشي"، مشيرا إلى أن الجمعية التي يرأسها توصلت بشكايات كثيرة من المغاربة العالقين في المغرب، تاركين خلفهم أبناءهم، ومنهم نساء حوامل ومرضى يحتاجون إلى متابعة علاجهم عند أطبائهم في الجارة الشمالية للمملكة. أمينة واحدة من مغاربة إسبانيا العالقين في المغرب، تركت طفلها الوحيد لدى جارتها في إسبانيا ودخلت إلى المغرب لقضاء غرض مستعجل، وكانت تنوي العودة إلى إسبانيا بعد أربعة أيام؛ لكنها وجدت نفسها مرغمة على البقاء في المغرب بعد إغلاق الحدود مع إسبانيا إلى أجل غير مسمى، لتعيش ممزقة، حيث جسدها في المغرب وعقلها في إسبانيا. وعلى الرغم من أن وباء "كوفيد-19" انتشر في إسبانيا على نطاق واسع، فإن المغاربة الذين تحدثت إليهم هسبريس يطالبون بالسماح لهم بمغادرة المغرب والعودة إلى الديار الإسبانية، "أنا مثلا الفلوس اللي جبت معايا خسرتهوم، وما بقا عندي باش نخلص الكرا، دبا راني ساكنة فدار بعشرين ألف فرنك للنهار، وما كاينش اللي يصيفتلي الفلوس من إسبانيا، حيت عايشة غير أنا بوحدي مع ولدي"، تقول أمينة. وتضيف، في حديث لهسبريس: "نحن نعيش في كابوس حقيقي، ولم نستوعب بعد ما يجري"، قبل أن تنتقد بدورها سماح السلطات المغربية للمواطنين الإسبان بمغادرة المغرب بعد إغلاق الحدود؛ في حين منعت المواطنين المغاربة المقيمين في إسبانيا من المغادرة، بمن فيهم الذين يتوفرون على بطاقة الإقامة هناك وحتى حاملو الجنسية الإسبانية. ويعيش عدد من المغاربة الذين لم يتمكنوا من العودة إلى إسبانيا على أعصابهم، بسبب انفصالهم القاهر عن أطفالهم والانقطاع عن العمل، فضلا عن وجود نساء حوامل ومرضى في صفوفهم. من بين هؤلاء المرضى سيدة تعاني من مرض السكري وتستعمل مادة الأنسولين بشكل دائم، تقول إنها تشتري عبوّة الأنسولين من الصيدلية في إسبانيا بأوروهين (2 أورو)، لأنها تتوفر على التغطية الصحية، ولا تستطيع أن توكّل أحدا لشرائها لها وإرسالها إلى المغرب؛ لأن ذلك يتطلب الإدلاء بوثائق التغطية الصحية الخاصة بها. أما في المغرب فتباع العبوّة نفسها بثلاثة وسبعين أورو، وهو مبلغ مكلّف بالنسبة إليها. يسرى مغربية أخرى انقطعت بها السبل في المغرب، بعدما عادت من إسبانيا حيث تقيم في مدينة برشلونة، يوم 9 مارس، لإعداد وثيقة إدارية كانت بحاجة إليها، لتفاجأ بإغلاق الحدود يوم 12 مارس، لتضطر إلى البقاء في المغرب، على الرغم من أنها حامل في شهرها السادس، ودخلت برفقة طفلتها التي لا يتجاوز عمرها سنتين وستة شهور. تقول يسرى: "سدو الحدود بلا ما يعلمونا، وأنا حاملة وخصني نتبع عند الطبيب ديالي، عندي عائلة هنا؛ ولكن خاصني نرجع للدار ديالي، حياتي كاملة تما فإسبانيا"، مضيفة بصوت مخنوق: "كنعاني من مرض التهاب المفاصل الروماتويدي، وممحّنة بزاف. أنا دبا في حالة اكتئاب بعدما تقاضالي الدوا ديالي". نفس المعاناة يكابدها محمد، مهاجر مغربي مقيم في مدينة إيبيسا بإسبانيا، جاء إلى المغرب بغرض زيارة والدته، وكان ينوي قضاء أربعة أيام فقط في المغرب؛ لكنه وجد نفسه ممنوعا من العودة إلى الديار الإسبانية حيث يقيم، بعد إغلاق المغرب لحدوده مع جارته الشمالية، كإجراء لمنع تسرب فيروس "كورونا" إلى تراب البلاد. يقول محمد إن أخته أيضا مُنعت من العودة إلى إسبانيا، على الرغم من أنها تتوفر على الجنسية الإسبانية. وعزت شرطة الحدود المغربية، يضيف المتحدث، سبب عدم السماح لها بالمغادرة، على الرغم من مغادرة المواطنين الإسبان، "بكونها تحمل اسما عربيا وأصلها مغربي"، لافتا إلى أنه يكابد معاناة شديدة بسبب المرض الذي يعاني منه منذ سنوات. وأوضح "تقاضى لي الدواء ديالي، والدواء اللي في المغرب ما صالحليشي، وأنا محتاج ناخذ الدواء يوميا. حنا في يد الله حتى يحن علينا الله ونمشيو لديورنا في إسبانيا، حنا الطرف د الخبز ديالنا في إسبانيا، والمعاونة اللي كتعطي الحكومة الإسبانية باش تاخذها خصك تكون حاضر"، خاتما بالقول: "أنا هنا مسيّب ومراتي في إسبانيا مسيّبة".