"كان مولاي إسماعيل يراقب بنفسه صناعة الخبز، يأخذ عينات من أفران متعددة، فإذا وجدها من نوعية رديئة أو دون الوزن الذي ينص عليه القانون، ضرب رقبة صاحب المخبزة عقابا له؛ وكان يتخذ نفس الإجراء مع تجار الفواكه"، يسرد جوسيف دو ليون في كتابه Vie de Moulay Ismail. roi de Fès et de Maroc الذي خصصه عن السلطان المغربي مولاي إسماعيل الذي حكم المغرب في الفترة الممتدة بين 1672 و1727. مراقبة الجودة يزيد الكاتب نفسه وهو يتحدث عن المجاعة التي ضربت المغرب في عهد مولاي إسماعيل وما يقوم به هذا السلطان الذي حكم المغرب 55 عاما لتدبير أزمة الخبز في هذه المحنة التي حلت برعيته إبان حكمه قائلا: "على أن المحتسب هو الذي كان يتعرض لعقوبة الإعدام، أو يخسر وظيفته وأملاكه، إذا كانت نوعية البضائع رديئة. زيادة على ذلك كان السلطان يمارس مراقبته على كل ما يتعلق بالمواد الغذائية بواسطة العيون، أولئك الذين يخبرونه بحالة البضائع، وكان الباشوات والقياد يتحملون المسؤولية عن الغش والتدليس"، وأضاف: "في كل سنة يتم تحديد سعر الحبوب والفواكه تبعا لنوعية محصولها، ثم يعمد السلطان إلى بيع محاصيله بنصف الثمن لتخفيض السعر في الأسواق". كانت هذه الإجراءَات بسبب المجاعة التي حلّت بالمغرب في فترة حكم مولاي إسماعيل، والتي تقول مصادر تاريخية إن الكثير من التجار استغلوها لاحتكار القمح وبيعه بثمن مرتفع؛ إذ لم يكن سبب المجاعة هو غياب القمح، بل غلاؤه وعدم قدرة الفقراء والضعفاء على شرائه. نقص في الخبز يورد محمد الأمين البزاز في كتابه: "تاريخ الأوبئة والمجاعات في المغرب"، نقلا عن وثائق ومصادر تاريخية أنه: "عندما حل القحط ومات بسببه جم كثير من الناس، تبين أن نقص الخبز راجع إلى أن التجار الكبار خزنوا قمحهم، وإذ إن القمح يباع ب20 بيسوس (PESO) للصحفة، فقد أمر مولاي إسماعيل التجار بإخراج مخزوناتهم منه في ظرف 24 ساعة وبيعه ب3 بيسوس للصحفة". وزاد المصدر نفسه أن مولاي إسماعيل هدد "المخالفين بالإعدام ومصادرة متاعهم، وعندما أرسل في اليوم التالي أحد قواده إلى سوق الحبوب أخبره بأن القمح يوجد بوفرة". لم يكتف السلطان العلوي بهذا التهديد الشفوي، بل طبق عقوبته لمنع الاحتكار على أحد الباشوات في مكناس، إذ يضيف المصدر السالف الذكر أن مولاي إسماعيل "عندما علم بأن أحد كبار الباشوات لم يخرج سوى جزءًا من قمحه للسوق، أعطى السلطان أوامره بتوثيقه من رجليه إلى دابة جرجرته عبر أزقة مكناس إلى أن تمزق إربا إربا ووزع قمحه على الفقراء". غش وتدليس في كل زمان يوجد تجار المآسي الذين يستغلون معاناة الناس للاغتناء والربح، ولم يخرج تجار المغرب في القرن الثامن عشر عن هذا الباب، فبعضهم قام باحتكار السلع في عز الأوبئة والمجاعات، وبعضهم رفع ثمنها إلى أقصى ما يمكن سعيا وراء الربح السريع ولو على حساب مآسي الفقراء والمعوزين، وبعضهم ابتكر طرقا جديدة في الغش والتدليس دون مراعاة لصحة الناس ولا ميزانيتهم الهشة في لحظات المحن والجائحات. مخيلة بعض خبازين وطحاني القمح أوحت لهم في مكناس بخلط الجير بالقمح كي يصير وزن الأكياس كبيرا وتحصيل أكبر قدر من الأرباح، ومن ذلك ما يورده البزاز في كتابه عن تاريخ الأوبئة: "في تلك السنة نفسها من القحط، مزج طحانو مكناس الدقيق بالجير للزيادة في وزنه، ما تسبب في موت عدد كبير من الناس. لما علم السلطان بالأمر أحضر في الحين أمين الحنطة مع باقي الطحانين، فاعترفوا بجريمتهم الشنعاء بعد تهديدهم بالإعدام". ويزيد المصدر نفسه أنه رغم اعترافهم فقد جرى لهم ما جرى للباشا المحتكر للقمح، إذ يورد: "أمر السلطان بجرجرتهم بواسطة البغال عبر المدينة، البعض منهم لأنهم مذنبون والبعض الآخر لأنهم لم يبلغوا بهم". كانت هذه بعض الإجراءَات التي لجأ إليها مولاي إسماعيل في الفترة التي حكمها وعرفت مجاعة كبيرة. وقد أتت هذه التدابير أكلها، إذ يخلص الأمين البزاز إلى أن "المخزن نجح في التخفيف من وطأة المجاعة إن لم نقل نجح في قطع دابرها مستقبلا"؛ حتى إن جوسيف دي ليون في الكتاب المذكور عن مولاي إسماعيل ملك فاس والمغرب قال إنه "بعد هذا التشهير لم يقع نقص أبدا في القمح إلى غاية نهاية عهد مولاي إسماعيل".